02-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:- إن الآيتين الكريمتين أوجبتا عنوان إطعام الفقير لا التمليك والإيصال وهذا العنوان لا يصدق بمجرد الوكالة.
 وبكلمة أخرى:- إنه تارةً يفترض أن الحاج هو الذي يوكّل دون الفقير فهو يوكّل غيره بعد ذبح هديّه بإطعام الفقراء فيأتي الغير ويقسّم الهدي ويعطي ثلثاً بيد الفقراء إنه هنا يصدق أن الحاج قد أطعم الفقراء فإن الوكيل إذا تصدّى لذلك يصدّق على نفس الحاج أنه قد أطعم الفقراء ولكن هذا ليس هو المطلوب وليس هو محلّ الكلام بل محلّ الكلام هو أن الفقير هو الذي يوكّل الحاجّ في قبض الثلث عنه وهنا نقول:- في هذه الوكالة يصدق أن الحاج قد ملّك وأوصل ثلثاً الى الفقير وهذا صحيح ولكن المطلوب ليس هو الإيصال والتمليك وإنما هو عنوان إطعام الفقير وهذا العنوان لا يصدق عرفاً مادام الفقير موجوداً في النجف مثلاً وقد وكّل الحاج في القبض عنه وعليه فعمليّة التوكيل لا تجدي شيئاً بعدما كان المطلوب هو عوان إطعام الفقير دون عنوان الإيصال أو التمليك وهذه قضية ينبغي أن تكون واضحة.
 وعلى هذا الأساس قد تسأل وتقول:- إذن ماذا نصنع مادام المطلوب هو عنوان إطعام الفقير ؟
 والجواب واضح حيث يقال:- إن فعليّة كل حكم تدور مدار فعليّة الموضوع وفي المقام إذا فرض أن الفقير كان موجوداً في مكّة أو منى وأمكن الدفع إليه فيصير وجوب الإطعام فعليّاً أما إذا فرض أنه لا يمكن ذلك إما لعدم وجود الفقير أو لأن الفقير لا يتقبّل فحينئذ لا يمكن إطعام الفقير فيسقط الوجوب لتعذّر امتثاله . نعم إذا كان مقصود السيد الماتن(قده) ومن قال بهذه المقالة أن عمليّة التوكيل لا نقصد أنها تجزئ وتكفي على مقتضى القاعدة بل نقول هي مرتبة من مراتب الاحتياط الممكن ووجودها خيرٌ من عدمها ، فإذا كان هذا هو المقصود فلا بأس أما إذا كان المقصود هو بيان أن امتثال هذا الحكم - يعني أن إطعام الفقير يتحقق من خلال التوكيل - فهذا ليس بصادقٍ بل يسقط التكليف المذكور لعدم إمكان امتثاله ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 الأمر السادس:- هل يجوز إخراج لحم الهدي والأضاحي من منى ؟ والمقصود من ذلك هو أنه لو ذبح الحاج الهدي في منى ولكن عمليّة التقسيم لم يُجْرِها في منى وإنما يجريها خارج منى - بأن يُخرِج الهدي بأن ذبحه في منى ويقسّمه في مكة المكرمة مثلاً - فهل هذا التقسيم جائز أو أنه يلزم أن تُذبَح في منى وتقسّم في منى أيضاً بعد الفراغ عن الجواز في حالتين الأولى هي ما إذا فرض أن الحاج دفع الثلث الى الفقير والفقير بعد أن أخذ اللحم من الحاج هو بنفسه أخرجه خارج منى فهذا لا إشكال فيه فهنا يصدق أن الحاج قد أطعم الفقير في منى والحالة الثانية هي أنه دفعه الى الفقير وبعد أن دفعه إليه باعه الفقير على الحاج فاشتراه منه أو أن الفقير أهداه له والحاج بعد أن استلمه بشراءٍ أو هديّة أراد إخراجه من منى فهنا لا مشكلة أيضاً . إذن محلّ الكلام هو فيما إذا ذبح الحاج الهدي في منى وقبل تقسيمه أخرجه خارج منى وأراد أن يقسّمه في مكة مثلاً على الفقراء ؟
 والجواب:- المعروف بين الفقهاء عدم جواز ذلك ، قال المحقق(قده) في الشرائع:- ( ولا يجوز إخراج شيءٍ مما يذبحه عن منى بل يُخْرَجُ الى مصرفه بها ) ، وقال في القواعد:- ( ويجب إخراج ما يذبح بمنى الى مصرفه ) ، وقال في المدارك تعليقاً على كلام المحقق الذي قال بعدم جواز الإخراج ما نصّه:- ( هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً ) [1] ، وقال في الجواهر:- ( وفاقاً للمشهور على ما في الذخيرة بل في المدارك " هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً " ) [2] .
