34-05-05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا وقد يستدل إضافة إلى الروايتين السابقتين بما دلَّ على أن من أدرك جمعاً قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج وهي مجموعة من الروايات:-
 من قبيل:- صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج ، ومن أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة ) [1] .
 وقريب من ذلك إن لم يكن نفسه صحيحة جميل [2] .
 ومنها:- موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ) [3] ، وبمضمونها صحيحة هشام بن الحكم [4] . ولعل تسليط الأضواء على وجود خمسة من الناس وأنه إذا أدرك المكلف المشعر وعليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحجّ هو من باب الكناية - إن صحَّ التعبير - عن كفاية إدراكه ولو آخر الوقت - يعني قبيل الزوال بلحظات قليلة حيث لا يوجد الناس آنذاك إلّا بقدار قليل -.
 ومنها:- صحيحة معاوية بن عمار:- ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- إذا أدرك الزوال فقد أدرك الموقف ) [5] ، ولعله توجد روايات أخرى بهذا المضمون.
 وتقريب الدلالة واضح حيث جُعِل المدار في إدراك الحج على إدراك المشعر قبيل الزوال ومقتضى الإطلاق أنه يدرك بذلك الحجّ حتى إذا لم يدرك موقف عرفات الاضطراري فضلاً عن الاختياري ومحلّ كلامنا هو هذا - يعني إدراك اضطراري المشعر وحده من دون إدراك موقف عرفات الاضطراري ولا الاختياري - وهذه الرواية تدلّ على ذلك بمقتضى الإطلاق ، هكذا قد يستدل بالروايات المذكورة بل استدل بها على ذلك .
 ولكن يمكن أن يناقش ويقال:- من المحتمل أن تكون الروايات المذكورة هي في صدد البيان من ناحية توسعة الموقف في المشعر وأنه يتسع إلى ما قبل الزوال ولا ينحصر بإدراكه قبل طلوع الشمس بل حتى لو أدركه قبيل الزوال كفى ، ومعه فلا يستفاد منها الإجزاء حتى مع اختلال غير ذلك من الإجزاء - أعني مثل الموقف بعرفات فحتى لو لم يدرك الاضطراري منه لا يؤثر ذلك مادام المكلف قد أدرك الموقف في المشعر قبيل الزوال - كلا إنها ليست في مقام البيان من تلك الناحية - أي من ناحية الشرائط الأخرى - وإنما هي في مقام البيان من ناحية توسعة الموقف في المشعر إلى ما بعد شروق الشمس حتى الزوال وأما بقية الشرائط فهي ساكتة عنها وليست في مقام البيان من ناحيتها ، وهل يحتمل أحد التمسك بالإطلاق المذكور حتى في حالة فوات الإحرام أو فوات عمرة التمتع - يعني إذا لم يأت بها - فيقال يكفي إدراك المشعر الحرام قبيل الزوال في إدراك الحج ؟ كلا بل يحتمل أنها في مقام البيان من ناحية توسعة موقف المشعر إلى ما قبل الزوال وأنه لا يفوت الحج مادام قد أدرك المشعر قبيل الزوال ولكن مع المحافظة على بقية الشرائط - فإنه يحتمل أن يكون هذا هو المقصود.
 إن قلت:- لم لا نتمسك بالأصل وهو أن الأصل في كل متكلم أن يكون في مقام البيان كما تعلمنا ذلك في علم الأصول وبذلك نثبت أنه في مقام البيان حتى بلحاظ بقيّة الشرائط - بمعنى أنه حتى لو اختلّت فلا يؤثر ذلك في صحة الحج مادام قد أدرك المشعر قبيل الزوال - ؟
 قلت:- إن مثل هذا الأصل لو سلّمناه فهو يتمّ فيما إذا شك في كونه في مقام البيان أو ليس في مقام البيان رأساً وبشكل كليّ دون ما إذا أحرز أنه في مقام البيان من ناحيةٍ وشك في كونه في مقام البيان إضافة إلى ذلك من ناحيةٍ أخرى ومقامنا من هذا القبيل فإن المتكلم هو في مقام البيان من ناحية توسعة الموقف في المشعر جزماً أما أنه هل هو في مقام البيان إضافة إلى ذلك من ناحيةٍ أخرى - أعني من ناحية بقيّة الشرائط وأنه حتى لو اختلت لا يؤثر ذلك - ؟ إن هذا لا نسلمه ولا يوجد أصلٌ عقلائيٌ في هذه الحالة وإنما الأصل العقلائي المذكور لو سُلّم فهو يتم فيما إذا شُك في كونه في مقام البيان أو لا - يعني رأساً - لا ما إذا أحرز أنه في مقام البيان من ناحية وشُك في كونه في مقام البيان من ناحيةٍ أخرى ، وهذه قضية ظريفة مهمة ينبغي أن تتأمل فيها وتتخذ قراراً فيها فإنها قضيّة مؤثرة في مقام الاستنباط.
 بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- نحن لا نسلّم حتى الأصل المذكور - وأنه لو شك في كون المتكلم في مقام البيان أو عدم كونه كذلك رأساً - فلا نسلّم بوجود أصل عقلائي يقول ( هو في مقام البيان ) وإن كان هذا قد سمعناه في علم الأصول ولكن يمكن التأمل فيه وإنما المدار على ملاحظة الموارد فقد يفترض في بعض الموارد أن الكلام يساعد ببعض قرائنه على كون المتكلم في مقام البيان وقد لا يساعد على ذلك في مورد آخر وفي مثل هذا المورد الذي لا توجد فيه القرائن المساعدة لإثبات كونه في مقام البيان يوجد مجال للتوقف في البناء على كون المتكلم في مقام البيان ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها أيضاً.
