36/04/21


تحمیل
الموضوع:الصوم , المفطرات, المفطر العاشر : تعمد القيء,مسألة 70 :( لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهارفسد صومه).

ظاهر عبارة السيد الماتن ان نفس وجوب القيء عليه يفسد صومه, حتى وان لم يتقيأ وهذا ما فهمه المعلقون من هذه العبارة , ومن هنا نقول ان تخريج هذه الفتوى له وجوه:-
الوجه الاول: ما اشرنا اليه من ادخال المقام في باب التزاحم , وفي باب التزاحم تارة نفترض ان وجوب القيء هو الاهم ( كما لو افترضنا بأنه يدفع الضرر الذي يؤدي الى الهلاك عن نفسه فيكون اهم من وجوب الصوم) فحينئذ لا امر بالصوم, ومع عدم الامر به يبطل ويفسد كما ذكر السيد الماتن ؛ واذا افترضنا ان وجوب الصوم اهم فحينئذ لا امر بالقيء , فأن صام ولم يتقيأ صح صومه لأن الصوم مأمور به , واذا تقيء يبطل صومه من جهة انه جاء بالمفطر .
واذا ادخلنا مسألة الترتب في البين _ كما اجاب عن ذلك السيد الخوئي (قد) _ فحينئذ يمكن تصحيح الصوم حتى على فرض اهمية القيء فضلا عن حالة التساوي او اهمية الصوم , لكن ذلك بشرط ان لا يتقيأ لأنه اذا تقيء فأنه يكون قد ارتكب المفطر .
فيصح صومه عند عدم التقيؤ بالأمر الترتبي في حالة ما اذا كان وجوب القيء اهم فأن الامر الترتبي يقول وان كان القيء اهم ووجب على المكلف امتثاله الا انه لو عصى ولم يصرف قدرته في امتثال الاهم فأنه يؤمر بالمهم .
اشكل السيد الخوئي[1] على نفسه واجاب بقوله ان فكرة الترتب تكون معقولة في الضدين الذين لها ثالث كالصلاة والازالة , فعندما تكون الازالة اهم يقال بأنه اذا عصى الازالة يؤمر بالصلاة , فإذا صلى وترك الازالة لا مانع من تصحيح الصلاة بالأمر الترتبي , واما الضدان اللذان لا ثالث لهما كالحركة والسكون, فأن فكرة الترتب غير معقولة فيها لأن ترك احد الضدين يعني تحقق الاخر , فأن ترك الحركة يعني تحقق السكون, وترك السكون يعني تحقق الحركة , فإذا كان عصيان احدهما يستلزم حصول الاخر فتعلق الامر بالآخر يكون من باب طلب الحاصل , وهو محال ,وما نحن فيه من هذا القبيل لأن الواجبين المتضادين هما وجوب القيء ووجوب الصوم؛ فالصوم هو عبارة عن وجوب الامساك عن القيء وسائر المفطرات , فالمكلف اذا ترك القيء يعني انه صام واذا ترك الصوم (لم يمسك عن القيء ) يعني تقيء , اذن فترك كل منهما يحقق حصول الاخر ومعه لا يعقل الامر بالآخر لأنه طلب الحاصل وهو محال .
واجاب عنه (قد) بأن الواجب في باب الصوم ليس هو مطلق الامساك وانما هو الامساك العبادي (بقصد القربة), وحينئذ يكون الصوم الواجب والقيء الواجب من الضدين الذي لهما ثالث (وهو الامساك غير التعبدي) ,وحينئذ لا يلزم بالأمر بالصوم (الامساك التعبدي ) عند ترك القيء طلب الحاصل , وعليه التزم (قد) بإمكان تصحيح الصوم بالأمر الترتبي ورد الوجه الاول الذي يمكن ان يكون مستند السيد الماتن في فتواه ببطلان الصوم بمجرد افتراض وجوب القيء .
ظاهر هذا الكلام (الاشكال والجواب) مبني على ان الواجب هو القيء , فلاحظوا الصوم كواجب والقيء كواجب فوقع بينمها التزاحم ثم ترتب على ذلك الكلام الاخر من الاشكال والجواب المتقدم , ولكن الواجب في بعض الحالات ليس هو القيء كما لو ابتلع مالا للغير , فأن الواجب الشرعي هو تسليم المال الى صاحبه, والقيء مقدمة لهذا الواجب , وحينئذ لا يأتي الاشكال المتقدم لكي نجيب عنه بما ذكره (قد) , وذلك لوضوح بأن تسليم المال الى صاحبه والصوم ليسا من الضدين اللذين لا ثالث لهما , فيمكن للمكلف ان لا يسلم المال الى صاحبه ولا يصوم , فلا يأتي اشكال انه لا يعقل الامر بالصوم لأنه من طلب الحاصل .
نعم اذا كان ما ابتلعه من قبيل السم يأتي هذا الكلام لأن السم يجب اخراجه (قيؤه) , ونفس الاخراج (القيء) يكون واجبا .

