34-04-23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 376 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة( 376 ):- من لم يتمكن من الوقوف الاختياري الوقوف فيما بين الطلوعين في المزدلفة لنسيان أو لعذرٍ آخر أجزأه الوقوف الاضطراري الوقوف وقتاً ما بعد طلوع الشمس إلى زوال يوم العيد . ولو تركه عمداً فسد حجّه.
 تتكفل المسألة بيان حكمين:-
 الحكم الأول:- إن للمشعر الحرام موقفاً اضطرارياً غير الموقف الاختياري فالاختياري هو ما بين الطلوعين والاضطراري يمتدّ إلى زوال اليوم العاشر ويجزئ هذا الموقف الاضطراري لمن لم يتمكن على الموقف الاختياري لنسيان ونحوه.
 الحكم الثاني:- من ترك الموقف الاختياري أو الاضطراري عمداً فسد حجّه.
 أما ما أفاده بالنسبة إلى الحكم الأول:- فهو مبني على ما اختاره(قده) من أن الموقف الاختياري يختص بما بين الطلوعين ، وأما بناءً على ما اخترناه فيبتدئ من الليل إلى طلوع الشمس.
 وأما ما أفاده بالنسبة إلى الموقف الاضطراري:- فهو شيء قبولٌ والظاهر أن المسألة اجماعية من هذه الناحية ، قال المحقق في الشرائع:- ( وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وللمضطر إلى زوال الشمس ) ، وعلّق صاحب المدارك بقوله:- ( هذان الحكمان اجماعيان وقد تقدم من الأخبار ما يدل عليهما . وحكى ابن ادريس عن السيد المرتضى أنه قال " إن وقت الوقوف بالمشعر جميع اليوم من يوم العيد فمن أدرك المشعر قبل غروب الشمس من يوم العيد فقد أدرك المشعر " ، وقال في المختلف:- وهذا النقل غير سديد وكيف يخالف السيد جميع علماءنا ؟! فانهم نصّوا على أن الوقت الاضطراري للمشعر إلى زوال الشمس من يوم النحر ) [1] ، وقريب من ذلك ما جاء في الحدائق [2] والجواهر [3] ، والمهم في عبارة المدارك ما ذكره في صدرها - يعني أن الحكمين اجماعيان - ، وأما ما ذكره في ذيلها من أن المنقول عن السيد المرتضى أن الوقت الاضطراري يمتد إلى غروب الشمس وليس إلى زوالها وهذا شيء مخالف للإجماع فهو قضية جانبية .
 والذي نريد أن نقوله:- هو أن كون الموقف الاختياري ما بين الطلوعين قد تقدم الحديث عنه وذكرنا أن المناسب هو كون البداية من الليل فمن وقف في الليل أجزأه أيضاً.
 وأما ما ذكره من كون الموقف الاضطراري يمتد إلى زوال الشمس:- فهذا ما سيأتي التعرض إليه في البحث الآتي إنشاء الله تعالى حيث نذكر الروايات هناك.