 إذن من حيث فتوى الفقهاء فالمعروف بينهم بل لعله لا خلاف على عدم الجواز.
 ولكن ماذا تقتضي القاعدة لو خلّينا معها بقطع النظر عن النصوص الخاصة ؟
 والجواب:- إنها تقتضي الجواز لأن المطلوب هو الذبح في منى وقد تحقق أما أن يكون التوزيع والإطعام في منى فهو يحتاج الى دليلٍ آخر فإن كان موجوداً أخذنا به.
 ويمكن أن يقال:- يوجد الدليل على ذلك هو ثلاث روايات تدلّ على أن التقسيم والإيصال يلزم أن يكون في منى وهي:-
 الرواية الأولى:- صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:- ( سألته عن اللحم أيُخْرَجُ به من الحرم ؟ فقال:- لا يُخْرَج منه بشيءٍ إلا السنام بعد ثلاثة أيام ) [3] ، وربما يدّعى أن دلالتها واضحه إذ نهى عليه السلام عن الإخراج.
 وفيه:- إنها نهت عن الإخراج عن الحرم وكلامنا هو في الإخراج من منى ، إذن هذه الرواية لا تمنع الإخراج من منى وإنما تمنع الاخراج من حرم مكة ، إذن بعد أن نذبح الهدي يجوز أن نأخذه الى مكة ونوزّعه داخلها بمقتضى هذه الرواية ، إذن هذه الرواية لا تنفعنا شيئاً . نعم ألفت النظر الى أن هذه الرواية لا تحلّ لنا المشكلة المعاصرة لأن المشكلة المعاصرة هي أن اللحوم تؤخذ الى خارج الحرم حيث تأتي الشركات وتنقلها الى خارج الحرم كأفريقيا مثلاً وغيرها - الى مكان الفقراء - فالإخراج إذن صار الى خارج الحرم ، إذن المشكلة المعاصرة موجوده بعد فرض أن الحاج لم يوزّعه في منى فهذه الرواية لا تنفع هنا غايته أنها تنفع في ردّ ما ذكره الفقهاء فإنهم ذكروا أن الاخراج من منى لا يجوز وهذه الرواية لا تنهى عن الإخراج من منى بل تنهى عن الإخراج من الحرم.
 الرواية الثانية:- صحيحة معاوية بن عمار:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- لا تُخرِجَنَّ شيئاً من لحم الهدي ) [4] ، وهذه الرواية لم تقيّد خارج الحرم ومعه فلا يرد الاشكال الوارد على السابقة.
 وفيه:- إن هذه الرواية وإن كانت مطلقة ولكن تلك الرواية قيّدت بالحرم فتصير تلك الرواية مقيّدة لهذه أو على الاقل تورث الإجمال فلا يمكن التمسك بها لإثبات حرمة الإخراج من منى.
 الرواية الثالثة:- رواية على بن أبي جمزة [5] عن أحدهما عليهما السلام:- ( لا يتزوّد الحاج من أضحيته وله أن يأكل منها بمنى أيامها ) [6] .
 والجواب:- إن هذه الرواية نهت عن التزوّد ولم تنهَ عن الاخراج فهي لم تقل لا يجوز اخراج الإضحية وإنما قالت لا يتزوّد الحاج من أضحيته بمعنى أنه يتخذها زاداً له كأن يبقيها كلّها له حتى لو كان في منى فهذا بمقتضى الرواية لا يجوز لا أن الإخراج عن منى لا يجوز ، هذا مضافاً الى أن النهي هو بلحاظ الأضحية والأضحية قد يقال بأنها صادقة على غير الهدي الواجب ، وعلى هذا الأساس هي محلّ إشكال من ناحيتين والمهم هو الناحية الأولى وهي أن النهي موجّه الى التزوّد لا الى الإخراج من منى.
