34-04-16


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 373 ) / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ملاحظة ترتبط بما تقدم:- ذكرت فيما سبق أن صحيحة مسمع التي قالت:- ( إن كان جاهلاً فلا شيء عليه وإن أفاض قبل طلوع الفجر فعليه شاة ) وذكرت أن دلالتها تامّة ، وقد وقع تسامح في التعبير من قبلي فمقصودي من تمامية الدلالة هي أنها تدلّ على عدم بطلان الحج وبالتالي من أفاض عامداً لا يبطل بذلك حجّه بل يجب عليه شاة أما أن الواجب هو من الليل فهي ساكتة من هذه الناحية ونحن لا نقصد التمامية بهذا المعنى فنحن لا نقصد من ( أنها تامة الدلالة ) بمعنى أنها تدل على أن الوجوب يبتدئ من الليل كما هو مقتضى الرأي الثاني ، كلا وإنما مقصودي هو أن التمامية هي بمعنى أنه لا يبطل العمل بذلك.
 تحديد النهاية:-
 إن كل ما تقدم كان ناظراً إلى تحديد الوقف الاختياري من حيث البداية ، وأما من حيث النهاية فقد اختلفت كلمات الفقهاء فمنهم من ذكر أن النهاية هي طلوع الشمس ومنهم من سكت ومنهم من ذكر أنه يجوز له أن يفيض قبل طلوع الشمس ، قال في الحدائق:- ( اختلف الأصحاب في وقت الإفاضة من المشعر ....) [1] إذن هو نقل أن المسألة خلافية ثم نقل بعض الكلمات المجوّزة للإفاضة قبل طلوع الشمس بل وبعض الروايات التي تدلّ على ذلك ثم نقل عبارة الفقه الرضوي - ونحن نعرف أن رأيه هو أنه يعتمد عليه - التي تقول:- ( وإياك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس ) ... إلى أن قال:- ( وبالجملة فالاحتياط يقتضي التأخير إلى طلوع الشمس والخروج قبله لا يخلو من الإشكال كما عرفت من عبارته عليه السلام في كتاب الفقه والكتاب عندنا كما عرفت في غير موضعٍ معتمدٌ كما اعتمده الصدوقان ) ، والمحقق في الشرائع ذكر التحديد من حيث البداية وسكت عنه من حيث النهاية - كما ذكرنا سابقاً - الأمر الذي يدل على أنه متردّد في المسألة، وذكر صاحب الجواهر(قده) [2] أن ظاهر عبارة المحقق في الشرائع عدم وجوب الاستيعاب الى طلوع الفجر من جهة أنه لم يحدّد النهاية ثم قال:- ( ولعله الأقوى للأصل وإطلاق الأدلة السالمين عن المعارض ) ومقصوده من الأصل هو أصل البراءة من وجوب الاستيعاب فإنا نعلم بوجوب الوقوف في المشعر في الجملة وأما أنه يلزم أن يكون إلى طلوع الشمس فنشك باشتغال الذمة به فنجري البراءة ومقتضى الاطلاقات أيضاً هو ذلك فإنها لم تذكر لزوم الوقوف إلى طلوع الشمس ، هكذا يرى(قده).
 وعلى أي حال قد يتمسك لإثبات أن النهاية هي طلوع الشمس بما يلي:-
 الأول:- ما دل على أن من فاته موقف عرفات فحجّه صحيح إذا أدرك المشعر قبل طلوع الشمس أو قبل إفاضة الناس وقد أشرنا إلى بعض تلك الروايات فيما سبق من قبيل صحيحة الحلبي التي جاء فيها:- ( وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات ..... فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس .. ) ، وعلى منوالها صحيحة معاوية بن عمار الواردة في الشيخ الكبير والتي جاء فيها:- ( إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلاً ثم يدرك جمعاً قبل طلوع الشمس فليأتها ) ، وعلى منوال ذلك صحيحة حريز أيضاً.
 إذن هذه الروايات تجعل المدار على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس وهذا معناه أن الوقت ينتهي عند طلوع الشمس ولذا جُعل المدار عليه ، هكذا قد يقال بل استدل بعضٌ بذلك.
