34-04-28


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما بالنسبة إلى الحكم الخامس:- فالوجه فيه هو أنا لو رجعنا إلى الروايات نجد أنها قد أكدت على الطواف والسعي ولم تذكر طواف النساء فلاحظ صحيحة حريز المتقدمة حيث جاء فيها:- ( .... ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، قلت له:- كيف يصنع ؟ قال:- يطوف بالبيت وبالصفا والمروة وإن شاء أقام بمكة ... ) إنه عليه السلام لم يذكر طواف النساء ، وهكذا بالنسبة إلى صحيحة معاوية بن عمار الأخيرة حيث جاء فيها:- ( .... يقيم مع الناس حراماً أيام التشريق ولا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ وعليه الحجّ من قابل ) ، وعليه فالمناسب بمقتضى الروايتين المذكورتين عدم وجوب ذلك ، وما دلَّ على أن العمرة المفردة تفترق عن عمرة التمتع بفوارق أحدها طواف النساء فغايته أنه يشكّل عموماً وحيث إنه يقبل التخصيص فنخصصه بهذه العمرة المفردة وتصير النتيجة هي أن كل عمرةٍ مفردةٍ لا بد فيهما من طواف النساء إلّا هذه العمرة بيد أن الاحتياط شيء حسن ، ومن هنا قال صاحب الجواهر(قده):- ( .... كما أنك تسمع الكلام إن شاء الله باعتبار طواف النساء في عمرة الإسلام المفردة أما هذه فلم أجد في شيء من النصوص بل ولا الفتاوى التصريح بذكر طواف النساء فيها بل ظاهر النصوص المتعرِّضة لتفصيل أفعالها هنا خلافه ولعله الأقوى ولكن الأحوط الإتيان به ) [1] ، وعلى أي حال كان من المناسب للسيد الماتن(قده) التعرض إلى هذه القضية أيضاً.
 وهناك قضية أخرى لم أجد التعرّض إليها في كلمات الأصحاب:- وهي أن الروايات المذكورة كما لم تذكر طواف النساء لم تذكر التقصير أيضاً فإنها ذكرت أن عليه طواف العمرة والسعي وسكتت عن التقصير وعليه كان المناسب عدم لزوم التقصير فيها فكما رفعنا اليد عن طواف النساء لعدم التأكيد عليه كذلك الحال بالنسبة إلى التقصير.
 أجل قد يقال:- إن الوارد في بعض الروايات التعبير بكلمة ( أحلَّ ) كما في صحيحة معاوية المتقدمة حيث جاء فيها:- ( فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلَّ ) والتعبير بذلك يحمل على التقصير - يعني وعليه التقصير لكي يتحلل بذلك - هكذا قد يقال في مقام إثبات وجوب لتقصير وامكان استفادته من الروايات.
 بيد أن التعبير المذكور حياديّ فكما يحتمل هذا يحتمل أن يكون المقصود أنه بما صنعه وفعله - أعني الطواف والسعي - قد أحلّ وحصل له الإحلال . إذن هذا التعبير يلتئم مع هذين ومعه تعود هذه الصحيحة مجملة من هذه الناحية وتبقى صحيحة حريز التي لم تشتمل على كلمة ( أحلَّ ) مطلقة وصالحة للتمسك بها بعد إجمال هذه الرواية ، فالمناسب إذن صناعةً عدم لزوم التقصير أيضاً ، بيد أن الاحتياط يقتضي الإتيان به. وعلى هذا الأساس الأحوط الإتيان بطواف النساء والتقصير غايته بالنسبة إلى طواف النساء يمكن أن يقال إن الاحتياط استحبابي لضعف الموجب له بخلافه بالنسبة إلى التقصير فإنه يمكن أن يقال بالاحتياط الوجوبي من ناحيته.
 هذا كله بالنسبة إلى الصورة الأولى من إدراك الموقفين.
 
 
 قال(قده):-
 الثانية:- أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.
 ..........................................................................................................
