34-03-14


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/03/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 369 )/ الواجب الثاني من واجبات حج التمتع ( الوقوف بعرفات ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الإشكال الثاني:- وهو للسيد الروحاني(قده) [1] وحاصله:- إنه إذا أردنا أن نأخذ بعموم التعليل وأن صاحب العذر يجزيه ما يتمكن عليه فسوف ينشأ من ذلك فقه جديد فإنه يلزم في جميع موارد العذر أن نحكم بالإجزاء ، فإذا فرض أن المكلف لا يتمكن من أن يأتي بأربع ركعات لصلاة الظهر مثلاً فلازمه أنه يكفي بما يتمكن فإذا كان يتمكن من أن يأتي بركعة واحدة كفته وهذا لا يمكن لأحد أن يلتزم به ، وهكذا بالنسبة إلى الحج فإذا فرض أنه يتمكن أن يأتي بربع الأجزاء فقط كالرمي مثلاً فلابد وأن نقول هذا يجزي ، وهكذا في شهر رمضان فإذا فرض أن المكلف لا يتمكن من صوم تمام اليوم فنقول له اات بما تتمكن منه - كساعة مثلاً وهو مجزٍ وهذا فقه جديد ، ومعنى ذلك أنه سوف تثبت نتائج لا يمكن لأحد بذوقه المتشرعي أن يتمسك بها ، ونصّ عبارته:- ( مع أنه لا يمكن الأخذ بعمومها من جهة الإجزاء وإلّا لزم منه تأسيس فقه جديد إذ لا يلتزم أحد بثبوت الإجزاء في مطلق موارد العذر ).
 وفيه:- إنا نلتزم بعموم التعليل ولكن في مجالها التي تمسك فيه الامام عليه السلام بالتعليل المذكور وهو من لم يتمكن من الوقوف في عرفات الموقف الاختياري فكفيه برهة من الوقت بعد ضمّ الوقوف في المشعر وإذا لم يتمكن من الوقوف في عرفات برهة أيضاً أن يقف في المشعر فإنه في هذا المورد علّل الامام عليه السلام بأن ( الله أعذر لعبده ) يعني هو معذور ومادام معذوراً فالله أعذر له ولكن في هذا المجال - أي في مجال عرفات وقضية المشعر - فهناك عموم تعليل في هذه المساحة فنستفيد أن كل صاحب عذر في هذه المساحة ما تمكن أن يأتي به فهو مجزياً . نعم لا يمكن التمسك بالعموم بعرضه العريض - أي حتى في غير هذا المجال - أما في هذا المجال الذي ذكره الامام عليه السلام حيث إنه بالإمكان التمسك به دون محذور فلا بأس بالتمسك به.
 نعم قد يشكل بإشكال آخر لم نجد من ذكره:- وهو أنه من قال إن هذا الذي ذكره الامام بقوله ( فإن الله أعذر لعبده ) هو علة وليس حكمة ؟ والحال أنه من المحتمل أن يكون ذلك حكمة لا علة ومع التردد لا يمكن التمسك بالعموم المذكور حتى في هذا المورد وهذه المساحة الضيّقة.
 وفي هذا الجال نقول:- إنه كيف يمكن تشخيص أن هذا علة أو حكمة ونحن نعرف أن المقصود من العلة هو ما يكون الحكم دائراً مداره وجوداً وعدماً بينما المقصود من الحكمة ما يكون له تأثير في الحكم ولكن لا يلزم دوران الحكم مداره وجوداً وعدماً ، إذن السؤال هو أنه كيف نشخص أن المذكور - كالإسكار بالنسبة إلى الخمر - هو علة وليس حكمة ؟
 والجواب:- إن الطريق منحصر بالاستظهار وإلا فلا يوجد طريق آخر يمكن الاستعانة به فإن التعابير ومناسبات الحكم والموضوع لهما تأثيرهما في هذا المجال فإذا فرض أن اللسان كان لسان ( لأن ) أو ( فإن ) فهذا لا يبعد أن يكون ظاهراً في العليل ولا ننكر أنه في بعض الموارد يحصل اجمال وتردد . إذن المسألة من هذه الناحية استظهارية وإلا فلا يوجد ميزان آخر يمكن التمسك به في هذا المجال ، ولكن إذا رجعنا إلى روايتنا نجد أنه عليه السلام قال:- ( إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله أعذر لعبده فقد تمّ حجّه ) ، إننا نفهم من هذا الكلام أنه عليه السلام يريد أن يذكر صغرى وكبرى والصغرى حذفها لوضوحها وهي أنه هذا صاحب عذر والكبرى أشار إليها عليه السلام وهي أن صاحب العذر يعذره الله عز وجل ويحكم بالتمامية في حقه ، ولكن كما قلنا القدر المتيقن في هذه الدائرة والمساحة ، وعليه فنتعدى إلى كل عذر ولا معنى لاختصاص ذلك بخصوص العذر الذي يكون من قبيل المانع الخارجي أي غير النسيان الذي هو مورد الرواية فإن هذا لا يذكر له تعليلاً بهذا اللسان . إذن من الوجيه أن نستظهر أن هذا علّة في هذه المساحة فنتعدى إلى كل عذرٍ من دون الاختصاص بالمورد المذكور ، وعليه فالمناسب الحكم بالإجزاء في حق الناسي تمسكاً بالتعليل المذكور.
