36/01/18


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة عمدا
الكلام يقع تعمد البقاء على الجنابة في الصوم المندوب
والكلام بشكل عام ان اقوال العلماء متعددة في مسألة تعمد البقاء على الجنابة وكونه موجبا لفساد الصوم .
القول الاول: اختصاص المنع والفساد بصوم شهر رمضان فقط , وهو القول المنسوب الى المعتبر والذي ذكره العلامة في المنتهي وان تردد فيه.
القول الثاني: ان المنع والفساد يثبت في صوم شهر رمضان وفي قضاءه , وقد ذهب اليه الشيخ الطوسي في النهاية والمبسوط وهو الذي يقتضيه ما ورد في الروايات, حيث انه لم يرد فيها ما يدل على الفساد في غير صوم شهر رمضان وقضاءه ؛ بل قام الدليل على عدم الفساد في بعض انواع الصوم كما في الصوم المندوب .
القول الثالث : المنع مطلقا وهو المنسوب الى المشهور كما نقلنا ذلك عن صاحب الحدائق.
القول الرابع: المنع مطلقا مع استثناء الصوم المندوب لقيام الادلة على عدم مفطرية البقاء على الجنابة متعمدا فيه , فيلتزم بهذا المقدار واما الباقي فيلتزم بكونه موجبا لفساد الصوم .
اما الكلام في الصوم المندوب فقد قلنا انه اُستدل على عدم المبطلية بالروايات المتقدمة (صحيحة الخثعمي وموثقة ابن بكير وروايته الاخرى ) .
وقد يستفاد من بعض ألسِنة تلك الروايات ان عدم البطلان غير مختص بالصوم المندوب وانما يشمل الواجب غير المعين كما في الرواية الثانية وهي موثقة ابن بكير (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أيصوم ذلك اليوم تطوعا ؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار... الحديث)[1]
وقد يفهم من عبارة (أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) من انها بمثابة التعليل _ وليس تعليلا_ لجواز الصوم, ومن الواضح ان هذا الحكم وهو كونه بالخيار ما بينه وبين منتصف النهار ليس من مختصات الصوم المندوب , وانما يثبت في غيره من بعض اقسام الصوم.
لكن الذي يظهر _ من قرائن سنذكرها_ من هذه الروايات الثلاثة عكس ما فهموه وهو انها تثبت مانعية البقاء على الجنابة متعمدا من الصوم المندوب , لكنها مانعية في الجملة .
فأن بعض هذه الروايات _ رواية ابن بكير الثانية_ فيها عبارة (ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار)
والذي يفهم من هذه العبارة هو ان تقييد ارادة الصيام بعد الغسل ظاهر في المفروغية عن المانعية في الجملة[2]؛ أي ان البقاء على الجنابة متعمدا مانع من الصوم في الجملة, ولذا كأن السائل سأل عن صحة الصوم بعد ارتفاع الجنابة بالغسل , وهذا يعني ان البقاء على الجنابة اذا كان غير مانع من الصوم الندبي لا داعي لذكر نية الصوم بعد الغسل, فقول السائل (ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل) يدل على ان المرتكز في ذهنه هو ان البقاء على الجنابة يمنع من الصوم, لكن حيث ارتفعت هذه الجنابة بالغسل _كما فرضه_ سأل عن امكان الصوم بلحاظ وقت النية .
وقد اجاب الامام عليه السلام عن هذا السؤال بقوله (قال : يصوم إن شاء، وهو بالخيار إلى نصف النهار)[3]
وهذا يعني ان السؤال عن بقاء وقت النية , والسؤال عندما يكون متجها بهذا الاتجاه فيما اذا فرضنا ان السائل فرغ عن مانعية البقاء على الجنابة في الجملة , فالمستفاد من هذه الرواية هذا المعنى بهذه القرينة (أي انه اذا نوى الصوم وهو جنب فصومه غير صحيح ) لكنه اذا اغتسل ورفع جنابته صح صومه , وبعبارة اخرى طلوع الفجر عليه وهو مجنب لا يمنع من صحة الصوم ( اذا نواه بعد الاغتسال ) , وانما الذي يمنع من صحة الصوم هو كونه على الجنابة عند النية .
وهذا يعني ان تعمد البقاء على الجنابة ليس حاله حال سائر المفطرات فأن عدمها معتبر من طلوع الفجر , فأن عدم الاكل وعدم الجماع معتبر في صحة الصوم من طلوع الفجر .
وعليه فالصوم المندوب يكون مشروطا بعدم الكون على الجنابة لكن لا من طلوع الفجر وانما من حين نية الصوم ؛ هذا ما يستفاد من هذه الرواية وحينئذ يمكن حمل الموثقة المعتبرة على هذا المعنى بأعتبار ما ذكرناه من قرينة اتحاد الجواب مع السؤال , أي لابد ان يكون الجواب مطابقا مع السؤال, خصوصا ان الموثقة كان جواب الامام عليه السلام فيها هو (أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) وكأن السائل يسأله عن بقاء وقت النية وفواته , وهذا يعني ان جهة السؤال هي هذه وليس كون البقاء على الجنابة متعمدا يوجب بطلان الصوم فيما اذا اغتسل قبل ذلك ؛ وحينئذ تقيد صحيحة الخثعمي بذلك لأنها مطلقة من هذه الناحية وتدل على ان الاصباح جنبا لا يمنع من صحة الصوم حتى قبل الغسل حيث ورد فيها (قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الايام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : صم)[4] فقوله صم أي مطلقا سواء كان قبل الغسل او بعده .
والنتيجة : هي ان البقاء على الجنابة يقدح في صحة الصوم المندوب في الجملة _ لا انه لا يقدح مطلقا كما هو في بعض العبارات _ فأنه يقدح فيه اذا لم يغتسل , نعم اذا اغتسل وكان الوقت باقيا فأنه لا يمنع من الصحة .
وبناء على هذا يمكن القول بأن من ذهب الى ان البقاء على الجنابة متعمدا لا يقدح في الصوم المندوب _ كما هو موجود في بعض العبارات _ لعله مقصوده هذا المعنى , لا ان المراد امكان الجمع بين الكون على الجنابة والصوم المندوب .
وحينئذ اذا تم هذا المعنى وفهمناه من الروايات المعتبرة سندا نلتزم به , والا فأن فهمه من الرواية الضعيفة سندا فقط يكون مشكلا .