36/05/26


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
مسألة 2 قال الماتن

مسألة 2: (إذا أفطر تقية من ظالم بطل صومه)[1]
لا ينبغي الاشكال في أن الافطار تقية من مصاديق الافطار عن اكراه المتقدم، بأعتبار أن الذي يفطر تقية مكره على ذلك, لأنه يأتي بهذا الفعل لدفع الضرر المتوجه إليه، ومن هنا قد يقال بأن المقام يأتي فيه ما تقدم سابقاً من بطلان الصوم عند تناول المفطر عن اكراه, وهذا هو الرأي المشهور, وفي قبال ذلك قد يدعى وجود خصوصية في المقام توجب صحة الصوم، وتستفاد هذه الخصوصية من روايات كثيرة تدل على صحة الفعل الصادر تقية, وتوجد هذه الروايات في باب الصلاة وفي باب الوضوء وغير ذلك, ويمكن التمسك ببعض الروايات لأثبات الصحة في محل الكلام, وهذه الروايات تارة تكون عبارة عن عمومات ومطلقات التقية وهي[2] [3] [4] [5]كثيرة جداً وبألسنة ومضامين مختلفة، فبعضها وارد بعنوان أن التقية من دين الله ومن دينهم عليهم السلام, وبعضها وارد بعنوان لا والله ما على وجه الأرض أحب إلي من التقية وبعضها وارد بعنوان انها احب الاشياء اليهم عليهم السلام وبعضها وارد بعنوان انها جهاد المؤمن في دولة الباطل وبعضها بعنوان لا دين لمن لا تقية له ولا ايمان له ولا خير فيه إلى غير ذلك من الالسنة الكثيرة الواردة في هذا الباب, وهذا الطائفة يفهم منها الحث والترغيب في التقية إما على نحو الالزام كما في بعض الموارد, وإما على نحو بيان المشروعية والجواز كما في موارد اخرى.
وهل تقتضي هذه الروايات إجزاء العمل الصادر تقية؟
يبدو أن لسانها ليس كذلك, كما (في التقية ديني ودين آبائي, لا والله ما على وجه الأرض أحب إلي من التقية), فلا يستفاد منها الاجزاء وصحة العمل الصادر تقية وعدم وجوب الاعادة فهي ليست في مقام بيان ذلك, وإنما هي في مقام بيان أن التقية تحفظ دمائكم فهي مشروعة أو مطلوبة.
نعم يظهر من جماعة منهم السيد الحكيم (قد)[6] في المستمسك محاولة تقريب هذه العمومات والمطلقات على الصحة في محل الكلام بدعوى أن كون التقية من الدين ظاهر في الاجزاء.
لكن الذي يبدو أن كون التقية من الدين لا يدل على ذلك, وإنما يدل على مشروعية التقية، بأعتبار أن الشيء المقابل هو ارتكاب الحرام كأستعمال المفطر في شهر رمضان أو التوضؤ منكوساً أو يتوضأ بالمسح على الخف, فالروايات تريد القول بأن هذه الافعال الممنوعة في غير حال التقية تكون مشروعة في حال التقية, وعندما تكون مشروعة يصح التعبير بأنها من الدين حينئذ.
فما يفهم من هذه الروايات هو هذا المقدار(المشروعية) أما أن العمل صحيح ومجزٍ فالظاهر أن هذا لازم اعم للمشروعية التي هي مفاد هذه الروايات ولا يكاد يفهم منها ذلك(صحة العمل).
الطائفة الثانية التي يستدل بها في محل الكلام هي الروايات الواردة في استثناء موارد معينة دلت الروايات على عدم جريان التقية فيها منها المسح على الخفين من قبيل رواية ابي عمر الاعجمي (عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) - في حديث - أنه قال لا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين)[7]
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية على صحة العمل الصادرة تقية هو أن (استثناء) المسح على الخفين وحكم الامام عليه السلام بأن المسح عليهما لا تجري فيه التقية (قرينة) على أن الحديث والتقية في الامور التي تجري فيها التقية لا تختص برفع التكليف وإنما تشمل الوضع ايضاً, فالأمور التي تجري فيها التقية كالوضوء منكوساً أو صلى متكتفاً يكون الوضع فيها مرفوعاً ويحكم على الفعل بالصحة ويستفاد هذا المعنى بأعتبار أن المسح على الخفين ليس له الا حكم وضعي فهو ليس حراماً تكليفاً, وقد استثناه الامام عليه السلام من التقية فقال إن هذا لا تقية فيه, وهذا يعني أن المكلف اذا مسح على خفيه تقية يبطل وضوؤه, وما عدا المسح على الخفين(المستثنى منه) لابد أنه يشمل الحكم الوضعي, فالوضوء منكوساً تقول الرواية أن فيه تقية أي أن حكمه الوضعي صحيح, لأنه ليس له حرمة تكليفية, وإنما هو كالخفين له حرمة وضعية فقط, والامام عليه السلام يقول بالفرق بين الغسل منكوساً وبين المسح على الخفين فالمسح ليس فيه تقية ويكون الاتيان به مبطلاً للوضوء كما لو جاء به من غير تقية, والغسل منكوساً فيه تقية أي اذا جاء به تقية لا تترتب عليه الحرمة الوضعية أي إن وضوؤه يقع صحيحاً.
وبما أن الرواية تقول أن التقية تجري في كل شيء الا المسح على الخفين فهذا يعني أنه كما انها توجب ارتفاع الحرمة التكليفية توجب ارتفاع الحرمة الوضعية الذي يعني صحة العمل الصادر تقية.
ويلاحظ على هذه الرواية مشكلة من حيث السند, فهي مروية في الكافي والمحاسن والخصال.
أما سند الكافي_ كما ينقله عنه صاحب الوسائل_ فأنه ينتهي إلى ابي عمر الاعجمي وهو مجهول, وكذلك سند الخصال_ ورواه الصدوق في ( الخصال ) عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن سهل بن زياد، عن اللؤلؤي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن جندب، عن أبي عمر الأعجمي_ ورواه البرقي في ( المحاسن )[8] عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن هشام وعن ابي عمر العجمي, وسند المحاسن يختلف عن سند الخصال والكافي, ففي المحاسن يروي ابن ابي عمير عن (هشام بن سالم وعن ابي عمر العجمي) وبناء على هذا السند تكون الرواية تامة سنداً, لكن الظاهر أن نسخ المحاسن مختلفة فبعضها فيه (عن ابي عمر الاعجمي) أي بدون (واو العطف) وبعضها فيه (وعن ابي عمر الاعجمي) أي مع وجود (واو العطف) ولو فرضنا اتفاق نسخ المحاسن على وجود (واو العطف) فهي معارضة بنقل الشيخ الكليني _على فرض وحدة الرواية_ وحينئذ إما أن نؤمن بما ذكروه من أن الشيخ الكليني اضبط من البرقي وغيره فيعتمد عليه وإما أن يتساقطا, وعلى كلا التقديرين تسقط الرواية عن الاعتبار من حيث السند ولا يمكن التعويل عليها.