 وهنا لم ينقل خلاف على الحكم بالإجزاء بل نقل عن العلامة رحمه الله تعالى الإجماع على ذلك ، قال صاحب الشرائع:- ( الرابعة:- إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له إدراك المشعر إلى قبل الزوال صح حجّه ) ومقصوده من هذه العبارة الإشارة إلى هذه الصورة فبقوله ( إذا وقف بعرفات قبل الغروب ) إشارة إلى إدراك الموقف الاختياري لعرفات ، وبقوله ( وإذا لم يتفق له إدراك المشعر إلى قبل الزوال) الإشارة إلى أن إدراكه كان للموقف الاضطراري - يعني أدركه قبل الزوال - والعبارة فيها شيء من الإيهام ، وعلّق صاحب المدارك بقوله:- ( هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب حكاه في المنتهى ) [2] ، وقال الشيخ النراقي:- ( صح حجّه اتفاقاً كما عن المنتهى والتذكرة ) [3] ، وقال في الجواهر:- ( بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ) [4] . إذن يمكن أن نقول إن المسألة اجماعية لا أن المعروف فيها هو الصحّة.
 ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى [5] ؟ قال:- فليرجع فليأت جمعاً فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع ) [6] ، ونحو ذلك صحيحه الآخر بل لعله عينه [7] فإنه عليه السلام أمر الرجل المذكور الذي ذهب إلى منى من بعد أن أفاض من عرفات من دون أن يقف في المزدلفة بالعودة إلى المشعر حتى إذا كان الناس قد أفاضوا والمقصود من قوله ( قد أفاضوا ) يعني بعد طلوع الشمس - أي الموقف الاضطراري - ولم يحكم عليه بلزوم الحج من قابل ولم يقل ( قد فاته الحجّ ) فالأمر بالعودة إلى المشعر بعد شروق الشمس والسكوت عن إعادة الحج من قابل يدلّان على صحة الحج بإدراك الموقف الاختياري لعرفات والاضطراري للمشعر ، وعلى منوالها موثقة يونس بن يعقوب أو صحيحته:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل أفاض من عرفات فمرَّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار ، قال:- يرجع إلى المشعر فيقف به ثم يرجع ويرمي الجمرة ) [8] ودلالتها كما سبق.
 وربما يتمسك أيضاً بصحيحة محمد بن يحيى الخثعمي التي وراها الشيخ الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال في رجل لم يقف في المزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى ، قال:- ألم يرَ الناس ؟ ألم يذكر منى حين دخلها [9] ؟ قلت:- فإنه جهل ذلك ، قال: يرجع ، قلت:- إن ذلك قد فاته ، قال:- لا بأس ) [10] فإنها دلت على لزوم الرجوع إلى المشعر وحينما سأله الراوي أن ذلك قد فاته - يعني الوقوف الاختياري في المشعر - قال ( لا بأس) فإن فسّرنا فقرة ( لا بأس ) بأنه رغم ذلك لا بأس بالذهاب إلى المشعر ويقف الموقف الاضطراري فيثبت بذلك ما نريد وهو أن إدراك الموقف الاضطراري للمشعر منضمّاً إلى الموقف الاختياري لعرفات يجزي وهذا هو مطلوبنا ، وأما إذا فسّرنا الفقرة المذكورة بأنه مع فوات المشعر رأساً لا بأس فيثبت مطلوبنا أيضاً بالأولوية إذ لو كان إدراك اختياري عرفة كافياً وحده من دون إدراك شيء من المشعر رأساً فبالأولى يكفي لو كان قد أدرك اضطراري المشعر إضافة إلى اختياري عرفة . إذن دلالة الرواية الذكورة جيدة ، وقد رواها الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام فهي إذن صحيحة السند .
