35/06/13


تحمیل
الموضوع: الصوم :المفطرات : الاكل والشرب :الاستدلال على عدم مفطرية اكل وشرب غير المعتاد.
تقدم الكلام في رواية مسعدة بن صدقة وبينا الاحتمالات الممكنة فيها, وعلى كل حال فأي احتمال يمكن ترجيحه على الاخر لا يمكن الاخذ به لعدم صحة الرواية سندا, لأن مسعدة بن صدقة الموجود في كلا طريقيها_ لأنها مروية في الكافي ويرويها الشيخ الطوسي بأسناده عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة _ لم تثبت وثاقته , ومن قال ان الرواية موثقة فذلك بناء على وجود مسعدة بن صدقة في كتاب كامل الزيارات او تفسير القمي او مثل هذه الامور.
الدليل الثالث: ما ورد في الاكتحال وهو منحصر بروايتين
صحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر عليه السلام في الصائم يكتحل قال: لا بأس به ليس بطعام ولا شراب )[1]
و رواية ابن أبي يعفور( قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الكحل للصائم ؟ فقال : لا بأس به إنه ليس بطعام يؤكل)[2]
والاستدلال بهاتين الروايتين بأعتبار ان المفطر هو الطعام والشراب وان الكحل ليس مفطرا لعدم كونه طعاما ولا شرابا وحيث ان الطعام يختص بالمعتاد فلابد ان يكون المفطر هو خصوص اكل الطعام المعتاد.
واجاب عنه المحقق الهمداني (ما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور من تعليل نفي البأس عن الاكتحال : بأنّه (ليس بطعام) إذ الظاهر أنّ المراد به أنّ الاكتحال ليس أكلا، لا أنّ الكحل ليس من جنس المأكول، وإلَّا لفهم منه فساد الصوم في ما لو اكتحل بدقيق ونحوه ممّا هو ممّا يؤكل، مع أنّه لا يفهم منه ذلك، بل يفهم عدمه)[3]
حيث انه جعل اسم ليس (الاكتحال) وليس (الكحل) لأنه لا يصح ان يقال ان الاكتحال ليس بطعام بمعنى انه ليس من الاعيان المطعومة , لوضوح ذلك, ولا معنى لنفي الاكتحال الذي هو فعلٌ عن كونه اكلا الذي هو عين خارجية , فأذا قدرّنا ان اسم ليس هو الاكتحال فلابد ان يكون المراد من الطعام هو الاكل بالمعنى المصدري , ولو فرضنا ان المراد هو نفي الكحل عن جنس المأكول فأنه يلزم عليه لازم فاسد وهو انه على فرض الاكتحال بما هو من جنس المأكول كالدقيق والعسل ينبغي ان نلتزم بانه مفطّر للصوم, لأن المعنى يكون (لأن الكحل ليس من جنس المأكول فأنه لا يفطر عند الاكتحال به اما اذا كان الكحل من جنس المأكول فأن الاكتحال به يكون مفطرا ) وهذا اللازم باطل ولا يمكن الالتزام به , هذا ما ذكره المحقق الهمداني ونفس الجواب ذكره السيد الخوئي[4] بعبارة اخرى .
والذي يحسم الموقف في المقام هو ما اشار اليه المحقق الهمداني وهو ان الضمير (اسم ليس) في الصحيحة الاولى او الضمير في (انه) في رواية ابن ابي يعفور هل يعود على الكحل او على الاكتحال[5] ؟ فالموجود في الرواية هو (سألته عن الصائم يكتحل) والاستدلال بالرواية مبني على افتراض ان اسم ليس(الضمير) يرجع الى الكحل فيكون معنى الرواية هو ان دخول الكحل في الحلق ليس مفطرا لأنه ليس طعاما اي ليس من المأكول المعتاد , وهذا يعني ان المفطر هو ما لو كان من المأكول المعتاد فتختص المفطرية بالمأكول المعتاد , فتدل على التفصيل (المدعى في القول الثاني).
