38/06/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 34 ) حكم لبس الذهب للرجال – المكاسب المحرمة.

الرواية السادسة:- عدة من أصحابنا عن سهل بن وياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إنَّ النبي صلى الله عليه وآله تختّم بيساره بخاتم من ذهب ثم خرج على الناس فطفق الناس ينظرون الناس إليه فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع إلى البيت فرمى به فما لبسه )[1]

وهي من حيث السند تشتمل على سهل وهو على المبنى ، وجعفر بن محمد الأشعري مجهول فالمشكلة من ناحيته ، وإلا فابن القداح فهو عبد الله بن ميمون بن الأسود القدّاح قد وثقه النجاشي.

وبغضّ النظر عن السند فدلالتها أقرب إلى الدلالة على الجواز دون الدلالة على المنع ، لأنه لو كان هناك منع فحينئذٍ كيف لبس النبي صلى الله عليه وآله الذهب ، فإذن هي لا تدل على المنع ولا معنى لعدّها من روايات المنع والحرمة ولكن ذكرناها من استعراض الروايات المهمة في المسألة.

وقد تسأل وتقول:- صحيح هي لا تدل على المنع ولكن كيف يلبس النبيّ صلى الله عليه وآله الذهب ؟

يمكن أن يجاب ويقال:- ويكفينا ابداء الاحتمال لدفع الاشكال ، وهو أنَّ الأحكام الشرعية تدريجية ، فهي إما تدرجية في أصل التشريع أو تدريجية في الوصول ، وهنا نقول هي تدريجية في أصل التشريع ، فإذا كانت هي تدرجية في أصل التشريع فهذا الفعل قد قام به النبي صلى الله عليه وآله قبل فترة التشريع ولا مشكلة فيه.

وقد تقول:- إذا كان هذا جائزاً وكان قبل التشريع فكيف صنع النبي صلى آله عليه وآله ذلك ؟

والجواب:- لعل بعض الأمور الجائزة لا يتحمّلها الناس ولا يستسيغونها ، فلعل النبي إلى الله عليه وآله طرح الخاتم من هذا الباب ، أي لأنهم لا يستسيغون منه ذلك.

ولو قلت:- كيف يرتكب النبي صلى الله عليه وآله شيئاً قد لا ستسيغه الناس ؟

والجواب:- إنه أراد أن يبيّن الجواز وأنَّ هذا العمل جائز ولا محذور فيه ، فإذا قبلت بهذا فبها وإلا فنردّ علمها إلى أهلها.

إذن هذه الرواية تشكّل مشكلة في موردنا فإنها لا تدل على التحريم ، لكن هل نقبل مضمونها أو لا نقبله فهذه قضية ثانية.

وبهذا فرغنا من الروايات الست التي قد يتمسّك بها لإثبات حرمة لبس الذهب وقد اتضح أنَّ هذه الرواية الأخيرة لابد من حذفها من روايات التحريم لأنه لا توجد فيها دلالة على التحريم ولو من بُعدٍ ، إلا أن تقول إنَّ الإلقاء للخاتم بنفسه فيه دلالة على ذلك ، ولكن هذا يصعب التزام به ، فإذن تبقى عندنا الروايات الخمس السابقة وكان أحسن الروايات منها سنداً هي الرواية الثانية وهي موثقة عمّار التي تقول:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فهي لنه من لباس أهل الجنة ) ، ولكن تأملنا في استفادة الحرمة منها باعتبار أنه توجد إلى جنبها جمل وأحكام أخرى كلبس الحديد وغير ذلك وهو أيضاً قد ورد فيه صيغة نهي والحال أنه مكروه بلا إشكال وليس بمحرّم وقد قلنا هذا يزعزع ظهور الرواية في التحريم ولذلك تكون استفادة التحريم منها شيء مشكل ، نعم أصحاب مسلك حكم العقل لاستفادة التحريم والوجوب منها هم في راحة من هذه الناحية ، أما بناءً على مسلك الوضع الذي نتبّناه تصير الرواية مجملة.

فإذن ما كان أحسن الروايات سنداً هو قابل للتأمل دلالة ، وما كان تام الدلالة هو ضعيف سنداً ، فماذا نصنع في مثل هذه الحالة ؟

يمكن أن نقول:- حيث إنه لم ينقل الخلاف في المسألة يعني لم ينقل خلاف في أصل التحريم ولو كان أحد يتوقف في التحريم لنقل ذلك ، ولا يبعد أن يقال إنَّ المسألة ابتلائية لا أنها نادرة فلو كان التحريم ثابتاً لكان شيئاً منقولاً وواضحاً فهذه القضية إذا ضممناها إلى موثقة عمّار التي جاء إجمالها من ناحية بعض الفقرات التي تشتمل عليها الرواية والتي كان الحكم فيها ليس الزامياً وإلا لم تكن نفس الرواية فيها تعبير يلتئم مع الاستحباب وإنما المقارنات كانت كذلك ، فحينئذٍ نقول إنه بضمّ عدم نقل الخلاف وأيضا كون المسألة ابتلائية لا يبعد أن يكون قرينة على أنّ هذه الفقرة ليست مجملة فيرتفع عنها الاجمال ، يعني هذه الفقرة كان فيها احتمالان بسبب ما اقترن بها من فقرات ، وهذا الاجمال سوف يزول حينئذٍ فنقول إنه بقرينة عدم نقل الخلاف وكون المسألة ابتلائية فحينئذٍ يكون المقصود من الفقرة التحريم فيثبت بذلك التحريم بواسطة ضم عدم نقل الخلاف وابتلائية المسألة إلى هذه الرواية التي اشتملت على عبارة كانت مجملة ولكن نفينا الاحتمالين وهو ارادة التنزّه بضم هذه الضميمة التي أشرنا إليه ، وهذه الطريقة سوف نستفيد منها فيما بعد.

