39/03/27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

قلنا إذا شككنا في اعتبار الفقر على من يتصدّق عليه فحينئذٍ هذا شك في قيدٍ جديد يشك في اشتغال الذمّة به فيكون مجرى للبراءة ، ثم قلت: اللهم إلا أن يقال إنَّ التصدّق قد أخذ في مفهومه جزماً أو احتمالاً[1] فقر الطرف فهنا لا يجوز التمسّك بالبراءة ، لأنَّ الذمّة قد اشتغلت جزماً بالتصدّق وأنا أشك أنَّ عنوان التصدّق هل يتحقق لو تصدقت على غير الفقير فهذا المورد يكون مجرى للفراغ اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، يعني أنَّ الذمّة جزماً مشتغلة بالتصدّق فلابد من تفريغها يقيناً وذلك لا يحصل إلا بالدفع إلى الفقير ، فإن قلنا هكذا وهو ليس ببعيد فيمكن أن يقال إنَّ ذلك مجرى للاشتغال.

وهذا نظير ما إذا قال ( اعتق رقبة إذ حصل كذا ) وكان عندنا رقبة ولكن شككنا أنه يشترط في الرقبة أن يكون عمرها عشر سنين مثلاً فهذا شك في قيدٍ زائد فيكون مجرى للبراءة ، أما لو كان عندنا طفل في القماط فهل يصدق عليه أنه رقبة إذا اعتقناه أو لا ؟ فهنا يوجد شك في أصل صدق عنوان عتق رقبة فإنَّ الذمّة قد اشتغلت بعتق رقبة وهذا الطفل نشك أنه يصدق عليه عتق رقبة أو لا فلا يكون مجرى للبراءة ، بل اللازم أن نقول إنَّ هذا لا نكتفي به لأنَّ الذمّة قد اشتغلت بعتق رقبةٍ وهذا لا نعلم بأنه عتق رقبة ، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، والفراغ اليقيني لا يكون إلا بعتق ما يجزم بأنه يصدق عليه عتق رقبة.

وكذلك بالنسبة إلى منى ، فإنه توجد مشكلة وهي أنَّ بعض المواضع يشك أنها من منى أو لا ، كما لو صعد الشخص على قمّة الجبل[2] فهل هذا يكفي أو لا ؟

والجواب:- صحيح أنَّ ذمتنا قد اشتغلت بالبقاء والكون في منى ولكن يمكن أن يقال إنَّ لفظ ومفهوم ( منى ) هنا مأخوذ بنحو الطريقية إلى المكان لا منى بما هي منى كعنوان اشتغلت به الذمّة ، فهنا يمكن أن يقال إنَّ عنوان منى مأخوذ بعنوان الطريقية لهذا المكان الخاص لا بعنوان الموضوعية ، وحينئذٍ نقول قد اشتغلت ذمتنا بأن نكون في هذه المنطقة ونشك هل تقيّد ذلك بأن لا يكون على سفح الجبل فهذا شكٌّ في تقيّدٍ زائدٍ فيكون مجرى للبراءة.

أما الذي يقول بأنَّ مفهوم منى ليس مأخوذاً بنحو الطريقية وإنما هو مأخوذ بنحو الموضوعية فهنا تكون الذمّة مشغولة بما هو مفهوم ولا تحرز بما إذا كان في أعلى الجبل.

إذن مفهوم منى إذا أخذ بنحو الطريقية إلى المكان فيمكن أن نجري البراءة إذ نشك في أنه هل تقيّد ذلك المكان بأن لا يكون أعلى الجبل وهذا شك في الاشتغال الزائد فيكون مجرى للبراءة ، أما إذا قيل إنَّ منى ليست مأخوذة بنحو الطريقية وإنما مأخوذة بنحو الموضوعية فنشك أنَّ منى يصدق على الجبل أو لا ففي مثل هذه الحالة نطبّق قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

الفرع السابع:- هل يضمن المتصدّق إذا ظهر المالك ؟

إنَّ الوظيفة في مجهول المالك - كما قلنا - بعد الفحص واليأس هو التصدّق وقد تصدّقنا بعد اليأس ولكن بعد ذلك جاء المالك فهل نضمن له أو لا فالقاعدة الأوّلية ماذا تقتضي بقطع النظر عن الروايات ؟ المناسب أنها تقتضي عدم الضمان ، لأنَّ الولي الشرعي قد أمر بالتصدّق ولم يقل لي أنك تضمن فالضمان يحتاج إلى دليل بعد العمل بالوظيفة الشرعية ، ولا دليل عليه.

