34-04-26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- ادراك أحد الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 إدراك الوقوفين أو أحدهما:-
 تقدم أن كلا من الوقوفين الوقوف في عرفات الوقوف في المزدلفة ينقسم إلى اختاري واضطراري فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال وإلا فله حالات:-
 الأولى:- أن لا يدرك شيئاً من الوقوفين الاختياري منهما والاضطراري أصلاً ففي هذه الصورة يبطل حجّه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج ويجب عليه الحج في السنة القادمة فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته.
 لا إشكال في أن من أدرك الوقوفين معاً فقد أدرك الحجّ وأما إذا لم يدركهما فلذلك صور ثمان والمهم منها هو الصورة السادسة - يعني أدراك اضطراري المشعر فقط - فإنها معركة الآراء وأما ما سوى ذلك فالخلاف إن كان فهو يسير بل قد لا يكون هناك خلاف ، وعلى أي حال نتعرض الآن إلى تلك الصور:-
 الصورة الأولى:- إذا لم يدرك شيئاً منهما [1] وهنا ذكر(قده) ثلاثة أحكام ، ونحن نضيف حكمين آخرين - وكان من المناسب له الإشارة إليهما - فيصير المجموع خمسة:-
 الحكم الأول:- بطلان الحجّ - وواضحٌ أنه من دون فرق بين أن يكون فوات ذلك عن اختيارٍ وعمد أو عن سهوٍ أو جهلٍ أو غير ذلك فمن فاته الموقفان بكلا نحويهما بطل حجّه -.
 الحكم الثاني:- يلزمه الإتيان بعمرةٍ مفردةٍ بنفس إحرامه السابق.
 الحكم الثالث:- يلزمه الحجّ في السّنة الثانية مادامت الاستطاعة باقية إليها أو يفترض أن الحجّ كان مستقراً في ذمته من سنواتٍ سابقة.
 الحكم الرابع:- الأحوط تأخير العمرة المفردة إلى ما بعد أيام التشريق.
 الحكم الخامس:- لا يجب الإتيان بطواف النساء في العمرة المفردة المذكورة وأن كان الأحوط ذلك.
 أما بالنسبة إلى الحكم الأول:- فالوجه فيه أمران:-
 الأمر الأول:- مقتضى القاعدة فإن الوقوف في عرفات وفي المشعر بعد أن كانا جزأين فتركهما تركٌ للجزء والمركب ينعدم بانعدام بعض أجزاءه ، واحتمال أنهما واجب ضمن الواجب ضعيفٌ كما أشرنا سابقاً باعتبار أنهما الركنان الأساسيان في الحجّ فإذا لم يكونا جزأين فمن يكون الجزء إذن وهل هو رمي الجمار مثلاً ؟!
 إن قلت:- لم لا نقول إن الحج ليس مركّبا من أجزاء وانما هو واجبات مستقلة جَمَعها اسم الحج وإلّا فلا يوجد ترابط فيما بينها وبالتالي لا جزئية ولازم ذلك أنه لو انتفى بعضٌ لا يلزم من ذلك بطلان البعض الآخر.
 قلت:- هذا احتمال علميّ ولكنه بعيد بمقتضى الشواهد والقرائن فإن لازم الوجوب الاستقلالي أنَّ الاتيان بأيّ جزءٍ يكفي في الصّحة ولا تتوقف صحّته على غيره كأن يأتي المكلف بالإحرام وحده ولا يأتي بالباقي فيكون آثماً ولكن حجّه صحيح أو يأتي بالطواف مع الإحرام من دون بقيّة الأفعال فيكون صحيحاً ولكنّ لا تبرأ بذلك ذمته من ناحية الباقي ، إن هذا بعيدٌ عن مرتكزات المتشرعة فهو احتمال عقليّ وليس متشرعياً وموافقاً للمرتكزات المتشرعية ولا يخطر في ذهن الفقيه.
 الأمر الثاني:- الروايات المتعددة الدالة على أن من فاته الموقفان بل وأحدهما في بعض الحالات فقد فاته الحج كالرواية الدالة على أن أصحاب الأراك لا حج لهم ، وما دل على أن من فاته المشعر فقد فاته الحج ، أو من فاته الموقفان فقد فاته الحج ، وستأتي الإشارة إلى هذه الروايات عند بيان بقيّة الأحكام.
 وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فقد دلّت عليه أكثر من رواية رغم أن الحكم مخالفٌ للقاعدة من جهتين:-
 الجهة الأولى:- إن المناسب عند فوات الموقفين بطلان الإحرام رأساً بلا حاجة إلى عمرة مفردة - يعني ينحل انحلالاً قهرياً - والوجه في ذلك واضح وهو أن مطلوبية الإحرام مطلوبية ترابطية - أي هو جزء - وواضح أن كل جزء يكون مطلوباً في ظرف الإتيان ببقيّة الأجزاء وأما عند عدم الإتيان ببقيّة الأجزاء فينكشف بطلان الجزء الأول الذي أتي به كمن كبّر في صلاته وقرأ ولكنّه ترك الركوع أو السجود عمداً مثلاً فإنه تنحل الصلاة بشكلٍ قهريٍّ وتبطل إذ شرطيّة التكبير مشروطة بالإتيان ببقيّة الأجزاء فعند عدم الإتيان بها لا مطلوبية من البداية للجزء السابق ، وعليه ففي مقامنا يلزم عند فوات الموقفين انكشاف بطلان الإحرام بلا حاجة إلى محلّل ولكن الحكم بالحاجة إلى المحلل قضية تعبّديّة وإلا فالقاعدة تقتضي الانحلال القهري.
 الجهة الثانية:- إن الإحرام السابق قُصِد به الحج فكيف يتحول إلى العمرة المفردة ؟ فإن ما قصد لا يمكن الاتيان به - يعني الحج - وما يراد الإتيان به - أي العمرة المفردة - لم يقصد من البداية وانقلاب الشيء عمّا وقع عليه أمرٌ غير ممكن في التكوينيات ولكنّه ممكن في الشرعيات إذا دلّ عليه الدليل إذ لولا الدليل يكون المناسب هو عدم الانقلاب.
 إذن القاعدة تقتضي عدم لزوم العمرة المفردة من جهتين ، ولكن دلّت أكثر من رواية على ذلك من قبيل صحيحة حريز:- ( سئل أبو عبد الله عليه السلام عن مفرد الحج فاته الموقفان جميعاً ، فقال له:- إلى طلوع الشمس من بيوم النحر ؟ فإن طلعت الشمس يوم النحر فليس له حجّ ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، قلت له:- كيف يصنع ؟ قال:- يطوف بالبيت وبالصفا وبالمروة وإن شاء أقام بمكة وإن شاء أقام بمنى مع الناس وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شيء ) [2] وموردها وإن كان هو حجّ الإفراد إلّا أنه بعد عدم احتمال الخصوصية نتعدى إلى حجّ التمتع أيضاً.


[1] أي لم يدرك موقف عرفات بنحويه الاختياري والاضطراري كما لم يدرك المزدلفة بموقفها الاختياري ولا الاضطراري.
[2] الوسائل ج14 ص50 ب27 من أبواب الوقوف بالمشعر ح4.