36/05/19


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....).
ولكن يرد على هذا الكلام جملة من الامور:-
الاول: أن التقييد بالعمد لم يرد الا في نصوص يمكن القول بأنها قليلة نسبة إلى النصوص التي لم يرد فيها التقييد بالعمد, كما هو الحال في النصوص التي ذكرناها.
الثاني: أن النصوص المقيدة بالتعمد لا يراد بالتعمد فيها تعمد الافطار, وإنما يراد تعمد الفعل, وهو حيادي يتحقق مع العلم بالحكم ومع الجهل به.
والروايات التي يظهر فيها أن التعمد المذكور فيها يراد به تعمد الفعل لا تعمد الافطار كثيرة[1], ومن الواضح أن تعمد الفعل ليس قرينة على اختصاص تلك الروايات بالعالم وعدم شمولها للجاهل.
نعم لا ننكر أن ظاهر بعض الروايات أو ما يحتمل فيها, التقييد بتعمد الافطار وتكون مختصة بالعالم بالحكم لكن تبين _بعد المراجعة_ أن كل هذه الروايات لا تصلح لتقييد المطلقات الخالية من ذلك لأن تعمد الافطار قيد ورد في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السلام في جميع هذه الروايات, واذا قال له الامام عليه السلام يبطل صومه بعد فرض السائل أنه تعمد الافطار, فهذا مما لا اشكال فيه, لكن هذا لا يعني أن من لا يتعمد الافطار وكان جاهلاً بالحكم ويتعمد الفعل, أنه لا يجب عليه القضاء, فهي لا تصلح لتقييد المطلقات, ومن هذه الروايات:-
صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[2]
فأن الرواية ورد فيها كلمة (متعمداً) ويحتمل أن يكون المقصود بها تعمد الافطار ولو بقرينة ثبوت الكفارة عليه, لكن قيد التعمد ورد في كلام السائل, ولا يستفاد من ذلك أنه لو لم يتعمد الافطار وتعمد الفعل وكان جاهلاً بالحكم أنه لا يجب عليه شيء, فلو فرضنا بأن هناك دليلاً دل على وجوب القضاء على الجاهل بالحكم فأن هذه الرواية لا تنافيه.
ورواية عبدالله بن سنان( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال : يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فان لم يقدر تصدق بما يطيق)[3]
فإذا قلنا بأن أن التعمد في هذه الرواية هو تعمد الافطار فيختص بالعالم بالحكم, لكن هذا وارد في كلام السائل, ولا دلالة فيه على عدم وجوب القضاء على الجاهل بالحكم.
ورواية جميل بن دراج( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ؟ فقال : إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت يا رسول الله ! فقال : مالك ؟ قال : النار يا رسول الله ! قال : ومالك ؟ قال : وقعت على أهلي، قال : تصدق واستغفر فقال الرجل : فو الذي عظم حقك ما تركت في البيت شيئا، لا قليلا ولا كثيرا، قال : فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا التمر فتصدق به، فقال : يا رسول الله على من أتصدق به وقد أخبرتك أنه ليس في بيتي قليل ولا كثير، قال : فخذه واطعمه عيالك واستغفر الله، قال : فلما خرجنا قال أصحابنا : إنه بدأ بالعتق، فقال : أعتق، أو صم، أو تصدق .)[4]
ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال ( سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمداً ؟ قال : يتصدق بعشرين صاعا ويقضي مكانه )[5]
وهكذا بقية الروايات التي وردت فيها كلمة التعمد ومن هنا يظهر أن القرينة الثانية ليست تامة, ومن هنا يمكن أن يدّعى وجود مطلقات تدل على المفطرية ووجوب القضاء بأستعمال المفطر من دون فرق بين العالم والجاهل بالحكم.
نعم قد يستشكل التمسك بأطلاق هذه المطلقات لأثبات الحكم للجاهل فضلاً عن العالم , بأن يقال بأن هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة( الذي يجب عليه القضاء ويبطل صومه بأستعمال المفطر وهل أنه عالم بالحكم أو جاهل به أو مطلق من هذه الناحية), واذا لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة فأنه يشكل التمسك بأطلاقها, لأن الاطلاق لا يصح التمسك به الا اذا كان الكلام في مقام البيان من الجهة التي يراد التمسك بالإطلاق من جهتها.
وهذا يطبق في محل الكلام ويقال بأن هذه المطلقات ليس في مقام البيان من هذه الجهة.
اقول لا يرد هذا الاشكال في محل الكلام:
اولا: من جهة أن قسم من هذه المطلقات لا يستفاد الاطلاق فيها من حاق اللفظ وإنما يستفاد من ترك الاستفصال في مقام الجواب, وترك الاستفصال دليل على شمول الحكم لكلا المحتملين في السؤال, وهذا من قبيل موثقة سماعة قال ( سألته عن القيء في رمضان ؟ فقال : إن كان شيء يبدره فلا بأس، وإن كان شيء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء)[6]
فالإمام عليه السلام لم يسأل(يفصّل) عن هذا القيء الذي صدر, هل صدر عن عالم بالحكم أو جاهل به, وإنما ذكر تفصيلاً آخر وهو هل أن هذا الفعل صدر منه بأختيار أو بغير اختيار.
ومن المحتمل أن يكون هذا الفعل صدر من عالم بالحكم, ويحتمل إن يكون قد صدر من جاهل به, ومع ذلك حكم الامام عليه السلام بالمفطرية, فلو كان العلم بالحكم دخيلاً بالمفطرية وفي وجوب القضاء, لكان من المناسب من الامام عليه السلام أن يفصّل, كما فصّل في مسألة الاختيار وعدمه.
وكذلكرواية علي بن جعفرفي كتابه عن أخيه، (قال : سألته عن الرجل يستاك وهو صائم فيقيء، ما عليه ؟ قال : إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه، وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شيء )[7].
فلم يسأل الامام عليه السلام في أن الذي استاك هل كان عالماً بالحكم أو جاهلاً به؟
وهكذا صحيحة ابن أبي نصر ـ (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا ؟ قال : يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه )[8]
لم يفصّل الامام عليه السلام في مقام الجواب بين العالم بالحكم (المفطرية) والجاهل بها, مع أن السؤال يشمل كل منهما, وكذلك صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) انه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .)[9]
وفيها نفس الكلام المتقدم وكذلك نفس الكلام في موثقة سماعة قال (سألته عن رجل كذب في رمضان ؟ فقال : قد افطر وعليه قضاؤه، فقلت : فما كذبته ؟ قال : يكذب على الله وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم )[10]
ورواية سماعة قال (سألته عن رجل كذب في شهر رمضان ؟ فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم، يقضي صومه ووضوئه إذا تعمد)[11] ورواية الحلبي( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت : الصائم يمضغ العلك ؟ قال لا)[12]

