39/01/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وفي مقام الجواب نقول:-

أولاً:- إنَّ كلمة ( مختلطاً ) يحتمل أن يراد منها - ونبدي ذلك على مستوى الاحتمال إذ يكفينا الاحتمال لحصول الاجمال - أنه كان مشتبها بنحو الشبهة البدوية وأنه فيه حرام أو ليس فيه حرام فيه ربا أو ليس فيه ربا فهو مختلط فكله هنيئاً فإنَّ المال مالك ، والذي يدعونا إلى إبراز هذا الاحتمال والمبرّر لذلك هو المقابلة للشق السابق لأنَّ الامام عليه السلام قال في الشق السابق ( إن كنت تعلم أنَّ فيه ربا ) فمن المناسب أن يصير المقابل ( وإن لم تعلم أنَّ فيه ربا فحينئذٍ كُلْهُ هنيئاً ) خصوصاً كلمة ( هنيئاً ) و( فإنَّ المال مالك ) يتناسب أكثر مع هذا الاحتمال ، يعني مختلطاً بمعنى الاشتباه البدوي وليس حالة العلم الاجمالي ، فإذن يكفينا الاجمال لعدم امكان الاستدلال بالرواية على القاعدة اليزدية.

ثانياً:- سلّمنا أنَّ كلمة ( مختلطاً ) هي بمعنى العلم الاجمالي كما فهم ذلك السيد اليزدي بيد أنا نقول يحتمل وجود خصوصية لباب الربا ، فباب الربا العلم الاجمالي فيه بمثابة الشك البدوي لخصوصية فيه والذي يدعونا إلى هذه الخصوصية هو ذيل الرواية فإنه في ذيلها ذكر عليه السلام أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع حالة الربا حالة الجهل يعني من ارتكب الربا وهو جاهل بأنه الربا حرام ولا يجوز وهذا ربا حرام ولا يجوز مادام لا يعلم فحينئذٍ هذا يكون له حلال ، نعم إذا كان يعلم وارتكبه فيلزم أن يردّه إلى أهله ، وهذه الرواية تدل على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له سلطة تشريعية ، والفقهاء أيضاً يفتون بذلك ففي كتاب القرض يذكرون أنه من استقرض وهو لا يعلم بأنه ربا ولا يعلم بالحرمة فهو له حلال طبقاً لهذه لرواية وما هو على منوالها ، ونقرأ ذيل الرواية حتى يتبيّن احتمال الخصوصية وهو :- ( واجتنب ما كان يصنع صاحبه فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي فمن جهل وسع له جهله حتى يعرفه فإذا عرف تحريمه حرم عليه ) ، إذن الرواية واضحة في أنَّ الربا له خصوصية في هذا المجال ، فإذن حتى لو سلّمنا أنَّ الرواية ناظرة إلى حالة العلم الاجمالي ولكن لا يمكن للسيد اليزدي(قده) أن يلغي الخصوصية لاحتمال الخصوصية للمورد.

توضيح واستدراك يرتبط بالرواية الثانية أي رواية الحذّاء:- ونصّ الرواية:- ( سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم قال فقال ما الابل إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه ) ، وأنا في مقام الجواب في المحاضرة السابقة ذكرت جوابين واستدراكي هو في الجواب الأوّل ، ففي الجواب الأوّل قلت إنه يمكن أن يقال إنه لا يوجد علم اجمالي أصلاً وإنما الرواية ناظرة إلى حالة الشك البدوي يعني يريد أن يقول له صحيح أنت تعلم أنهم يأخذون أكثر ولكن موردك - وهو إبل الصدقة التي تريد شراءها - مشكوك بنحو الشبهة البدوية فأنت لا تدري أنَّ فيها ظلماً فتكون شبهة بدوية فاشتر.

ولكن قد يقول قائل:- هو أنه مادام يعلم بأنهم يأخذون أكثر فسوف يصير هذا طرفاً للشبهة فيصير المورد من العلم الاجمالي.

وجوابه:- إننا نفترض وجود علم تفصيلي بأنهم يأخذون إبلاً أكثر في كربلاء مثلاً ومادام يوجد علم تفصيلي فالذي أخذه من الناس زكاة في النجف وأنا أريد أن أشتريه فأنا لا أعلم أنه أخذ أكثر فتصير شبهة بجوية لأنه يوجد علم تفصيلي في كربلاء بأنه أخذ أكثر أما في النجف حينئذٍ يصير مشكوكاً بنحو الشبهة البدوية وأنهم أخذوا أكثر أو لم يأخذوا أكثر فيخرج عن مورد العلم الاجمالي بعد وجود العلم التفصيلي في منطقة كربلاء ، فإذن الجواب الأوّل تام ولا بأس به كالجواب الثاني.