 وفيه:- إن هذا وجيه إذا لم نحتمل أن من ضاق عليه إدراك عرفات جعلت له توسعة من ناحية المشعر فجعل المدار على الإدراك قبل طلوع الشمس هو توسعة وتسهيل له وإلا فالواجب ينتهي قبل نصف ساعة من طلوع الشمس مثلاً ولكن تسهيلاً على المكلف المذكور مُدِّد وقت الإدراك إلى طلوع الشمس ، إن هذا احتمال وجيه فلا يمكن أن نستنج من الروايات المذكورة أن الوقت الواجب هو إلى طلوع الشمس.
 وإذا قيل:- إنه ذكر في بعض الروايات المذكورة تعبير آخر هو ( قبل إفاضة الناس ) والناس جزماً يفيضون بعد طلوع الشمس فيثبت أن وقت النهاية هو طلوع الشمس.
 قلت:- هذا تمسك بالسيرة وفعل الناس وقد ذكرنا أكثر من مرة أن الفعل أعم من اللزوم فكونهم يقفون إلى طلوع الشمس لا يعني أن الواجب هو إلى ذلك اللهم إلا أن نضم فكرة الارتكاز ونقول إن المرتكز في أذهانهم هو الوقوف إلى طلوع الشمس بنيَّة الوجوب وهذا كما ترى لو كان ثابتاً حقاً فيحتمل أنه ناشئ من فتاوى الفقهاء والمهم هو الارتكاز في أذهان المتشرعة بما فيهم الفقهاء وقد عرفت أن الفقهاء مختلفون فيما بينهم في تحديد وقت النهاية . إذن يصعب استفادة ما ذكر من الروايات المذكورة.
 الثاني:- الروايات الدالة على أن وقت الإفاضة هو عندما يشرق ثبير ، وثبير جبل إما في منى أو بين منى ومكة ويراه الموجود في المشعر الحرام من بُعدٍ ولا إشكال في أن إشراق ثبير إنما يكون عند طلوع الشمس بل إن هذا صار كناية عن ذلك فحينما يقال ( أفض عندما يشرق ثبير ) فهو كناية عن طلوع الشمس ، بل نقول أكثر من ذلك وهو أن الإمام عليه السلام قد فسَّر إشراق ثبير بطلوع الشمس وعليه فالمدار في النهاية على طلوع الشمس فلاحظ صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( أصبح على طهرٍ بعدما تصلي الفجر ..... ثم أفِض حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها ) [3] ، هكذا نقلها صاحب الوسائل في الباب المذكور ولكنه نقلها في باب آخر [4] عن الشيخ في التهذيب ويوجد في ذلك النقل إضافة هي موجودة في التهذيب ولكنها سقطت من قلم صاحب الوسائل وهو تفسير إشراق ثبير بطلوع الشمس فإن الرواية هكذا:- ( ثم أفِض حيث يشرف لك ثبير [5] وترى الإبل مواضع أخفافها ، قال أبو عبد الله عليه السلام:- كان أهل الجاهلية يقولون أشرف ثبير كي ما نغير ) ، ولكن في التهذيب نقلت هكذا:- ( كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير - يعنون الشمس - كي ما نغير ) [6] إذن الإمام عليه السلام فسَّر إشراق ثبير بطلوع الشمس فلا مجال إذن للتردد من هذه الناحية . وذكر في الوافي:- ( كي ما نغير أي نسرع إلى النحر من أغار إذا اسرع ) [7] .
