36/05/09


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل (المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة الذي مر الكلام فيه تفصيلا إنما توجب بطلان الصوم.....)
الرواية الثالثة: رواية عمر بن يزيد (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، والنكاح يفطر الصائم ؟ قال : لان النكاح فعله، والاحتلام مفعول به)[1]
والرواية غير تامة سنداً لوجود المجاهيل فيها, وفُسرت بأن المقصود بها الإشارة الى التفريق بين الاختيارية وعدمها, فالمراد بالنكاح أنه فعله أي أنه يصدر منه بأختياره وبإرادته, بينما الاحتلام يصدر منه قهراً ولهذا عُبر عنه بأنه (مفعول به), فالرواية تفرق بين ما يصدر من المكلف قهراً وبين ما يصدر من بأختياره, ويُفهم منها أن ما يصدر من المكلف قهراً وبلا اختيار لا يوجب الافطار , وهذا هو المقصود في المقام, لأنها في مقام التعليل في أن ما يحدث قهراً لا يوجب الافطار.
ويضاف الى هذا_ ما تقدم من الروايات_ ما طرحه بعض الفقهاء من قوة احتمال اختصاص ادلة المفطرية بما يكون فعلاً للمكلف ويستند وينتسب اليه, أي أن ادلة المفطرية ليس فيها اطلاق يشمل المقهور على الفعل.
ويضاف ايضاً تقييد بعض المفطرات بالعمد بالنصوص كما ورد في القيء والكذب, وهذا وان كان وارداً في بعض المفطرات لكن يمكن أن يستأنس به لأثبات أن هذا حكم لا يختص بها, وإنما يثبت في جميع المفطرات, أي انها إنما تفطر اذا صدرت عن ارادة واختيار وقصد للفعل.
الفرع الثالث: المكره على استعمال المفطر, والمراد بالإكراه في المقام هو ما يكون بالتوعد _ من القادر على فعل ما توعد به ويظن فيه فعل ذلك _ بما يوجب الضرر, فيصدر الفعل من هذا المكلف نتيجة الاكراه ودفع الضرر المتوعد به.
فالفعل وقع من الفاعل بإرادته واختياره, لكن لا بطيب نفسه, وإنما لدفع الضرر المتوعد به, وبهذا يختلف عن الاكراه الذي يطلق في بعض الاحيان ويراد به الالجاء الذي يسلب الارادة والاختيار مطلقاً, كما لو أوجر الطعام في فمه, فأن هذا القسم من الاكراه يدخل في الفرع الثاني (المتقدم).
والكلام في المقام يقع في الاكراه الاصطلاحي (أي ما يقع لدفع الضرر) فهل أن هذا الاكراه يوجب بطلان الصوم أم لا ؟
يبدو أن المسألة خلافية فالمنقول عن الاكثر عدم البطلان, وهو مختار الشيخ في الخلاف والمحقق في كتبه الثلاثة (الشرائع والمعتبر والنافع) والعلامة في المنتهى والتحرير والمختلف والارشاد والشهيد في الدروس وغيرهم على ما حكي.
وفي المقابل ذهب جماعة الى القول بالبطلان ووجوب القضاء, كالشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة وصاحب المسالك وصاحب الحدائق, والظاهر أن هذا هو الرأي المشهور والمعروف بين المتأخرين.
ونحن نستعرض الادلة اولاً ثم نلاحظ بعد ذلك ما يصح منها.
ادلة القول الاول:-
الدليل الاول: الاصل , لأننا نشك في الفساد وعدمه فالأصل عدم الفساد, أو نشك في وجوب القضاء فالأصل عدمه.
وهذا الاصل إنما يصار اليه عند منع شمول ادلة المفطرية للمكره_ كما سيأتي القول بإنصراف الادلة عن المكره_ والا فلو كانت ادلة المفطرية شاملة للمكره فأن الاصل ليس له موقع, لعدم وصول النوبة الى الاصل مع وجود الدليل الاجتهادي.
الدليل الثاني: حديث الرفع _ وهو من اهم الادلة التي تمسكوا بها لأثبات عدم البطلان_ والاستدلال به بدعوى أن المرفوع هو مطلق الاثار المترتبة _ وليس المؤاخذة فقط _على ذلك الفعل المكره عليه, ومن هذه الاثار المترتبة على الاكل في شهر رمضان هي القضاء والكفارة, فيرفعها حديث الرفع وهذا هو معنى صحة الصوم وعدم البطلان.
الدليل الثالث: ما دل على وجوب الكفارة على الزوج المكرِه لزوجته على الجماع, فقالوا أن عدم وجوب الكفارة عليها يعني أن صومها صحيح لأنها مكرهه, فيستفاد من هذا صحة صوم المكره وعدم بطلانه.
الدليل الرابع: ما ورد في المغمى عليه, كما في رواية علي بن مهزيار ( أنه سأله - يعنى : أبا الحسن الثالث عليه السلام - عن هذه المسألة - يعنى : مسألة المغمى عليه - فقال : لا يقضى الصوم ولا الصلاة، وكلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر)[2]
أي أن هذا يكون معذور وحينئذ لا يفسد صومه ولا يجب عليه القضاء.
ادلة القول الثاني ( القول بالبطلان):-
الدليل الاول: التمسك بما دل على مفطرية المفطرات, أي مقتضى اطلاق هذه الروايات شمولها لمحل الكلام.
الدليل الثاني: التمسك ببعض الروايات الواردة في قضية الامام الصادق عليه السلام ومن هذه الروايات:-
الرواية الاولى : رواية داود بن الحصين، عن رجل من أصحابه (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس : إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم، وهو والله من شهر رمضان، فسلمت عليه، فقال : يا أبا عبدالله، أصمت اليوم ؟ فقلت : لا، والمائدة بين يديه قال : فادن فكل، قال : فدنوت فأكلت، قال : وقلت : الصوم معك والفطر معك، فقال الرجل لابي عبدالله ( عليه السلام ) : تفطر يوما من شهر رمضان ؟ ! فقال : اي والله، افطر يوما من شهر رمضان أحب إلي من أن يضرب عنقي)[3]
والرواية مرسلة من حيث السند.
وهي تصرح بالمفطرية بقوله عليه السلام (افطر يوما) مع أنه كان في مورد تقية, وهي من اوضح مصاديق الاكراه, فيستدل بها على فساد الصوم في المقام.
الرواية الثانية: رفاعة، عن رجل( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبدالله، ما تقول في الصيام اليوم ؟ فقال : ذاك إلى الامام، إن صمت صمنا، وإن أفطرت أفطرنا، فقال : يا غلام، علي بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله )[4]
والرواية فيها ارسال, وهي اكثر صراحة من الرواية السابقة لأنه عليه السلام يقول فيها (فكان إفطاري يوما وقضاؤه) وهذا _ التصريح بالقضاء _ يدل على بطلان الصوم الذي تناول المفطر فيه, فيستدل بهذه الرواية على القول الثاني (القول بالبطلان).