 إن قلت:- إنه في الصورة الثالثة - أعني من أدرك الموقف الاضطراري لعرفات والاختياري للمشعر الحرام - حكم فيها الفقهاء بنحوٍ لم ينقل فيها الخلاف بالصحّة ونحن وافقناهم على ذلك وذكرنا ثلاث روايات وكانت الرواية الثالثة هي صحيحة لمعاوية بن عمار تقول:- ( من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ) فكيف قبلنا التمسك بها هناك ورفضنا التمسك بها في المقام فإنه إذا فرض تماميَّة هذه المناقشة التي ذكرناها فسوف يلزم عدم إمكان التمسك بالمضمون المذكور حتى في الصورة الثالثة ؟
 قلت:- إن الرواية المذكورة لم تقل:- ( من أدرك المشعر قبل الزوال فقد أدرك الحج ) أي بقيد ( قبل الزوال ) كلا إنها لم تقل ذلك حتى يرد ما أشرنا إليه من احتمال كونها بصدد توسعة موقف المشعر لا أكثر وليست في مقام البيان من ناحية بقيّة الشرائط ، كلا بل هي قالت:- ( من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ) فيتعين أن يكون المقصود هو أن المدار في إدراك الحج هو إدراك المشعر - يعني حتى لو اختل إدراك موقف عرفة فضلاً عمّا إذا أدرك الاضطراري منه - وهذا بخلاف مقامنا فإن الروايات التي قرأناها هي بأجمعها فيها تأكيد على قضيّة ما قبل الزوال حيث تقول:- ( من أدرك المشعر قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ) فهنا بناءً على هذا اللسان يأتي احتمال أنها بصدد توسعة المشعر لا أكثر - يعني بقطع النظر عن بقيّة الشرائط - وساكتة من تلك الناحية . إذن قياس مقامنا على ذلك المقام ليس بصحيح ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 ثم إنه قد يذكر من جملة روايات هذه الطائفة التي أشكلنا على التمسك بها صحيحة عبد الله بن مسكان عن الكاظم عليه السلام:- ( إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ) فإنه قد تذكر هذه الرواية كفردٍ من أفراد الطائفة التي نحن الآن بصدد التحدث عنها ، وقد تمسك بها صاحب المسالك(قده) وقبله فخر الدين والإسلام(قده) فإن العلمين المذكورين قد تمسكا بها والحال أنه لا توجد في مصادر الحديث [6] رواية لعبد الله بن مسكان بهذا المضمون المذكور لا في الكتب الأربعة ولا في غيرها فمن أين جاء العلمان بها ؟ لا يبعد أنه وقع اشتباه فعندما أراد القلم أن يكتب ( عبد الله بن المغيرة ) اشتبه وكتب ( ابن مسكان ) وهذه الرواية هي نفس الرواية السابقة التي نقلناها لابن المغيرة . والذي يزيد في الغرابة أن الكشّي بل وهكذا النجاشي ذكرا في ترجمة عبد الله بن مسكان أنه ( روي أن عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق عليه السلام إلا حديث " من أدرك المشعر فقد أدرك الحج " ) ووجه أشديَّة الغرابة هو أن هذه الرواية هي رواية ابن المغيرة لا ابن مسكان كما تقدّم ، مضافاً إلى أن ابن مسكان له روايات متعدّدة عن الإمام الصادق عليه السلام بلسان ( قلت له ) ونحو ذلك فهل نكذّب تلك الروايات الدالّة بوضوح على أنه ينقل بالمباشرة ؟ فكيف يقال أنه لم يروِ بالمباشرة عن الإمام الصادق عليه السلام إلا هذه الرواية والباقي لم يروِه بالمباشرة ؟! ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن هذه الرواية هو قد رواها عن الإمام الكاظم وليس عن الامام الصادق ، وقد التفت إلى هذا المطلب وأشار إليه صاحب المدارك(قده) حيث قال:- ( ولم نقف على هذه الرواية في شيء من الأصول ولا نقلها أحد غيرهما فيما أعلم ) [7] ثم ذكر بعد ذلك أنه من المحتمل أنه وقع الاشتباه من ناحية الأب فأرادوا أن يقولوا عبد الله بن المغيرة فاشتبهوا وكتبوا ابن مسكان ، وقد أشار صاحب الوسائل(قده) إلى ذلك أيضاً حينما نقل عن الكشي والنجاشي المضمون السابق [8] فذكر أن ابن مسكان قد روى بالمباشرة عن الإمام الصادق عليه السلام بلسان ( قلت ) ونحو ذلك كثيراً . وعلى أي حال ما ذكرناه لم نقصد منه إلّا التنبيه على أنه وقع اشتباه بهذا الشكل الذي أشرنا إليه وبالتالي لم يسلم عندنا من الروايات التي يمكن التمسك بها لإثبات الصحّة إلّا روايتان هما صحيحة عبد الله بن المغيرة وموثقة الفضل بن يونس.


[1] الوسائل ج14 ص40 ب23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح8.
[2] المصدر السابق ح9.
[3] المصدر السابق ح11.
[4] المصدر السابق ح10.
[5] المصدر السابق ح15.
[6] وهذه قضية جانبية.
[7] المدارك ج7 ص408.
[8] الوسائل ج14 ص41 ب23 من أبواب الوقف بالمشعر ح13.