 وبالجملة:- إن هذه الرواية دلت على أن وقت الإفاضة هو حينما يشرق ثبير وإشراقه كناية عن طلوع الشمس بل إن الامام قد فسَّر ذلك بطلوع الشمس وبعد هذا فلا مجال لمناقشة صاحب الجواهر(قده) [8] حيث ذكر أن إشراق ثبير يتلاءم مع إسفار الصبح - يعني إذا جلل الصبح السماء قبل طلوع الشمس - فإنه يصّح بذلك التعبير بـ( أشرق ثبير ) وفي هذا الوقت الإبل ترى مواضع أخفافها . إذن المقصود من الرواية إما هذا جزماً أو على الأقل هو شيء محتمل فالرواية تصير وجملة ومردّدة بين هذا وذاك وبالتالي لا يصح التمسك بها لإثبات أن النهاية هي طلوع الشمس ، إن مناقشة صاحب الجواهر بالشكل المذكور - بعد تفسير الامام عليه السلام إشراق ثبير بالشمس وبعد ما قلنا من أن هذا الاستعمال كنائي فالعرب تستعمله كناية عن طلوع الشمس - لا مجال لها ولا مجال لترديده ، هكذا ذكر السيد الخوئي(قده) تعليقاً على كلام صاحب الجواهر وعلى أساسه بنى(قده) على أن النهاية هي طلوع الشمس للرواية المذكورة.
 وفيه:- لو سلمنا جميع الأصول الموضوعية في هذا الاستدلال وتنزلنا عنها - يعني إنا بنينا على مسلك حكم العقل إذ لو لم نبنِ على المسلك المذكور - فالاستدلال بالرواية مرفوض من البداية لأنها قالت في البداية ( أصبح على طهر ) وذكرت جملةً من المستحبات وحينما وصلت إلى قوله عليه السلام ( ثم أفض عندما يشرق ثبير ) لا يمكن أن نستفيد الوجوب ، نعم لا بأس بذلك على مسلك حكم العقل.
 إذن لا بد أوّلاً من أن نتنازل ونبني على مسلك كم العقل ، وثانياً نتنازل عن أن الرواية ذكرت مجموعة من المستحبات بل أكثر ما فيها هو مستحب ومسلك حكم العقل لو قبلناه فإنما هو ينفع فيما إذا لم تكن المستحبات هي الطابع العام في الرواية وإلا فالعقل يتوقف من الحكم باللزوم كما أشرنا غير مرة ، وتنزلنا ثالثاً عن احتمال أن يكون التفسير بالشمس هو من ناحية أحد الرواة فإنه قد يستبعد أن نفس الإمام هو يفسِّر ( أشرق ثبير ) بقوله ( يعنون الشمس ) ولا أقل القضية مردّدة من هذه الناحية ، وإنما ننسب ذلك إلى الراوي ولم ننسبه إلى الشيخ الطوسي لأن الشيخ لم تجرِ عادته على الإضافات خلافاً للشيخ الصدوق ولكن الذي نقوله هو أن هذه إضافة من بعض الرواة تفسيراً لإشراق ثبير ، وتنزلنا رابعاً عن أن عدم ذكر صاحب الوسائل لهذه الإضافة - أي ( يعنون الشمس )- يدل على أن نُسخ التهذيب مختلفة ومعه كيف نعتمد على النسخة التي فيها هذه الإضافة ونستدل بناءً على وجودها ، كلا إن أصل وجودها شيء مشكوك ، ولكن نقول لو تنزلنا عن هذا أيضاً وقلنا أن هذه الإضافة ثابتة ولو بقرينة أن الشيخ الصدوق ذكر الرواية أيضاً في كتاب العلل [9] وهي تشتمل على هذه العبارة فأنه لو غضضنا النظر عن كل هذا فنقول توجد روايات تصرح بجواز الإفاضة قبل طلوع الشمس فيلزم آنذاك أن نحمل صحيحة معاوية بن عمار التي قالت ( أفِض حينما يشرق ثبير ) على الاستحباب.


[1] الحدائق ج 16 ص456.
[2] الجواهر ج19 ص76.
[3] الوسائل ج14 ص20 ب11 من أبواب الوقوف بالمشعر ح1.
[4] الوسائل ج14 ص26 ب15 ح5.
[5] هكذا في الوسائل ولكن في التهذيب ( يشرق ) وهو المناسب.
[6] التهذيب ج5 ص 192.
[7] الوافي ج13 ص 1054.
[8] الجواهر ج19 ص76.
[9] علل الشرايع ج2 ص 495 ب 192 المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف.