34-03-15


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 369 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الثالث:- وهو للسيد الخوئي(قده) وحاصله:- أن الوارد في صحيحة الحلبي هكذا:- ( عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات ... ) وهذا التعبير يشمل بإطلاقه الناسي أيضاً فلو فرض أن الشخص نسى وأتى بعدما أفاض الناس من عرفات فيشمله هذا التعبير . إذن هو مطلق ومادام مطلقاً فنتمسك بالإطلاق والإمام عليه السلام حكم بأنه إذا تمكن من الوقوف في عرفات برهة من الزمن قبل أن يفيض الناس من المشعر فليذهب إلى عرفات ... الخ . إذن ما ذكره الإمام من الموقف الاضطراري يشمل الناسي أيضاً - أي من دون حاجة إلى التمسك بالتعليل أو حديث الرفع أو من أدرك جمعاً - بل نفس إطلاق الحديث يكفينا.
 وفيه:- إن هذا ليس من موارد التمسك بالإطلاق بل هو من موارد ترك الاستفصال فإن المورد يصير من موارد الإطلاق فيما إذا فرض أن التعبير الذي نريد التمسك به كان وارداً في كلام الإمام عليه السلام بحيث قال هكذا مثلاً:- ( من أتى بعدما أفاض الناس من عرفات ... فحكمه كذا ) فلو كان الإمام قد ذكر هذا فيمكن أن يقال إنا نتمسك بإطلاقه ، ولكن هناك سؤال من السائل عن رجل من هذا القبيل - يعني أنه ورد عرفات بعدما أفاض الناس - والإمام لم يستفصل فالمورد مورد عدم استفصال الإمام في مورد السؤال.
 وبناءً على هذا نقول:- لعل الإمام لم يستفصل باعتبار أنه فهم من السؤال المتكلم النظر إلى الحالة العاديّة وهي أن الإنسان يضيق عليه الوقت فيأتي عرفات بعدما أفاض الناس وإلا فلا يوجد إنسان ينسى الوقوف بعرفات أما بنحو نسيان الحكم أو بنحو نسيان الموضوع وهكذا الجهل من حيث الحكم أو الموضوع ، إن هذه فرضية لو أمكن تحققها فهي نادرة والحالة المتعارفة هي أن يضيق الوقت بسبب زحام ونحوه . إذن لعل الإمام لم يستفصل من ناحية أنه فهم من سؤال السائل النظر إلى الحالة العادية وهي حالة ضيق الوقت ومعه فلا يمكن أن نتمسك بترك الاستفصال ، وهذه من الثمرات المهمة بين فكرة الإطلاق وفكرة ترك الاستفصال ففي الإطلاق يمكن أن يقال هو يشمل النادر نعم هو لا يختص بالنادر أما شموله له فلا محذور فيه وهذا بخلافه في ترك الاستفصال إذ يوجد سؤال ولعل الإمام فهم منه النظر إلى الحالة العاديّة المتعارفة فأجاب على طبق ذلك فلا يمكن أن نثبت آنذاك عمومية الحكم.
 ومن خلال هذا اتضح أن هذه الحالة نادرة أعني حالة نسيان الوقوف بعرفات أو الجهل بذلك ولا معنى لإدراجها في المناسك الذي كتب لبيان المسائل الابتلائية دون العلميَّة المحضة.
 نعم هناك حالة واضحة ربما تكون ابتلائية وهي ما إذا فرض أن المكلف جهل الهلال فلم يدر أن هذا اليوم هو الثامن وليس اليوم التاسع كما يحصل أحياناً فيقف حسب ما تعلنه السلطة أي في اليوم الثامن بناءً على عدم الاجزاء أو يُفرَض العكس ، فوقف في غير اليوم التاسع ثم نبّهه بعضٌ أن هذا اليوم هو ليس اليوم التاسع ولكن فهم ذلك في اليوم التاسع الحقيقي - أي العاشر بحسب اعلان السلطة - فهنا لو التفت إلى ذلك بعد انتهاء الوقت - أي بعد الغروب - فهل يشمله هذا التعبير وهذه الرواية ؟
 والجواب:- إننا لا نتمسك بإطلاق التعبير المذكور كما صنع السيد الخوئي(قده) وإنما نتمسك بالتعليل فيما إذا كان معذوراً كما إذا كان يعتقد أن اليوم الذي وقفه كان هو اليوم التاسع الحقيقي وبعد ذلك اتضح له الحال فكان جهله جهلاً عن عذر فآنذاك يتمسك بالتعليل - أي بقاعدة ( فإن الله اعذر لعبده )- فحينئذ يقال إذا ورد عرفات بعد الغروب بعد اليوم العاشر الرسمي والتاسع الحقيقي فيكفي ذلك مادام يدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا وأما إذا لم يكن جهله عن عذر فلا . إذن هذه الحالة ربّما تكون نادرة أيضاً ولكنها قد تكون ابتلائية فيتمسك فيها بالتعليل.