صحيحة زرارة (قال : قلت له : في مسح الخفين تقية ؟ فقال : ثلاثة لا أتقى فيهن أحدا : شرب المسكر، ومسح الخفين ومتعة الحج قال زرارة : ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا .)[9]
وقد استثنى الامام عليه السلام في هذه الرواية مسح الخفين فيكون مفادها نفس مفاد الرواية المتقدمة, والاستدلال بها كالاستدلال بالرواية المتقدمة ولا يجري فيها ما جرى في الرواية المتقدمة من جهة ضعف السند لأنها تامة سنداً.
وقد اضاف في هذه الرواية متعة الحج, ونوقش فيها من حيث الدلالة بأعتبار وجود احتمال اختصاص هذه الامور بالإمام عليه السلام حيث يقول عليه السلام (ثلاثة لا أتقى), وهذا الاحتمال فهمه زرارة حيث علق على هذه الرواية (قال زرارة : ولم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا).
ومن جملة الروايات صحيحة أبي الصباح (قال : والله لقد قال لي جعفر بن محمد) عليه السلام ) : ان الله علم نبيه التنزيل والتأويل فعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا ( عليه السلام ) قال : وعلمنا والله ثم قال : ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة)[10]
ومحل الشاهد فيها قوله (ما صنعتم من شيء) حيث يدّعى أن قوله عليه السلام (فأنتم منه في سعة) أي أن هذا العمل الذي صنعتم يصح منكم ولا يجب عليكم القضاء, فكأن قوله عليه السلام (فأنتم منه في سعة) يلازم نفي القضاء بأعتبار أن القضاء فيه ثقل والحكم بفساد العمل خلاف السعة.