 هذا وقد تذكر وجوه ثلاثة لإثبات الإجزاء غير التمسك بعموم التعليل:-
 الوجه الأول:- حديث الرفع - أي ( رفع عن امتي النسيان ) - فإنا قد فرضنا أن الشخص المذكور قد نسى الوقوف في عرفات فيكون مشمولاً لإطلاق - أو عموم - حديث الرفع.
 فيه ما أشرنا إليه أكثر من مرّة:- وهو أن حديث الرفع يرفع ، ولا نقول يرفع العقوبة فقط بل يرفع العقوبة ويرفع كل حكمٍ فيه تضييق على المكلف فوجوب الصلاة مثلاً إذا لم يعلم به فهو مرفوع عنه وكذلك وجوب الكفارة ..... وغيرها وواضح أنه رفع ظاهري لا واقعي ، والثمرة تظهر أين ؟ إنه مادام الرفع رفعاً ظاهرياً فيكون مادامياً - أي ما دام كان ناسياً أو جاهلاً - أما إذا فرض أنه كان رفعاً واقعياً فحينئذ يرتفع حتى بعد ارتفاع الجهل والنسيان فلا تلزمه الإعادة ، أما هناك فنقول هو معذور حالة العذر أما بعد انتهاء العذر فلا بد وأن يرتب آثار الوقت . إذن حديث الرفع هو يرفع كل عقوبة ويرفع كل تضييق على المكلف ولكنه لا يثبت الإجزاء - وأن ما أتيت به هو مجزئ ويسقط عنك وجوب الجحّ - ففي مقامنا المفروض أن المكلف نسي الوقوف في عرفات فيكون ذلك مرفوعاً عنه ولكن هذا المقدار لا يكفينا بل المهم لنا هو أن نثبت أن المقدار الباقي الذي يأتي به من بعد عرفات يكون مجزياً ومسقطاً لوجوب الحج الثابت في ذمته والذي يعرفه - فهو يعرف وجوب الحجّ - فما أتى به من مقدار يجزئ ويسقط وجوب الحج ولا يجب عليه الحج في السنة الآتية ، إن هذا أي الإجزاء أثر وجودي وحديث الرفع يرفع الحكم التضييقي أما الإجزاء فهذا إثبات وهو لا يتمكن على الاثبات.
 إن قلت:- عندي طريق لإثبات الإجزاء ولكن من خلال الرفع فنجعل الرفع واسطة للإثبات وذلك بأن يقال:- إن هذا المكلف الذي نسى الوقوف بعرفات لا ندري هل يجب عليه الحج في السنة الثانية أو لا ؟ فوجوب الحج في السنة الثانية أو الأداء ثانية في العام المقبل هو حكم شرعي نشك في ثبوته فنرفعه بحديث الرفع وبالتالي تكون النتيجة هي الإجزاء لكن من خلال هذا الطريق الذي أشرنا إليه.