 وعليه فهذه الروايات لا تنفع شيئاً في النهي عن الإخراج من منى ، ولكن نقول إن هذه الروايات تضرنا في زماننا باعتبار أن الإخراج في زماننا هو خارج الحرم ، إذن هي لا تنفع المشهور لأن المشهور قالوا إنه لا يجوز الإخراج من منى ، ولكن بالتالي نحن هل يجوز لنا أن نأتي بشركاتٍ أو بأشخاصٍ يخرجون هذه اللحوم خارج الحرم - الى أفريقيا مثلاً وغيرها - فهذا كيف نثبت جوازه والحال أن هذه الرواية تنهى عن الإخراج ؟
 وقد يقال:- يمكن التخلّص من هذه المشكلة بوجود معارضٍ دلّ على جواز الإخراج وهو صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال:- كنا نقول لا يُخْرَج منها بشيءٍ لحاجة الناس إليه فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه ) [7] والمقصود من قوله ( فقد كثر الناس ) أي الذين يذبحون الهدي فيصير زائداً فإخراجه يكون جائزاً ، وعلى هذا الأساس نقول إن الزمان له تأثيرٌ في الحكم الشرعي فإن الأئمة عليهم السلام قد يجيبون أحياناً ملاحظةً للفترة الزمنيّة وهذا قد يساعدنا في حلّ بعض المشاكل كما في ( تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم ) فربما يقول قائل نعم ينطبق هذا على هذا الزمان أما لو قال آخر كلا إن ذلك ليس في هذا الزمان فنقول له ما هو مستندك ؟ فيقال إن أهل البيت عليهم السلام تنظرون الى الفترة الزمنية الخاصة ولعل هذه ناظرة الى تلك الفترة الزمنيّة ، وهذه فائدة جانبية ليست محلاً لكلامنا.
 إن هذه الرواية تدلّ بوضوح على جواز الإخراج من منى لكثرة الذبائح فحينئذ لا تكون الروايات السابقة مانعة من الإخراج . وهذا شيء جيد لولا وجود مشكلة لابد من علاجها وهي أن هذه الرواية واردة في الأضاحي والأضاحي إما منصرفة الى الأضحية المستحبّة أو هي مطلقة فتقيّد بتلك الروايات الثلاث لأن في تلك الروايات ذكر الهدي الواجب فتلك الروايات تصير مقيّدة لهذه الصحيحة وبالتالي هذه الصحيحة لا توجب التصرف في ظهور تلك بل الأمر بالعكس فإن تلك الروايات هي التي تتصرف لأنها تصير مقيّدة لهذه فأنظر الى تلك الروايات من قبيل الرواية الثانية أعني صحيحة معاوية - حيث جاء فيها:- ( قال أبو عبدالله عليه السلام:- لا تُخْرِجَنَّ شيئاً من لحم الهدي ) ، إذن هذه الرواية مقيّدَة بلحم الهدي فتصير مقيّدة لصحيحة محمد بن مسلم التي هي مطلقة وبالتالي لا تنفعنا فكيف نحلّ هذه المشكلة ؟ وهذا إشكال علميّ فمشكلتنا المعاصرة في هذا الزمان هي هذه فأنت لا تستطيع أن تقول إنه لا يجوز الإخراج ويلزم الإبقاء في منى ولكن تحتاج الى مخرَجٍ علميّ فكيف هو المخرج العلميّ بعد فرض شعورك بالوجدان أن هذا ليس لضغوطٍ خارجية فالفقيه لا تتغيّر فتواه بالضغوط الخارجيّة بل هو يشعر بوجدانه وحسه المتشرعي أن هكذا فتوى غير صحيحةٍ ، إذن يحتاج الى تخريج فما هو التخريج الفنّي لإثبات الجواز ؟


[1] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص25.
[2] الجواهر، النجفي الجواهري، ج19، ص131.
[3] وسائل ، ج14، ص171، ب42 من ابواب الذبح، ح1، آل البيت.
[4] وسائل ، ج14، ص171، ب42 من ابواب الذبح، ح2، آل البيت.
[5] على الكلام في أن ابن أبي حمزة ثقة فتكون موثقة وإلا فتكون رواية.
[6] وسائل ، ج14، ص171، ب42 من ابواب الذبح، ح3، آل البيت.
[7] وسائل ، ج14، ص171، ب42 من ابواب الذبح، ح5، آل البيت.