ثانياً: يندفع هذا الاعتراض بأن نقول أن هذا الكلام (مثلاً إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه) يريد أن يبين حكماً مترتباً على موضوعه, فالإمام عليه السلام في مقام بيان المفطرية بأستعمال المفطر, أو ترتب المفطرية على استعمال المفطر (التقيؤ), ونحن نقول لو كان العلم بالمفطرية دخيلاً في ترتب ذلك الحكم على استعمال المفطر لكان عليه بيانه, فهو في مقام بيان ترتب هذا الحكم على موضوعه, فسكوته يكشف عن عدم كون العلم دخيلاً في ترتب المفطرية, فتترتب المفطرية على القيء سواء صدرت من العالم أم الجاهل بالحكم.
ومن هنا يظهر أن الاطلاق تام على الاقل في بعض النصوص, ويظهر تمامية الادلة الدالة على المفطرية ووجوب القضاء بأستعمال المفطر للجاهل والعالم بالحكم.
والى هنا يتم الكلام في المقام الاول( اصل الاطلاق في المطلقات) ويقع الكلام في المقام الثاني( وجود مقيد لهذه المطلقات):
اُدعي بوجود ما يقيد هذه المطلقات وهو عبارة عن الروايات المتقدمة وعمدتها موثقة زرارة وأبي بصير قالا جميعا (سألنا أبا جعفر ( عليه السلام ) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له ؟ قال : ليس عليه شيء)[13]
والكلام يقع في سند هذه الرواية وفي دلالتها واذا تما فأنها تكون مقيدة للمطلقات اذا قلنا بأن النسبة بينها وبين المطلقات هي نسبة العموم والخصوص المطلق, أو قلنا أن النسبة هي العموم والخصوص من وجه فعلى بعض الوجوه ايضاً نصل إلى نفس النتيجة وهي عدم بطلان صوم الجاهل بالحكم وعدم وجوب القضاء عليه كما هو مفاد هذه الرواية.
الكلام يقع في الدلالة
اثيرت اشكالات على دلالة هذه الرواية على أن الجاهل بالحكم لا شيء عليه, منها ما ذكره السيد الخوئي _ تقدمت الاشارة إليه_ وهو أن المنفي بعبارة (ليس عليه شيء) هو الاثر الذي يترتب على الفعل, أي أن هذا ليس عليه شيء من ناحية الفعل الذي صدر منه, بأعتبار أنه صدر عن جهل, فهي في مقام نفي الاثر المترتب على الفعل و ليست في مقام نفي الاثر المترتب على الترك, وحينئذ تنتفي الكفارة بهذا الحديث لأنها من اثار الفعل, والقضاء ليس من اثار الفعل وإنما هو من اثار ترك الواجب في وقته.
نعم هناك ملازمة بين الاتيان(الافطار) بالفعل وبين ترك الصوم في ظرفه, فأن جاء بالمفطر يلزمه ترك الصوم في ظرفه, لكن القضاء مترتب على ترك الصوم في وقته, نعم ترك الصوم في وقته يكون لازمه للإتيان بالمفطر في شهر رمضان, لكن القضاء لا يترتب الا على الترك بينما الكفارة تترتب على الفعل (نفس الاتيان) ومن ثم يعتبر هذه قرينة على أن الحديث ناظر إلى نفي الكفارة, فلا يستفاد منه الا نفي الكفارة عن الجاهل, ولا يمكن استفادة نفي القضاء منه عن الجاهل.
ويجاب عنه:
اولاً: ما تقدم سابقاً من أن القضاء مترتب في جملة من النصوص الصحيحة على نفس الفعل لا على ترك الصوم في ظرفه.
ثانياً : على فرض التسليم بما تقدم, كيف نفهم من الرواية انها في مقام نفي الاثر المترتب على الفعل, لا نفي الاثر المترتب على ترك الصوم, فأنها ليس فيها ما يدل على ذلك.


[1]ابواب ما يمسك عنه الصائم ب29 ح5 ح10, ب23 ح5, ب16 ح1, ب15 ح4.