جواب عن مجموع الروايات:-

نحن إلى الآن أجبنا عن كل رواية بجواب مستقل بها وهناك جواب واحد عن كل هذه الروايات ومجموعها وحاصله هو أنَّ هذه الروايات مخالفة للضرورة الفقهية بل قد يقال مخالفة لضرورة الدين فلابد من طرحها حينئذٍ أو تأويلها بشكل وآخر وهذا يرد على كل هذه الروايات لو كانت تدل على القاعدة يزدية ووجه ذلك هو أنَّ لازم إذا اختلط الحلال بحرام فاختلطا جميعاً فهو لك حلال فلازم هذه القاعدة إذا أردنا أنه سوف يمكن تحليل كل المحرّمات حتى الخمر ، فالخمر ضعه مع شيءٍ آخر فيختلط فحينئذٍ لا يعرف الحرام بعينه فيجوز شربه ، وهذا المقدار لا إشكال في أنه مخالفٌ لضرورة الفقه ، فلا يحتمل أنَّ فقيهاً يحتمل أنَّ هذا النحو جائز.

ولعلّك شخص يدافع ويقول:- هذا إذا كان من غير عمدٍ ، كأن اختلطا بشكل غير عمدي ، كأن لعب الأطفال في هذه الأواني فاختلط الحلال بالحرام أما إذا كان عمداً فلا.

والجواب:- إنها مطلقة من هذه الناحية فإذا صار البناء على الأخذ بمضمون هذه الروايات فيلزم الأخذ بها على اطلاقها وسعتها فإن الرواية قالت هكذا: ( أذا خلط الحلال حراماً فاختلطا جميعاً فهو لك حلال ) فمقتضى اطلاق أنها تشمل أنهما خلطا عمداً أو غير عمد ولا تختص بحالة غير العمد وهل يمكن لفقيهٍ أن يلتزم بذلك ؟!!

إذن مضمون هذه الروايات حتى لو ثبت وسلّمنا أنَّ الروايات تدل عليه وافترضنا أنَّ المناقشات التي ذكرناها سباقاً باطلة ولكن تبقى هذه المناقشة وهي أنَّ مضمون هذه الروايات سنخ مضمونٍ لا يمكن الالتزام به فعلى هذا الأساس لابد من تأويلها إذا كانت قابلة للتأويل وإن لم يكن ذلك فلابد من طرحها.

هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده السيد اليزدي(قده) ، وبذلك ننهي حديثنا عن الصورة الثانية.

وقبل الانتقال إلى الصورة الثالثة توجد عبارة في المتن نريد توضيحها:- فإنه يوجد في المتن إنه يجوز لك أن تأخذ من السلطان في الصورة الأولى والصورة الثانية ولكن بإذنه أما بغير إذنه فلا يجوز ، وسؤالنا:- لماذا قيّد السيد الماتن جواز الأخذ بالإذن ؟ فأنا أريد لماذا قيد السيد الماتن جواز الأخذ بالإذن حيث قال: ( جوائز الظالم حلال وإن علم اجمالاً أن في ماله حراماً ) ، وهو بقوله ( جوائز السلطان حلال ) أشار إلى الصورة الأولى ، وبقوله ( وإن علم اجمالاً أن فيه ماله حراماً ) أشار إلى الصورة الثانية ، ثم قال:- ( وكذا كل ما في يده يجوز أخذه منه وتملكه والتصرّف فيه بإذنه ) ، فلماذا قيّد بإذنه فإنَّ هذا ظالم وجائر فلماذا يعتبر الإذن منه في كلّ شيء تريد أن تأخذه منه ؟

وفي مقام الجواب نقول:- يمكن أن يكون الوجه في ذلك هو أنه بالتالي كل شيء هو تحت يد الظالم يحتمل أنه ملكه فهو عنده أملاك أيضاً ومادام يحتمل أنه ملكه فقاعدة اليد تكون محكّمة وبالتالي لا يجوز الأخذ ، بل حتى إذا علمنا أنه ليس له كأموال الخراج والمقاسمة والزكاة وغير ذلك فنحن نعلم أنَّ هذه ليست من أمواله الخاصة ولكن مع ذلك لا يجوز الأخذ ، وذلك لأنَّ هذه الأموال أموال عامة وأمرها يرجع إلى الولي الشرعي والولي الشرعي هو الامام عليه السلام وقد جاءت الروايات وجوزت الأخذ في حدود ضيقة وهي الأخذ من الجائر إذا دفع إليك شيئاً أما إذا لم يدفع الجائر لك شيئاً فيبقى المورد تحت العموم فلا يجوز التصرّف فإنَّ هذا الشيء من الأموال العامة ويجوز لك الأخذ بمقدار الاذن الشرعي وهو فيما لو أعطاك السلطان شيئاً أما إذا لم يعطك شيئاً فلا يجوز التصرّف إلا بإذنه أي بإذن الولي الشرعي.

مضافاً إلى ذلك يمكن أن يزاد ويقال:- إذا جاز الأخذ من دون تقييد بالإذن يلزم من ذلك الهرج والفوضى واختلال النظام ، فعلى هذا الأساس لأجل أن لا تحصل فوضى واختلال في النظام لابد من التقيّد إما بإذن الولي الشرعي إذا كان الولي الشرعي مبسوط اليد أو بإذن الجائر ، أما من دون ذلك فتلزم الفوضى.

هذه احتمالات ثلاثة في نكتة التقييد بإذن الجائر.