نعم ورد في اللقطة أنه إذا جاء المالك بعد التصدّق فقد قال الامام عليه السلام في رواية حفص بن غياث يخير المالك بين الأجر والغرم ، يعني يقال له هل تريد الثواب أو الغرامة فإن قال أريد الثواب فبها وإلا غرم المتصدّق للمالك وكان الثواب للمتصدّق ، ولكن هذه الرواية يظهر منها أنه في باب اللقطة يوجد ضمان ، فإذا سرّينا حكم اللقطة إلى مطلق مجهول المالك باعتبار أنَّ اللقطة مصداقٌ من مصاديق مجهول المالك وقلنا لا خصوصية للقطة فنتعدّى إلى مجهول المالك ، وإذا قيل إنَّ اللقطة لها خصوصية وهي أنَّ التعريف إلى سنةٍ وهي فترة قصيرة أما مجهول المالك فالتعريف يكون إلى حدّ اليأس وربما لا يحصل اليأس إلا بعد عشر سنين ، فلعل الشرع حكم بالغرامة في اللقطة لأنَّ فترة الفحص فيها قصيرة أما في مجهول المالك فالفترة طويلة فلا يحكم حينئذٍ بالضمان ، يعني هذا الفارق ربما يزيل عنّا الجزم بإلغاء الخصوصية وحينئذٍ نحكم في مجهول المالك بمقتضى القاعدة وأنه لا ضمان ، وهذه قضية ترتبط بنفسية الفقيه ، ولا يبعد أنَّ هذا الفارق يزيل من قلب الفقيه الجزم بعدم الخصوصية.

وقال الشيخ الأعظم(قده)[3] :- توجد ثلاثة أقوال أو احتمالات ، الأوّل الضمان ، والثاني عدم الضمان ، والثالث إذنه إذا كانت الحالة السابقة هي الضمان فنستصحب الضمان وإذا كانت الحالة السابقة هي عدم الضمان فنستصحب عدم الضمان.

ومتى تكون الحالة السابقة هي الضمان ؟ هي مثلاً فيما لو أخذ الجائزة من الظالم وهو يعلم أنها ملك الغير جزماً وقد أخذها لا بنية الحفظ والردّ فهنا يكون ضامنا ولكن بعد أن أخذها ندم فنوى الحفظ والردّ فهنا تكون الحالة السابقة هي الضمان فيستصحب الضمان ، أما إذا أخذها من البداية بنيّة الحفظ والردّ فهنا لا ضمان فنستصحب عدم الضمان.

ونذكر جملة معترضة:- وهي أنه قال ( إذا كانت الحالة السابقة هي الضمان فنستصحب الضمان ) ، ومن الواضح أنَّ هذا يتم بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وأما إذا قلنا بعدم جريانه في الشبهات الحكمية لمعارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد فلا يتم ما ذكره.

ثم إنَّ الشيخ(قده)[4] قال:- الأوجه أن نحكم بالضمان مطلقاً ، حيث قال: ( لكن الأوجه الضمان مطلقاً ) ، وتمسّك بوجوهٍ ثلاثة اثنان منها لا يستحقان الوقوف عندهما طويلاً والمهم واحد منها ، وهي:-

الوجه الأوّل:- إذا كانت الحالة السابقة هي الضمان كما لو كانت اليد ليست بقصد الحفظ ولكن بعد ذلك ندم ونوى الردّ والحفظ فالحالة السابقة هي الضمان فنستصحب الضمان فيثبت الضمان ، ثم نضمّ عدم القول بالفصل ونحكم بالضمان أيضاً في الحالة الأخرى ، يعني إذا كانت الحالة السابقة هي عدم الضمان هنا نحكم بالضمان لأنَّ الأعلام يفصّلوا بين الحالتين فإذا لم يفصّلوا بين الحالتين ونحن أجرينا استصحاب الضمان فميا إذا كانت الحالة السابقة هي الضمان فسوف يثبت الضمان في الحالة الثانية بضمّ عدم القول بالفصل ، يعني أنَّ العلماء لم يفصّلوا بين الحالتين بل أما الضمان مطلقاً أو عدم الضمان مطلقاً ، وحيث حكمنا بالضمان لاستصحاب الضمان فيثبت الضمان في الحالة الثانية أيضاً . وهذا أهمّ الوجوه.

الوجه الثاني:- توجد رواية في السرائر تحكم بالضمان[5] ، وإذا راجعنا إلى السرائر وجدنا صاحب السرائر يقول:- ( قد روى أصحابنا أنه يتصدّق به عنهم ويكون ضامنا إذا لم يرضوا بما فعل ) ، ولكن من الواضح أنَّ هذه مرسلة.

الوجه الثالث:- التمسّك بخبر حفص بن غياث في وديعة اللّص فإنه ورد فيه الضمان ، فعلى هذا الأساس نلغي الخصوصية مثلاً ونحكم بالضمان مطلقاً.

وقد أجبنا قبل قليل:- بأنه يحتمل وجود فارقٍ بالبيان الذي تقدّم ، فلا نستطيع أن نجزم بأنَّ حكمهما واحد ولا يوجد احتمال التفصيل.

أمّا الوجه الأوّل:- فيرد عليه:-

أوّلاً:- لماذا لا تعكس ؟! ، فعليك أن تلتفت إلى حالة عدم الضمان فتجري استصحاب عدم الضمان ، وبعدم الفصل يثبت عدم الضمان فيما إذا كانت الحالة السابقة هي الضمان ؟!! ، وهذا من الأشياء الواضحة جداً.


[1] ويكفي هنا الاحتمال.
[2] لأن منى هي بين جبلين.
[4] بعد قيلٍ وقال.
[5] وقد بيّنا مراراً ونبيّن الآن فنقول: إنَّ الشيخ الأعظم(قده) في فقهه غيره في أصوله فهو في الأصول لم يقبل الاعتماد على المرسلة أما في الفقه فيوجد عنده تساهل مع المشهور ولا توجد عنده تلك المشية الأصولية.