 هذا ولكن رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن سعد عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن بن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله [11] فإنه بناءً على هذا السند تكون الرواية مرسلة إذ كما نحتمل أن الخثعمي رواها عن الإمام بالمباشرة نحتمل أنه رواها بواسطة بعض أصحابه وبذلك تعود مرسلة ، وذكر الشيخ التبريزي(قده) سابقاً في غير هذا الموضع في تهذيبه [12] أنه يمكن أن نفترض أن الخثعمي سمعها مرّة من الإمام مباشرةً فرواها من دون واسطة وأخرى سمعها بواسطة شخصٍ فرواها بواسطة بعض أصحابه فإنه مع إمكان هذه الفرضية لا يضرّ إرسال الطريق الثاني بعدما كان الطريق الأول صحيحاً ومعتبراً وقد سار(قده)على هذا في كلماته في غير موضعٍ . ولكن ذكرنا سابقاً أن هذه قضيّة ممكنة كما ذكر(قده) ولكنها بعيدة وقوعاً باعتبار أن ذلك الشخص الذي رواها للخثعمي - أعني بعض أصحابه - هل كان حاضراً في المجلس أيضاً ؟ بمعنى أن الخثعمي كان حاضراً وذلك الشخص كان حاضراً أيضاً فرواها الخثعمي بالماشرة لأنه كان حاضراً ورواها بالواسطة باعتبار أن ذلك الشخص الذي كان في المجلس قد نقلها إليه وهذا كما ترى لغو في النقل فإنه بعد حضور الخثعمي بنفسه في المجلس لا معنى لأن يأتي ذلك الشخص ويقول له أنا أرويها لك إذ يقول له الخثعمي إني كنت حاضراً في المجلس وسمعتها ، وأما إذا افترضنا أن ذلك الشخص لم يكن حاضراً فمن الوجيه أن ينقلها ذلك البعض إلى الخثعمي باعتبار أن الخثعمي لم يكن حاضراً حينما سأل هذا الثاني الإمام ولكن من البعيد أن يكون السؤال بصيغةٍ وألفاظٍ واحدةٍ والجواب يكون بألفاظٍ واحدةٍ ، ولا نريد أن نقول هو شيء غير ممكن بل شيء ممكن ولكنه بعيد ولا أقل إمارات الوحدة موجودة وإن لم تصل إلى درجة الاطمئنان ، ومعه نشك في انعقاد البناء العقلائي على الحكم بالتعدّد فإن مدرك الحكم بالتعدد هو البناء العقلائي فهم يعدّون هذه وراية وتلك رواية أخرى مغايرة لها إذا لم تلح قرائن الوحدة أما إذا اتفق النقلان بهذا الشكل فهل يعدّونه روايتين أو لا ؟ وحيث إنه دليل لبّي فيقتصر على القدر المتيقن وهو ما إذا لم تلُح قرائن الوحدة ، وهذا أيضاً مطلبٌ سيّال نذكره في هذا المورد وفي غيره ، وعليه فالتمسك بهذه الرواية وعدّها صحيحة ليس في محلّه ، وإنما عبّرنا بالصحيحة في البداية نظراً إلى نقل الشيخ الكليني(قده) ولإيصال الفكرة بادئ ذي بدءٍ وإلّا فقد اتضح أن عدّها صحيحة شيءٌ مشكل.


[1] الجواهر ج19 ص91.
[2] المدارك ج7 ص405.
[3] مستند الشيعة ج12 ص264.
[4] الجواهر ج19 ص39.
[5] أي لم يقف في المشعر.
[6] الوسائل ج14 ص35 ب21 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[7] المصدر السابق ح1.
[8] المصدر السابق ح3.
[9] هكذا جاء في الوسائل ولكن ورد في التهذيب ج5 ص293 ( ألم يرَ الناس لم تبكّر منى حين دخلها ) ، وفي الاستبصار ج2 ص306 ( ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها ).
[10] الوسائل ج14 ص47 ب25 من ابواب الوقوف بالمشعر ح6.
[11] فلاحظ الوسائل في نفس المصدر السابق ح5.
[12] التهذيب ج3 ص182.