 وفيه:- إن وجوب الإعادة حكم عقلي وليس حكماً شرعياً فإن الشخص إذا كان مكلفاً بمجموعة أجزاء ولم يحقق بعضها فالعقل يقول إنك لم تأتِ بالمأمور به فلا بد وأن تأتي به بعد ذلك ما دام هو ليس محدّداً بوقتٍ معين كما في الصلاة فإن الصلاة محدّدة ما بين الزوال والغروب مثلاً فإذا لم يصلِّ المكلف فالعقل لا يقول ( يلزمك أن تأتي بالصلاة بعد الغروب ) لأن المطلوب هو الصلاة في وقتها - أي ما بين الحدَّين وهذا بخلاف الحج فإنه لم يحدَّد بهذه السَّنة ، نعم الفوريَّة لازمة متى ما أمكن ولكنها ليست مأخوذة بنحو القيديّة للواجب كقيديّة ما بين الزوال والغروب بالنسبة إلى الصلاة ، فعلى هذا الأساس العقل يقول ( إن لم تتمكن من الإتيان بالواجب في هذه السنة فعليك أن تأني به في السنة الآتية ) وحديث الرفع ناظر إلى الأحكام الشرعية التي فيها ضيق على المكلف ولا يرفع الأحكام العقلية ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
 الوجه الثاني:- ما أفاده صاحب المدارك(قده) [2] حيث ذكر أن لنا بعض النصوص تقول:- ( من أدرك جمعاً فقد أدرك الحج ) [3] ، بتقريب أن المستفاد منه أن إدراك جمع يعني المشعر الحرام كافٍ في الحكم بتمامية الحجّ - يعني حتى لو فاته الوقوف بعرفات - وبضم الإطلاق من حيث سبب الفوات وأنه مانع خارجي أو هو النسيان يثبت شمول الحديث لمقامنا - أعني الناسي - فالناسي يشمله الحديث المذكور بمقتضى الإطلاق ، فالنتيجة هي أن كل من أدرك جمعاً حتى ولو فاتته عرفات عن نسيان فقد أدرك الحجّ وهو المطلوب.
 بل زاد صاحب الجواهر(قده) [4] قائلاً:- إن الحديث المذكور يمكن أن نقول هو يشمل حتى العامد الذي تعمَّد ترك الوقوف بعرفات فيكفيه إدراك المشعر الحرام غايته خرج ذلك بالإجماع وإلا فلولا الإجماع فلا محذور لشمول لسانه للعامد ، ثم قال هذا نظير ( من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله ) فان المستفاد منه الشمول حتى للمتعمد الذي لا يصلي حتى يضيق عليه الوقت.
 وفيه:- أما بالنسبة إلى ما ذكره صاحب الجواهر فمن باب لفت النظر إلى قضية جانبية:- وهي أنه لا توجد عندنا رواية بهذا اللسان - أي بلسان ( من ادرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله ) - وأن تعلمنا هذا أول ما تعلمنا والحال أن الموجود في الوسائل ناقلاً له عن الذكرى قال:- ( روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال:- من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) [5] إذن هذا التعبير هو الموجود لا ذاك ، والرواية كما ترى مرسلة فإنه قال:- ( الشهيد في الذكرى ) . نعم الذي ورد بطريقٍ معتبر هو موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:- ( فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته ) [6] ، وعلى هذا الأساس إذا أردنا أن نتعامل فنتعامل مع لسان هذه الرواية.
 والمهم الذي أريد أن اقوله:- هو أن التعبير بـ( أدرك ) يمكن أن يقال هو خاص في حدّ نفسه - إما وضعاً أو انصرافاً - بغير حالة العمد وهذا الذي نذكره إن لم يكن شيئاً جزمياً فهو لا أقل محتمل بدرجةٍ وجيهةٍ بحيث يصير التعبير مجملاً من هذه الناحية فلا يصح التمسك بالإطلاق.
 ونفس الكلام نقوله مع صاحب الجواهر ، فنقول إن نفس كلمة ( أدرك ) هي إما أنها خاصة بغير المتعمد وعلى الأقل هي مجملة من هذه الناحية فلا يصح التمسك بها ، وهذا أيضاً شيء ظريف.


[1] المرتقى 2 274.
[2] المدارك 7 402.
[3] الوسائل 14 45 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح2 .
[4] الجواهر 19 35.
[5] الوسائل 4 218 30 من أبواب مواقيت الصلاة ح4.
[6] المصدر السابق ح1.