الوجه الثاني : ما في المستمسك (لأن وجوب فعل القيء المفطر يمنع من التعبد بالإمساك عنه .)[2] أي انه لا يتأتى منه قصد القربة ويبطل الصوم من هذا الجهة , لأنه كيف يمكن ان يتقرب الى المولى بترك شيء امر به المولى ؟؟ فأن المولى في مثل هذا المورد يبغض الترك (أي ترك التقيؤ) وحينئذ كيف يمكن للمكلف ان يتقرب به اليه ؟؟
ويلاحظ على هذا الوجه بأن الظاهر انه يتم في بعض الموارد لا جميعها, فأنه يتم في ما لو كان ما ابتلعه سما ونحوه مما يجب اخراجه بالتقيؤ , لأنه يقال بأن الواجب هو نفس القيء والاخراج ومع وجوبه ومبغوضية تركه يقال كيف يتقرب المكلف الى المولى بما يبغضه (الامساك عن القيء وتركه) ؟؟ فيأتي الكلام المتقدم ويقال بأنه لا يتأتى منه قصد التقرب .
وهذا الوجه يكون تاما في هذا المورد حتى على القول بالترتب , لأن الامر الترتبي بالصوم عند عصيان الامر بالقيء لا يعني سقوط المبادئ والارادة عن الاهم , أي ان الشارع يبقى مريدا للقيء من المكلف, أي انه يغض تركه وحينئذ كيف يمكن للمكلف ان يتقرب بتركه والامساك عنه؟
وبهذا يختلف محل الكلام عن مثل الازالة والصلاة , ففي باب الازالة والصلاة نقول يمكن التقرب بالصلاة عند عصيان الامر بالإزالة , اما في المقام فأنه لا يمكن بالتقرب بالصوم عند عصيان الامر بالتقيؤ , بأعتبار ان ارادة الازالة (الاهم ) وعدم ارادة ترك الازالة لا يمنع من التقرب بالصلاة لأنه ليس مأخوذا في الصلاة ,بخلاف محل الكلام فأن الصوم اُخذ فيه ترك القيء , فإذا كان ترك القيء مبغوضا يقال لا يمكن التقرب به في الصوم لأنه كيف يتقرب بما هو مبغوض .
اما الكلام في الموارد الاخرى كما لو كان ما ابتلعه مغصوبا فالظاهر ان هذا الوجه لا يتم لأن المكلف يتمكن من قصد التقرب بالإمساك عن القيء ولا يأتي هذا الوجه لأثبات بطلان الصوم لعدم امكان التقرب به, وذلك لأن الواجب الشرعي عندما يبتلع المغصوب هو رده الى صاحبه وليس القيء , والقيء مجرد مقدمة لهذا الواجب, ونحن لا نؤمن بوجوب المقدمة شرعا, فهي ان كانت واجبة فوجوبها عقلي(لابدية عقلية) لا شرعي .
وحينئذ لا اشكال في حالة عصيان التكليف في تسليم المال الى صاحبه وقصد التقرب بالإمساك عن القيء , وصحة الصوم بذلك, بل يمكن ان يقال بأن الشارع عند عصيان التكليف في تسليم المال الى صاحبه يريد ترك القيء لا انه يبغضه , لأنه بحسب الامر الترتبي يوجب الصوم عند عصيان التسليم