21-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الوجه الثاني:- صحيحة سعيد الاعرج:- ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ، فقال:- تقف بهنَّ بجمعٍ ثم أفض بهنَّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة فإن لم يكن عليهنَّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصّرن من أظفارهن )[1] ، إنه عليه السلام قال ( فإن لم يكن عليهنَّ ذبح فليأخذن من شعورهنَّ ) يعني إذا كان الحج حج إفراد ومفهومه أنه إذا كان عليهن ذبحٌ فلا يجوز لهنَّ الاخذ من شعورهنَّ بل عليهنَّ الذبح أوّلاً ثم الاخذ من الشعر وهذا هو عبارة أخرى عن شرطيّة الترتيب - يعني أن الاخذ من الشعر مترتّب ومتأخّر عن الذبح - ، قال(قده) ما نصّه:- ( فإنه كالصريح في لزوم التأخير فإن المتفاهم منه أنه لو كان عليهنَّ ذبحٌ لا يجوز لهنَّ التقصير إلا بعد الذبح ) . هذا حاصل الوجه الثاني الذي تمسك به(قده) لإثبات لزوم تأخّر الحلق أو التقصير عن الذبح.
وفيه:- إن نفس ما أوردناه على الوجه السابق يأتي هنا ولكن مع التبديل لبعض الالفاظ وذلك بأن يقال:- لعل الامام عليه السلام علّق الأخذ من الشعر على الذبح من باب أنه لا فائدة في التقصير إذا لم يكن الذبح متحققاً ولو بَعداً فلأجل أنه لا فائدة فيه - أي في تحقق الاحلال وفي الاتيان بأعمال مكة من الطواف وغيرها - لم يأمر بالأخذ من الشعر قبل أن يتحقق الذبح . إذن لا يمكن أن نستنتج من هذه الرواية أن الحلق يلزم تأخره عن الذبح كلا فإنه عليه السلام لم يقل ( يلزم تأخر الحلق عن الذبح ) بل قال ( إن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ) وهذا كما يحتمل أن يكون لأجل اعتبار الترتيب يحتمل أن يكون لأجل ما أشرنا إليه من أن الفائدة في الأخذ من الشعر هي الاحلال والاتيان بأعمال مكّة وذلك لا يترتّب إلا إذا تحقق الذبح ولو متأخراً عن التقصير ، فإذن لا يمكن أن نستنتج من هذا التعليق اعتبار شرطية الترتيب.
إن قلت:- كفى في الفائدة - أي فائدة التقصير ولو قبل الذبح - أنه سوف يذهبن إلى بيوتهن في مكّة فمتى ما وصل لهنَّ الخبر بأنه قد تحقق الذبح فسوف يحصل الاحلال بلا حاجة إلى مجيئهن من جديد إلى منى لأجل التقصير ، إذن هذه فائدة في تقدّم التقصير وإن كان الاحلال لا يتحقق أو أن أعمال مكّة لا يجوز الاتيان بهها ولكن هذه فائدة من الفوائد فلا حاجة إلى المجيء إلى منى من جديد لأجل التقصير باعتبار أن التقصير للحج لا يمكن أن يكون إلا في منى ، نعم التقصير لأجل العمرة فيجوز في أي مكانٍ كان أما التقصير لأجل الحج فيلزم أن يكون في منى فهذه فائدة ، فإذن لماذا تقول إنه لا فائدة في هذا التقصير ؟! ولعلّ الإمام  عليه السلام علّق التقصير على عدم الذبح من باب أنهه لا فائدة فيه بل هناك فائدة وهي التي أشرنا اليها.
قلت:- إن هذه الفائدة ثابتة في زماننا حيث تحققت وسائل جديدة كالموبايل وغيره فبالاتصال تفهم المرأة أنه قد ذبح لها فتتحلّل آنذاك ومن حقّها آنذاك أن تذهب إلى المسجد الحرام لأداء الطواف والسعي ، وهذا بخلافه في الزمن السابق فإن هذه الوسائل لم تكن موجودةً ومن أين تطلع المرأة على ذلك فتبقى متحيّرة وبالتالي يكون تقديم التقصير لها بلا فائدة.
وبالجملة:- إن الإمام عليه السلام علّق التقصير على عدم الذبح لعله من هذه الناحية ويكفينا إبراز الاحتمال ومعه لا يمكن أن نستنتج من هذه الرواية اعتبار شرطيّة الترتيب بعدما كانت تلتئم ثبوتاً مع كلا الاحتمالين.