 ونطرح هنا سؤالان:-
 السؤال الأول:- ذكرنا فيما سبق أن المحقق في الشرائع أشار إلى بداية وقت وجوب الوقوف في المشعر وأنه من طلوع الفجر ولم يشر إلى النهاية الأمر الذي يمكن أن يفهم منه أن وقت النهاية عنده ليس هو طلوع الشمس بل ما قبل ذلك وذكرنا أن صاحب الجواهر(قده) مال إلى ذلك [4] حيث ذكر أن ظاهر المتن عدم وجوب الاستيعاب إلى طلوع الشمس ثم قال:- ( ولعله الاقوى للأصل واطلاق الأدلة السالمين عن المعارض ) [5] ، والسؤال هو:- أليس هذا تنافياً بين ما أفاده هناك وما أفاده هنا ؟ - يعني التنافي في حق المحقق - فهو هنا ذكر أن وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بينما هناك حدّد البداية وسكت عن النهاية وذلك يدل على أن النهاية عنده ليست هي طلوع الشمس وهكذا فهم صاحب الجواهر فهل يعدُّ هذا تنافياً أو لا ؟
 والجواب:- إنه فيما سبق تعرض إلى وقت الوجوب وذكر أنه يجب الوقوف من طلوع الفجر وأما هنا فلا يريد أن يذكر وقت الوجوب بل يريد أن يذكر الوقت الذي لو أدركه المكلف كان قد أدرك الموقف الاختياري وربما لا يكون واجباً لكن لو أدركه كان مدركاً للموقف الاختياري فلو كانت صحّة الحج موقوفة على إدراك الموقف الاختياري للمشعر فهذا المكلف يعدُّ مدركاً للموقف الاختياري وذكر أن الموقف فالاختياري هو ما بين الطلوعين ولكن هذا لا يعني أن المجموع واجبٌ ، إذن لا تنافي بين الحكمين والعبارتين ، ومما يرشدنا إلى ذلك هو أنه ذكر في عبارةٍ سابقةٍ له ما نصّه:- ( ويستحب لمن عدى الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليلٍ ولكن لا يجوز وادي مُحسِّر إلا بعد طلوعها ) ، وعلق في المدارك بقوله:- ( ما اختاره المصنف هو المشهور بين الأصحاب بل قال في المنتهى أنه لا يعلم فيه خلافاً ) [6] ، فالمحقق إذن يصرّح بأنه لا يجب الاستمرار في الوقوف إلى طلوع الشمس بل يستحب لمن عدى الامام الإفاضة قبل ذلك . هذا مضافاً إلى أنه ذكر بعد ذلك [7] هكذا:- ( وللمضطر إلى زوال الشمس ) يعني أن تمام العبارة هكذا:- ( وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس للمضطر إلى زوال الشمس ) ومن المعلوم أن المضطر لا يلزم أن يقف طيلة الفترة إلى زوال الشمس بل إذا أدرك مقداراً كفى فبقرينة هذه العبارة يفهم أن العبارة السابقة هي بصدد بيان وقت الموقف الاختياري بمعنى أن من أدركه فقد أدرك الموقف الاختياري ، وعلى أي حال يمكن ذكر قرائن أخرى ولكن لا داعي إليها.
 السؤال الثاني:- وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني فهو أن صاحب المدارك ادعى الاجماع على الوقت الاضطراري وأنه يمتدّ إلى زوال الشمس من يوم العيد والحال نحن نرى اختلاف الفقهاء في إجزاء الموقف الاضطراري فبضٌ قال إن الموقف الاضطراري لا يجزي ولعله المشهور فكيف يحصل تلاؤم بين المطلبين ؟ أي بين دعوى الاجماع بأن الوقت الاضطراري يمتد إلى زوال الشمس ولكن في نفس الوقت المشهور يقول إنه لا يجزي فما معنى الاجماع على امتداد الوقت الاضطراري إلى زوال الشمس بعد قول المشهور بأنه لا يجزي ذلك أوليس هذا تناقضاً بين المفادين ؟
 والجواب:- إن المقصود من الاجماع على الامتداد هو الامتداد في حالة الإجزاء والحكم بالإجزاء فهناك حالات اتفق فيها على الإجزاء كمن أدرك الموقف الاختياري لعرفات فإنه لو فاته الموقف الاختياري للمشعر كفاه الاضطراري بالإجماع ، وهناك حالة اختلف فيها وهي ما إذا أدرك المكلف الموقف الاضطراري للمشعر فقط من دون إدراك اختياري عرفات - وهذا كله يأتي إنشاء الله تعالى - ، وهناك حالة أخرى اتفق فيها على عدم إجزاء الموقف الاضطراري بالإجماع وهي ما إذا فوّت المكلف الموقف الاختياري للمشعر عمداً فإنه لا يجزيه الموقف الاضطراري للمشعر بالإجماع . إذن حينما ادعي الإجماع على امتداد الموقف الاضطراري الى زوال الشمس فالقصود هو الإجماع في المورد الذي يحكم فيه بالإجزاء لا أنه في جميع الحالات حصل الاجماع على ذلك ، إذن هذا القيد [8] قيدٌ مضمرٌ وهو لم يصرّح به لوضوحه وعليه فلا تنافي بين المطلبين ، وعلى هذا الأساس إذا أردنا أن نختلف فنختلف في أن هذا المورد هل هو من موارد الإجزاء في الموقف الاضطراري أو لا ؟ فهناك حالات ستاتي إنشاء الله تعالى قد وقع الكلام في إجزاء الموقف الاضطراري في بعضها وبعض الحالات اتفق على الإجزاء وفي بعضها الآخر اتفق على عدم الإجزاء . إذن أصل الامتداد في حالة الإجزاء قضية مسلّمة وإنما المشكوك وغير المسلّم هو أصل كون هذه الحالة من موارد الإجزاء أو لا.