إذن حصلنا على وراية تامّة سنداً بيد أن تماميتها دلالة هو بسبب ضم هذه الضميمة التي أشرنا إليها.

وأما بالنسبة إلى الرواية السادسة:- فقد قلنا نحمل ذلك على تدريجية التشريع فإنَّ هذا أمر لابد منه ، فصحيح هي لعلّها أقرب إلى الجواز بقطع النظر عن فكرة تدريجية التشريع أما بعد ذلك فحينئذٍ لا تتنافى مع موثقة عمّار ، إذ لابد من حملها على تدرجية الأحكام لأنه لا خلاف في حرمة لبس الذهب فهي لابد من حملها على التدريجية ، فإذن هي لا تعارض ما أشرنا إليه ، وبالتالي سوف نخرج بأنَّ التحريم ثابت بهذه الطريقة التي ذكرناها.

هذا مضافاً إلى أنَّ الروايات الأخرى هي وإن كانت ضعيفة السند فإذا كانت دلالتها تامة بضمّ بعضها إلى بعض أيضاً يكون ذلك مؤيداً بل ربما يكون دليلاً على الحرمة فيما إذا كانت دلالتها بحيث يكون ضمّ بعضها إلى بعضٍ يفيد الاطمئنان للفقيه بالحرمة.

إذن الحرمة لا مجال للتوقّف فيها من هذ الناحية ، فاتضح أنَّ أصل التحريم يمكن اثباته بالطريقة التي أشرنا إليها.

 

القضية الثانية:- هل المحرّم هو لبس الذهب أو هو التزيّن به ؟

والنسبة بينهما عموم من وجه ، إذ قد يتحقق تزيّن بلا لبس ، كما ربما يقال في أن تلبس السنَّ بالذهب فإنه ربما يقال هذا لا يصدق عليه عنوان اللبس كما يظهر ذلك من السيد الماتن(قده) لكنه تزيين ، ولعل من هذا القبيل ما سوف نذكره بعد قليل فإنه في الزمان السابق كانوا يلبسون الساعة الجيبية التي تحتوي على زنجير فهذا الزنجير قد لا يصدق عليه اللبس ولكنه تزين وزينة فإذا كان من الذهب فهذا يصدق عليه أنه زينة ولكن لا يصدق عليه أنه لبس ، وربما يكون الأمر بالعكس فإنه قد يصدق اللبس ولا يصدق عنوان الزينة ، كما لو فرض أنه لبس حزاماً من الذهب تحت الملابس فهذا ليس بزينة فهو لبسٌ ولكنه ليس بتزيّن ، فالنسبة هي العموم من وجه ، فبالتالي هل محلّ الحرمة هل هو اللبس أو هو التزين ؟

يظهر من صاحب الجواهر(قده) أنَّ المحرّم هو التزيّن ، بل ربما يظهر منه دعوى عدم الخلاف في ذلك ، ونصّ عبارته:- ( يحرم التختم بالذهب بل ومطلق التحلّي به للرجال بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافاً إلى النصوص التي مرت في لباس المصلي )[2] ، فهو عبر وقال ( ومطلق التحلّي ) والتحلّي هو عبارة عن التوين فعلى هذا الساس عبارته ظاهرة في أن محل التحريم هو التزين دون اللبس.

وذهب السيد اليزدي(قده) إلى ذلك أيضاً حيث قال:- ( ..... نعم إذا كان زنجير الساعة من الذهب وعلقه على رقبته أو وضعه في جيبه لكن علّق رأس الزنجير يحرم لأنه تزيينٌ بالذهب ولا تصح الصلاة فيه ..... )[3] .

بل نقول أكثر:- وهو أنه قد يظهر من الشيخ الأعظم(قده) ذلك لأنَّ عبارته المتقدّمة كانت تقول:- ( المسألة الثانية:- تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير والذهب حرام لما ثبت في محله من حرمتهما على الرجال ) فهو أخذ عنوان التزيين وليس عنوان اللبس.

فإذن هؤلاء الأعلام يظهر منهم أنَّ المحرّم هو عنوان التزيين.

ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ المحرم هو عنوان اللبس ، والنكتة في ذلك هو أنَّ أحسن الروايات على ما تقدّم هي موثقة عمّار والوارد فيها عنوان اللبس لأنه ورد فيها هكذا ( عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لأنه من لباس ال الجنة ) فالوارد هو ( لا يلبس الرجل ) فهي واضحة في أنَّ عنوان اللبس هو المحرّم ، يبقى المعارض الذي لعلّه هو المدرك للأعلام هو الرواية الأولى الرواية الثالثة فالرواية الأولى هي رواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال :- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام:- لا تختّم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة ) فهو أخذ عنوان ( الزينة ) ، فإذن المحرّم هو عنوان الزينة ، فهذا التزيّن محرّم في الدنيا والله عزّ وجلّ خصّص حليته وحصرها بدار الآخرة فيظهر أنّ الحكم منصب على عنوان التزيّن.

وهكذا الرواية الثالثة الواردة أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام:- ( إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلال لعلي عليه السلام:- إني أحبّ لك ما أجبّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي لا تختَّم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة ) ، فالوارد فيها أيضاً هو لفظ ( زينتك ) ، فهاتان الروايتان تكونان معارضتين لموثقة عمّار فماذا نصنع ؟

إذن المشهور أخذ بهاتين الروايتين اللتين عُبِّر فيهما بعبارة ( فإنه زينتك في الآخرة ) ، أما موثقة عمّار فقد أخذت عنوان اللبس ، فإذن لابدّ من التوفيق بينهما بشكلٍ من الأشكال.