36/05/17


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....).
تبين مما تقدم بأن احسن الوجوه التي يراد بها تصحيح الصوم عندما يرتكب المكلف بعض المفطرات عن اكراه هو الوجه الاول, لكنه يرد عليه ما اشرنا إليه وحاصله:
أن المستفاد من حديث الرفع _بحسب الارتكاز العرفي أو بحسب مناسبات الحكم والموضوع _ هو أن الرفع بهذه العناوين التسعة المذكورة في حديث الرفع (الخطأ والاضطرار و الاكراه ....), إنما هو لكونها معذرة للمكلف, فكأنه لم يصدر منه هذا الفعل, وهذا ما يوجب ضعف انتساب الفعل إلى المكلف, فالفعل الذي يصدر من المكلف من دون هذه العناوين يكون انتسابه إليه واضحاً, وعندما تطرأ هذه العناوين توجب ضعف هذا الانتساب, وبالتالي تكون معذرة للمكلف عندما يصدر منه الفعل مع احد هذه العناوين.
وهذه النكتة (الاستظهار العرفي من الحديث الشريف) تستدعي اختصاص المرفوع بالحديث بما اذا كان العمد والاختيار دخيلين في ترتب الاثر على موضوعه, سواء كان موضوعه الفعل أو الترك, وهذا في مقابل ما اذا كان الاثر يترتب على موضوعه بلا دخل لأختيار المكلف وعمده, وإنما يترتب على كل حال وكيف ما اتفق حصول موضوعه, سواء كان حصوله بأختيار المكلف أو بدون اختياره, كالأمثلة السابقة[1], وهي آثار شرعية ثبت في دليلها أنها آثار ليس للعمد والاختيار دخل في ترتبها.
وبهذا يتضح شمول حديث الرفع للفعل الذي يكون العمد دخيلاً في ترتب الاثر على موضوعه, لأن الفعل اذا صدر عن اكراه أو اضطرار يمكن تصور المعذرية فيه, ومن المعقول أن نقول بأن هذا معذور, وصدور الفعل عن اضطرار أو اكراه يضعف هذه النسبة ويجعل الفعل وكأنه غير منتسب إلى من صدر منه, فيصح ما فهمناه بحسب الارتكاز العرفي من الحديث من أن رفع الاثر بهذه العناوين إنما هو بأعتبار كونها معذرة.
وأما بالنسبة إلى القسم الاول _ الذي ليس للأختيار والعمد دخل في ترتب الاثر على موضوعه_ فلا معنى لأفتراض المعذرية اصلاً, لعدم مدخلية العمد والاختيار في ترتب الاثر على موضوعه, فلا يشمله الحديث.
وهذه القضية كبروية, ولتطبيقها في محل الكلام يقال:-
هل أن وجوب القضاء كالحرمة واقامة الحد فيكون مشمولاً بالحديث؟ أو أنه كالنجاسة بالنسبة إلى الملاقاة والجنابة بالنسبة إلى موجبها فلا يكون مشمولاً؟
قلنا بأن هذا يختلف بحسب ما يُفهم من القضاء فهل هو من باب المجازاة والعقوبة؟ أو من باب الاستيفاء لما بقي من الملاك؟
فأن قلنا بأنه من باب المجازاة والعقوبة فأن هذا يعني أن العمد والاختيار دخيلان في ترتبه على موضوعه_ سواء كان موضوعه الفعل أو فوت الواجب في وقته أو عدم الاتيان بالواجب في وقته_ والقرينة على ذلك هو أن المولى يعاقبه بالقضاء, فهو يستحق هذا العقاب والجزاء عند صدوره منه بأختياره, فإذا صدر منه بإكراه ترتفع هذه العقوبة لأن العمد والاختيار دخيلان في ترتبها.
وأما اذا قلنا بأنه من باب استيفاء الملاك المتبقي_ ملاك اصل الفعل _ بعد أن فاته ملاك الوقت, فحينئذ لا يكون العمد و الاختيار دخيلين في ترتب القضاء على موضوعه, فأن الملاك التام كما يفوت غير المكره يفوت المكره ايضاً عند تناول المفطر, ويتمكن من ادراك المتبقي من الملاك في خارج الوقت فيؤمر بالقضاء, فيكون حال القضاء حال النجاسة المترتبة على الملاقاة أو الجنابة المترتبة على فعل موجبها وليس للاختيار والعمد دخل فيه, هكذا نفهم من ادلة القضاء وحينئذ نقول بأن حديث الرفع لا يشمله, ولا يمكن تصحيح الصوم بالتمسك بحديث الرفع بأعتبار رفع وجوب القضاء.