 ثم إنه ينبغي الالتفات إلى قضية أخرى:- وهي أن المكلف لو ورد متأخراً لتأخر الطائرة مثلاً أو لمرضٍ وكان يعلم أنه لا يتمكن من الوصول إلى عرفات قبل غروب اليوم التاسع فهل يلزمه أن يقدّم الإحرام أي يأتي به قبل زوال اليوم التاسع ؟ إذ الإحرام في الحالات العاديّة يكون قبل الزول ويكون من مكة المكرمة ولكن مثل هذا الشخص هل يلزمه تقديم الإحرام ؟
 والجواب:- هذه المسألة أشرنا إليها فيما سبق بمناسبةٍ والصحيح أنه لا يلزمه ذلك فإن لزوم التقديم قبل الزوال هو لأجل درك الموقف فالاختياري وبعد أن فرض أنه لا يمكنه ذلك ويعلم بذلك فلا موجب لتقديم الإحرام لعدم الدليل ولا أقل نشك فنجري أصل البراءة من ذلك ، وعليه فيكفيه الإحرام قبل الغروب بل بعد الغروب لأجل أن يقف برهة من الزمن في عرفات ليلة العيد.
 وأما بالنسبة إلى النقطة الثالثة:- - أعني أن من فوّت الموقف الاختياري أو الموقف الاضطراري على نفسه عمداً فسد حجّه - فذلك واضح أما أنه لو فوّت الموقف الاختياري عمداً بحيث لم يقف ما بين الزوال والغروب لحظة فقد تقدم الوجه في ذلك وأنه أمران الأول اقتضاء القاعدة لذلك بلا حاجة إلى دليل خاص فإن المركب ينعدم بانعدام بعض أجزاءه بعد بطلان احتمال كون الوقوف في عرفات واجباً في ضمن واجب والثاني هو الروايات التي تقول إن أصحاب الأراك لا حجّ لهم بتقريب أن الأراك منطقة خارج أو على حدود عرفات فيثبت بذلك أن عدم الوقوف في عرفات طيلة الوقت - أي في هذا الوقت - يوجب البطلان.
 استدراك:- قلنا إنه ربما يحتمل محتمل وهو أنه ربما يكون المقصود من ( إن أصحاب الأراك لا حجّ لهم ) هو أن الوقوف في منطقة الأراك بما هو بقطع النظر عن كونه خارج عرفات هو له خصوصية فيبطل الحجّ فلا يمكن أن نستفيد من ذلك أن كل تركٍ للوقوف في عرفات يوجب البطلان وإنما هناك خصوصية لمنطقة الأراك ، ونحن فيما سبق قلنا إن هذا احتمال عقلي وليس عرفياً ، والآن نقول:- إن هذا الاحتمال من أساسه منفي إذ توجد رواية تعلل عدم جواز الوقوف في منطقة الأراك لأنه خارج عرفات فإذا صرَّحت الرواية بذلك فهذا الاحتمال يكون باطلاً من أساسه وتلك الرواية هي موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ( واتق الأراك ونمرة وهي بطن عَرُنَة وثويَّة وذي المجاز فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه ) [1] إنها قالت ( واتق الأراك ... فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه ) ، إذن الرواية واضحة في أن النكتة ليست هي المانعية بعنوان منطقة الأراك بل لأنها خارج عرفات . هذا بالسبة إلى تفويت الموق فالاختياري عمداً.
 وأما بالنسبة إلى تفويت الموقف الاضطراري عمداً يعني لا يذهب إلى عرفات برهة من الزمن ليلية العاشر لا لعذرٍ ففساد الحجّ لأجل دلالة نفس صحيحة الحلبي على ذلك فإنها صرّحت بذلك وقالت ( إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات ).
 النقطة الرابعة:- وهي التي لم يشر إليها السيد الماتن وحاصلها:- إن الموقف الاضطراري عرفنا أنه برهة من الوقت ليلية العيد ولكن إلى متى ؟ هل يمتد إلى تمام الليل - أي إلى طلوع الفجر أو إلى نصف الليل أو إلى ربعه - ؟ هذه قضية لم يتعرض إليها السيد الماتن وتعرض إليها صاحب الشرائع حيث قال:- ( الثانية:- وقت الاختيار لعرفة من زوال الشمس إلى الغروب ومن تركه عامداً فسد حجّه . ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر ) ومستند ذلك الذي أفاده صاحب الشرائع هو أن الامام عليه السلام قال ( حتى يأتي عرفات من ليليته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس .... ) إنه لم يعبّر بـ( برهة من الليل ) وإنما قال ( يأتي عرفات من ليليته فيقف بها ) وهذا نتيجته البرهة من الليل فإنه لو وقف بها دقيقة أو دقيقتين يصدق عليه أنه وقف بها في ليلته وحيث أن الليل يمتد إلى طلوع الفجر فبالتالي تصير النتيجة أن الموقف الاضطراري ينتهي إلى طلوع الفجر ، هذا توجيه ما أفاده صاحب الشرائع.
 ولكن يمكن أن يقال:- إن المناسب شيء آخر فليس الوقت هو تمام الليل وإنما هو الوقوف في الليل شريطة إدراك المشعر قبل أن يفيض الناس فلو فرضنا أنه لو أراد أن يقف قبل طلوع الفجر بربع ساعة فسوف يدرك المشعر وقد أفاض الناس قبل طلوع الشمس فلا يكفيه ذلك رغم أنه في الليل فلابد وأن نقول هو يمتد إلى الفترة التي يمكن معها الوصول إلى المشعر قبل أن يفيض الناس فإذا فرض إلى نصف الليل يمكنه ذلك فهنا ينتهي الموقف الاضطراري إلى الليل ولا يمتد إلى طلوع الفجر ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.


[1] الوسائل 13 532 10 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح6.