36/03/25


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا , مسألة 56 القسم الرابع وهو ما اذا نام مجنبا بانيا على الاغتسال .
ذكر السيد الخوئي (قد)[1] ان الاخبار في هذه المسألة على طوائف ثلاثة ؛ والطائفة الاولى تدل على صحة الصوم مطلقا ( أي سواء كان متعمدا لترك الغسل او لم يكن متعمدا).
والطائفة الثانية تدل على عدم الصحة مطلقا؛ والطائفة الثالثة تفصل بين حال التعمد فتحكم ببطلانه وبين حال عدم التعمد فتحكم بالصحة .
والسيد الخوئي (قد) يبني على كبرى انقلاب النسبة, فيطبقها في المقام ويقول بأن الطائفة الاولى والثانية بينهما تعارض على نحو التباين, لكن الطائفة الثالثة بالنسبة الى الطائفة الاولى اخص مطلقا , لأنها تحكم بالبطلان في حال التعمد وتحكم بعدمه في حال عدم التعمد فتكون اخص مطلقا من الطائفة الاولى التي تقول بالصحة مطلقا , فتخرّج الطائفة الثالثة صورة التعمد من الطائفة الاولى , واذا خرجت صورة التعمد من الطائفة الاولى تختص حينئذ بصورة عدم التعمد قهرا , واذا اختصت الطائفة الاولى بعدم التعمد فأن نسبتها الى الطائفة الثانية سوف تنقلب الى الخصوص المطلق , بعد ان كانت التباين قبل اخراج صورة التعمد .
وحينئذ نفصل بين ما اذا كان النوم مقترنا بتعمد البقاء على الجنابة فأنه يحكم ببطلانه عملا بالطائفة الثانية بعد تخصيصها واخراج صورة عدم التعمد منها , وكذلك عملا بالروايات المفصلة _اذا كان مفادها التفصيل _ لأنها تدل على الفساد في صورة التعمد ؛ وبين صورة عدم التعمد فنحكم بالصحة وعدم البطلان عملا بالطائفة الاولى الدالة على الصحة بعد التخصيص وكذلك عملا بالطائفة الثالثة اذا فرضنا انها تدل على التفصيل .
وبما ان المفروض في المقام (القسم الرابع ) عدم التعمد فلابد من الحكم بالصحة , لأن الفرض في المقام انه بانٍ على الاغتسال ولم يتعمد ترك الغسل الى الصباح وحينئذ لابد من الحكم بالصحة وهذا هو الموافق للمشهور .
هذا هو الجمع الذي يختاره السيد الخوئي لهذه الطوائف المتعارضة بدوا , لكن صحة هذا الجمع وعدمها بقطع النظر عن الكبرى تحتاج الى استعراض هذه الاخبار لكي نرى هل هي تامة دلالة؟ او لا ؟




الطائفة الاولى : وهي الروايات الدالة على الصحة مطلقا وقد ذكر السيد الخوئي روايتين لكن الواقع انها اكثر من ذلك ؛ ومورد جميع هذه الروايات هو النوم الاول, وان كان مورد البعض في النوم الاول بعد الاحتلام ومورد الاخر فيه بعد الجنابة بغير الاحتلام.

الرواية الاولى :صحيحة معاوية بن عمار (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : ليس عليه شيء، قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ؟ قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة )[2]
وفيها قول(الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح ) وهذا هو النوم الاول .

الرواية الثانية :صحيحة العيص بن القاسم الاخرى (أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس )[3].
وقد ورد فيها قول(يحتلم ) وهو نص في الاحتلام ؛ كما انه ورد فيها قول (فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل ؟ قال : لا بأس) والمراد فيه النوم الاول فأن النوم الذي اجنب فيه غير محتسب .


الرواية الثالثة :صحيحة ابن ابي يعفور (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .)[4] وهذا الصحيحة تقدم الكلام فيها وانها وردت بنسخ متعددة :- حيث انها نُقلت في التهذيبين للشيخ الطوسي _ القراءة الاولى_ (ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال : يتم يومه ويقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له .) [5] [6]وهي على هذه النسخة ظاهرة في الاحتلام لأنه يقول (يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح) وهذه العبارة ظاهرة في الاحتلام ؛ الا ان النتيجة تختلف حينئذ , حيث ان النوم الذي يكون بعد الاحتلام مبطلا للصوم ؛ فالرواية تقول (، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له) أي ان لم يستيقظ من النوم الذي احتلم فيه , وان استيقظ منه ثم نام فأنه يبطل صومه عند بقاءه كذلك الى طلوع الفجر , وهذا الكلام خلاف فتوى المشهور حيث انه يذهب الى ان النوم الاول هو ما كان بعد النوم الذي اجنب فيه سواء كانت الجنابة اختيارية ام غير اختيارية (بالاحتلام).
ونقلت في الفقيه بشكل اخر _القراءة الثانية_ ابن أبي يعفور (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : " الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ، ثم ينام، ثم يستيقظ، ثم ينام حتى يصبح ؟ قال : يتم صومه ويقضي يوما آخر، فإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له )[7] وعلى هذه القراءة تكون الرواية غير ناظرة الى حالة الاحتلام.
ونقلت هذه الرواية في بعض نسخ الفقيه والوسائل بشكل ثالث _القراءة الثالثة_ (الرجل يجنب في شهر رمضان ثم ينام ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ) وعلى هذه القراءة تكون الرواية غير ناظرة الى حالة الاحتلام, وانما هي ناظرة الى ان الرجل يجنب ثم ينام فأن استيقظ بعد ذلك ونام يكون هذا النوم موجبا للبطلان وان لم يستيقظ لا يكون موجبا للبطلان .
وعلى كل حال لابد من عزل هذه الرواية لتعدد النسخ فيها .