الفرع الرابع: صورة الجهل
اذا استعمل الصائم المفطر جهلاً بالحكم _بالمفطرية_ مع كونه متعمداً للفعل فهل يصح صومه؟ أم لا؟
وهذه المسألة خلافية ايضاً, والاقوال فيها كثيرة, والمهم من هذه الاقوال قولان الاول المنسوب إلى المشهور وفي المدارك نسبه إلى الاكثر وهو القول بالبطلان _كالمكره_ ووجوب القضاء, من دون فرق بين الجاهل القاصر والمقصر, بل ذهب بعضهم إلى وجوب الكفارة ايضاً, والذي يهمنا في المقام هو بطلان الصوم وعدمه أي ما يوجب القضاء وهو ما ذهب إليه المشهور.
وفي المقابل نُقل عن الشيخ في موضع من التهذيب وعن الشيخ ابن ادريس الحلي عدم البطلان مطلقاً _سواء كان قاصراً أم مقصراً_ واختار هذا القول صاحب الحدائق واحتمله العلامة في المنتهى الحاقاً للجاهل بالناسي.
وهناك اقوال اخرى منها ما عن المحقق في المعتبر وهوالتفصيل بين القضاء والكفارة مع عدم التفصيل بين الجاهل القاصر والمقصر, فالتزم بوجوب القضاء وعدم وجوب الكفارة وبالتالي الالتزام ببطلان الصوم.
وهناك قولان اخران اختارهما المتأخرون من فقهائنا:
الاول: اختاره الشيخ الانصاري وهو التفصيل بين القاصر وبين المقصر, فالجاهل القاصر يصح صومه ولا يجب عليه القضاء والجاهل المقصر يبطل صومه و يجب عليه القضاء.
الثاني: للشيخ صاحب الجواهر وهو التفصيل بين القاصر والمقصر لكن في الكفارة, فتثبت في حق المقصر دون القاصر, أما القضاء فيثبت في كل منهما.
والمهم في المقام هو التكلم من زاوية بطلان الصوم وعدمه, أما وجوب الكفارة وعدمه فأنه يأتي في فصل معقود لبيان حكم الكفارة.
فالبطلان ووجوب القضاء المنسوب إلى المشهور من دون فرق بين القاصر والمقصر, يُستدل له بإطلاقات الادلة, بل لعله هو الدليل الوحيد للقول بالبطلان, فمقتضى اطلاقات ادلة المفطرية هو القول بالبطلان, فمثلاً مقتضى التمسك بما دل على مفطرية الاكل هو المفطرية سواء كان عالماً بمفطريته أو جاهلاً بها, ولا داعي لتخصيصها بالعالم, وهكذا الكلام في ادلة وجوب القضاء, مثلاً ما دل على وجوب القضاء اذا تعمد القيء, فأنها يمكن التمسك بأطلاقها, ويقال بأن مقتضى اطلاقها وجوب القضاء على من يتقيأ في نهار شهر رمضان من دون فرق بين أن يكون عالماً بمفطريته أو جاهلاً بها, بل قد يقال أن مقتضى اطلاق ادلة ترتب الكفارة هو ايضا ثبوت الكفارة في حق الجاهل.




[1] النجاسة والجنابة.