 وأما ما أفاده بالنسبة إلى الحكم الثاني من أن من فوّت الموقف في المشعر - أعم من الاختياري أو الاضطراري - يفسد حجّه فذلك لوجهين:-
 الوجه الأول:- إنه مقتضى القاعدة فإن من ترك جزء الواجب فقد ترك الواجب إذ المركب ينعدم بانعدام بعض أجزاءه فالحكم إذن على طبق القاعدة بلا حاجة إلى دليل.
 ولا ينبغي لأحدٍ أن يشكك في الصغرى ويقول:- أنا أسلم أن من ترك جزء الواجب فقد ترك الواجب ولم يتحقق منه ولكن من قال إن هذا جزء الواجب - يعني الوقوف في المشعر الاختياري أو الاضطراري - حتى يصدق على من فوّته أنه فوّت الجزء وبالتالي يفوت المركب فكيف تثبتون ذلك فلعله من باب الواجب ضمن الواجب لا من باب الجزئية ؟ فإنّا نجيب:- بأن عمدة الحج هو الوقوف بالمشعر فإذا لم يكن هذا جزءاً فأين الجزء إذن ؟ إن هذا التشكيك إن أتى فهو يأتي في مثل رمي الجمرات أو المبيت في منى وبعض الأفعال الأخرى لا في مثل الوقوف في المشعر.
 الوجه الثاني:- بعض الروايات من قبيل صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ) [9] بتقريب أن مفهومها هو أن من لم يدرك جمعاً فلم يدرك الحج ، ويدل على ذلك أيضاً رواية الحلبيَّين عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج ) [10] والحلبيان هما عبيد الله وعمران ابني عليّ وبيت الحلبي كما قال عنه النجاشي في فهرسته:- ( بيتٌ معروفٌ في الكوفة كلّهم ثقاة ) ، ولكن ورد القاسم بن عروة في السند وهو لم يذكر بتوثيق فلو كانت هذه الرواية تامّة السند لكان الأجدر الاستناد إليها في البداية ولكن قدّمنا تلك الرواية مع عدم وضوح دلالتها بشكل جليّ لأجل أنها تامّة السند بخلاف هذه ، وعلى أي حال إذا شككنا في الدلالة يكفينا مقتضى القاعدة.


[1] المدارك ج7 ص431.
[2] الحدائق ج 16 ص436.
[3] الجواهر ج19 ص85.
[4] يعني أنه لا يلزم الاستمرار إلى طلوع الشمس.
[5] فلاحظ الجواهر ج19 ص67 .
[6] المدارك ج 7 ص473.
[7] أي في ذيل العبارة التي نقلناها.
[8] أي الاجماع على الامتداد في مورد الحكم بالاجزاء.
[9] الوسائل ج14 ص45 ب25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2.
[10] المصدر السابق ح1.