الرواية الرابعة :صحيحة ابي سعيد القماط (أنه سئل أبو عبدالله ( عليه السلام ) عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال )[8]
والمراد بقوله (فنام حتى أصبح ) في الرواية هو النوم الاول , وهي تدل على صحة الصوم مطلقا .
والكلام يقع في الروايات الثلاثة _ ما عدا صحيحة ابن ابي يعفور_ فهل انها مطلقة (تشمل حالة تعمد ترك الغسل الى الصباح وحالة عدم التعمد ) .
اما بالنسبة الى الحديث الثاني (صحيحة العيص بن القاسم ) فيمكن دعوى اطلاقها وليس فيها ما يقيدها بصورة عدم تعمد البقاء على الجنابة الى الصباح .
واما الحديث الاول (صحيحة معاوية بن عمار) حيث ورد فيه (ثم ينام حتى يصبح) او الحديث الرابع (صحيحة القماط) حيث ورد فيها (فنام حتى أصبح) فلا يفهم من هاتين العبارتين الا استمرار النوم الى الصباح , ولا يفهم منها انه قصد هذا الاستمرار لكي تكون مختصة بصورة العمد ,وكذلك لا يفهم منها اختصاصها بصورة عدم العمد , فيكون الاطلاق فيها ( الطائفة ) تاما كما ذكر (قد).
الطائفة الثانية :
الرواية الاولى :موثقةسماعة بن مهران قال (: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر ؟ فقال : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر . . . الحديث )[9].

الرواية الثانية :صحيحة محمد بن مسلم (عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : يتم صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه.)[10]
فكلتا الروايتين موردهما النوم الاول وتدلان على بطلان الصوم و يمكن ان يستفاد منهما الاطلاق لصورة العمد وعدمه؛ اما موثقة سماعة فأنها تقول (فنام) وليس فيها دلالة على اكثر من استمرار النوم الى الصباح سواء كان بانيا على الاغتسال او على عدمه ؛ وهكذا الحال في صحيحة محمد بن مسلم لأنه قال (ينام قبل أن يغتسل) فهي تدل على استمرار النوم الى الفجر ولا تدل على غير ذلك من انه بانيا على الاغتسال او لا , كما ان قول (إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر) قرينة على ان النوم السابق استمر معه الى الفجر ؛ فالإطلاق _ كما ذكر (قد)_ في هاتين الروايتين تام ظاهرا , غاية الامر ان مورد هاتين الروايتين هو الاحتلام , ويفهم ذلك من قوله (رجل أصابته جنابة) في الرواية الاولى وقوله (تصيبه الجنابة) في الرواية الثانية حيث يظهر منهما الاحتلام لأن مفادهما ان الجنابة هي التي اصابته , وهذا بخلاف ما لو قال فلان اجنب او قارب اهله, والمشهور لا يفرّق بين النوم الاول في الجنابة الاختيارية او في الاحتلام ويحكم في كل منهما بالصحة
الطائفة الثالثة : الروايات المفصّلة , وقد ذكر السيد الخوئي (قد) صحيحة الحبي وصحيحة ابي بصير , لكن الظاهر ان الاولى تبديل صحيحة ابي بصير بصحيحة البزنطي .
الرواية الاولى :صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) انه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه .)[11] فالرواية واردة في حالة التعمد , وقلنا ان تعمد النوم الى الصباح يعني تعمد البقاء على الجنابة .
الرواية الثانية :صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[12]
والمشكلة في هذه الوراية انها غير واردة في محل الكلام لعدم وجود الاشارة فيها الى حالة النوم لكي يستدل بها على ان النوم الاول غير مبطل للصوم , وانما ظاهرها انه بقي مستيقظا حتى اصبح .
الرواية الثالثة :صحيحة ابن أبي نصر ـ (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا ؟ قال : يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه )[13]
فالرواية صريحة في بطلان الصوم ووجوب القضاء فيما لو كان النوم مع التعمد , وقد قال (قد) ان هذه الروايات دالة على التفصيل بين حالة التعمد وعدمه , ولكنها لا تدل على التفصيل لأن هذا الكلام ليس واردا في كلام الامام عليه السلام _ وانما هو كلام السائل _ ليكون له مفهوم في انه اذا لم يكن متعمدا لم يجب عليه القضاء ؛ نعم الظاهر ان هذا لا يمنع من تطبيق كبرى انقلاب النسبة_ على فرض الايمان بها_ لأن الطائفة الثالثة التي تدل على البطلان في حال التعمد تخصص الطائفة الاولى التي تدل على الصحة مطلقا , فتجعلها مختصة في حالة غير العمد وحينئذ _ تنقلب النسبة بين الطائفة الاولى وبين الطائفة الثانية _ تكون الطائفة الاولى اخص من الطائفة الثانية مطلقا.