الوجه الثالث:- صحيحة جميل المتقدمة وهي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال:- لا ينبغي ألا أن يكون ناسياً ) ثم قال:- ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلو يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلا قدموه ، فقال:- لا حرج )[2] ، وعلى منوالها صحيحة محمد بن حمران[3] ، فإن هذه الصحيحة[4] قد تمسك بها(قده) ببيانين:-
البيان الأول:- إن الوارد في هذه الصحيحة هو:- ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخوه إلا قدموه ) وكلمة ( ينبغي ) أو الانبغاء تلتئم مع الاستحباب وجواز الترك فكيف نفهم من هذه الصحيحة أن هذه الأمور التي أخّرت أو قُدِّمت يلزم فيها الترتيب لا أنه يستحب فلعله يستحب فإن الانبغاء أعم ؟ من هنا أبرز(قده) هذه القرينة لاستفادة اللزوم قائلاً إنه إذا لاحظنا صدر الرواية فذلك الصدر يصير قرينة على إرادة اللزوم في كلام الإمام فإن الوارد في الصدر هكذا:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور[5] البيت قبل أن يحلق ، قال لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً )
إنه يستفاد من هذا التعبير عدم جواز فعل الطواف والسعي قبل الحلق ثم استشهد لهذا اللزوم بمقالة الرسول وأنه جاءه أناس وقدموا ما ينبغي تأخيره أو بالعكس فقال ( لا حرج ) إن هذا قرينة على أن ما سُئِل عنه النبي صلى الله عليه وآله كان من الموارد التي يلزم فيها الترتيب فأن المقصود من قوله ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه ) هو بمعنى  أنه يلزم أن يؤخروه لا أنه يستحب ذلك إذ لو كان المقصود أنه يستحب فلا يكون حكم النبي
حينئذٍ شاهداً لما أراده الإمام عليه السلام لأن الإمام قال ( لا ينبغي ) أي لا يجوز زيارة البيت قبل الحلق فهو قد حكم بعدم الجواز فهو عندما يستشهد بما صدر عن الرسول يلزم أن يكون الترتيب لازماً في مورد السؤال من النبي صلى الله عليه وآله إذ لو كان مستحبّاً والنبي قال ( لا حرج ) في مورد استحباب الترتيب دون لزومه فهذا لا يصلح أن يكون شاهداً لما أراده الإمام عليه السلام حيث أنه أراد يبين أنه لا تجوز زيارة البيت قبل الحلق إلا في حالة النسيان فيجوز فحينما استشهد بكلام النبي فلابد وأن نفترض أن مورد مقالة النبي هو مورد لوزم الترتيب ولكنه خفّف عن هؤلاء لأجل نسيانهم أو جهلهم أما إذا كان وارداً في مورد استحباب الترتيب فتخفيف النبي في مورد النسيان لا يصلح شاهداً لما أراده الإمام لأن الإمام يريد أن يخفّف في حالة لزوم الترتيب فيلزم أن يكون ما صدر من النبي أيضا كذلك - أي في مورد لزوم الترتيب - حتى يحصل ارتباطٌ ويصلح أن يكون هذا شاهداً لذاك.
هذا ما حاول به السيد الخوئي(قده) إثبات أن كلمة ( ينبغي ) الواردة في كلام النبي صلى الله عليه وآله المقصود منها هو اللزوم ، وإنما أكّد(قده) هنا - وأرادها هنا - لماذا ؟ لأن هذه جملة ( إني حلقت قبل أن أذبح ) هي قد وردت في هذا المورد - أي في مورد السؤال من النبي - فهذه هي مورد شاهدنا فيلزم أن نثبت لزوم الترتيب في المورد.
البيان الثاني:- إنه حتى لو قطعنا النظر عن صدر الرواية فيكفينا نقل الحديث الذي حصل مع النبي صلى الله عليه وآله - يعني يكفينا الذيل وأنه أتاه أناس قدّموا ما ينبغي تأخيره - لأن هذا التعبير يفهم منه أن المرتكز في أذهان المسلمين أن هذه الموارد يلزم فيها الترتيب والتي من جملتها ( حلقت قبل أن أذبح ) فيفهم أن المرتكز في أذهان المسلمين هو ذلك من دون حاجة إلى لاستعانة بصدر الرواية.
وكلا البيانين قابل للمناقشة:-
أما البيان الأول:- فلأمرين:-
الأول:- إنه إذا سلّم أن كلمة ( ينبغي ) والانبغاء صالح للاستحباب وجواز الترك فحينما ننتقل إلى الصدر والذي ورد فيه ( لا ينبغي ) فحينئذ نقول إن تعبير ( لا ينبغي ) سوف يكون ملتئماً مع الاستحباب وجواز الترك أيضاً فما دمت قد سلّمت في كلمة (ينبغي ) أنها صالحة لإرادة الاستحباب فيلزم أن تسلّم ذلك أيضاً في كلمة ( لا ينبغي ) - يعني أنها صالحة لإرادة جواز الترك - ولا يتعين إرادة اللزوم منها  . إذن كيف تثبت أن الصدر قد أريد منه اللزوم حتى يصير شاهداً على الذيل ؟! والتعبير بالاستثناء - أي بقوله ( إلا أن يكون ناسياً ) - لا يصلح قرينة على إرادة اللزوم إذ المعنى يمكن أن يكون هو ( أنه يستحب ويرجح ويفضّل أن يحلق قبل الذبح إلا في حالة النسيان فإن ذلك لا يؤثر ذلك على درجة الفضل والرجحان ) فأيُّ مانعٍ من ذلك ؟! فهذا الاستثناء لا يصلح أن يكون شاهداً لإرادة اللزوم فإنه يلتئم مع الاثنين معاً - أي مع اللزوم ومع الاستحباب -.


[4] قد يقال إن هذه رواية واحدة بعد ضم ضميمة وهي انه قيل في ترجمة جميل ومحمد بن حمران أن لهما كتاباً واحداً اشتركا فيه فلعله من هذه الناحية تارة رويت عن جميل وأخرى عن محمد بن حمران ولكن هذا لا يضرنا في المقام.
[5]  وقد تقدم أن زيارة البيت هي كناية عن الطواف السابق.