والجواب الذي ذُكر على هذا الاستدلال يناسب التفسير الثاني اي ان يكون اسم ليس هو ضميرٌ يعود على الاكتحال ومن ثم يجب تقدير الطعام بما يناسب الاكتحال اي بما يمكن سلبه عن الاكتحال وهو ان يفسر الطعام بالأكل بالمعنى المصدري, و بناء على هذا فالجواب يكون صحيحا , لأنه كأنه يقول ان الاكتحال لا يفطر الصائم لأنه ليس اكلا, والذي يفطر الصائم هو الاكل اعم من المعتاد وغيره , وحينئذ تكون الرواية دليلا على قول المشهور.
لكن هذا الحمل الثاني اذا صح في الرواية الاولى فصحته في الرواية الثانية مشكل , لأن الرواية الاولى فيها ليس بطعام ولا بشراب فنقدّر ان الاكتحال ليس اكلا , بينما الرواية الثانية فأنها تصرح بقولها انه ليس (بطعام يؤكل)[6] وعليه فلا يمكن حملها على المعنى المصدري , بل يتعين كون المراد منها الاعيان وليس المعنى المصدري ,والمراد من (ليس يؤكل) اي لا يعتاد اكله وعليه فلا يصح ما حمله المحقق الهمداني بأن حمل الطعام على المعنى المصدري , ولعل هذا يشكّل قرينة على ان الكلام في الرواية الثانية لا يصار الى هذا الحمل , ومن ثم نرجح كفة الاستدلال بهذه الروايات على القول الثاني اي ان الروايات تريد ان تقول ان الكحل حيث انه ليس من المأكولات المتعارفة لا يكون مفطرا , وعلى ذلك يكون المفطر هو اكل المأكولات المتعارفة المعتادة وهذا هو القول الثاني , واذا رجحنا هذا الاحتمال بهذه النكتة في الرواية الثانية على الاقل, فأنها تكون دالة على القول الثاني, ويرد عليها النقض الذي ذكره المحقق الهمداني ( من ان الالتزام بها يوجب الالتزام بمفطرية الاكتحال بأمثال العسل والدقيق) والامر الاخر المانع من اثبات الاختصاص هو احتمال كون الطعام اخص حتى من المأكول المعتاد لأنه عرفا لا يصدق على الخضروات وامثالها , وهذا ما لا يلتزم به احد[7] وعليه فلابد من الغاء خصوصية الطعام, واقرب الوجوه لإلغائه هو ما تقدم في الدليل الاول (الرواية الحاصرة ) حيث قلنا ان من المحتمل قريبا ان الروايات ذكرت الطعام بأعتبار كونه المأكول الاغلب لا لخصوصية فيه , واذا الغينا خصوصية الطعام فحينئذ لا يلتزم بالاختصاص , هذا من جهة, ومن جهة اخرى مسألة التعارف والاعتياد تختلف بإختلاف الزمان والمكان فهناك ما يكون متعارفا في زمان ولا يكون متعارفا في زمان اخر , وهناك ما يكون متعارفا في مكان ولا يكون متعارفا في مكان اخر, وهذا يؤدي الى شيء من الصعب الالتزام به , وهو ان يكون شيء واحد مفطرا في زمان او مكان لأنه يعتاد اكله, وليس بمفطر في زمان او مكان اخر لأنه لا يعتاد اكله , فتخصيص المفطرية بالمعتاد قد يؤدي الى لازم من هذا القبيل اي ان المفطر يختلف بأختلاف الاشخاص او الزمان او المكان وهذا من الصعب على الفقيه ان يلتزم به , وهذه مؤيدات لقول المشهور وعدم الاختصاص , وبالرغم من ذلك فأن اهم دليل عند المشهور هو اطلاق الادلة, وكان المقصود من الاطلاق هو اطلاق الاكل والشرب الواردين في الادلة والمجعولين موضوعا للمفطرية , ولكن تقدم ان هذا الدليل تعرض الى ملاحظات منها الانصراف الى خصوص المعتاد وقد اجبنا عنه, لكن الاشكال الثاني وهو ان الاكل والشرب لم يردا في الادلة لكي يمكن التمسك بالإطلاق, وانما الوارد في الادلة هو الطعام والشراب , نعم ورد الاكل في بعض الموارد التي لا يمكن التمسك بأطلاقها لعدم ورودها لبيان المفطرية , وهذا الاشكال على الاطلاق يبدو انه تام, لأنه بمراجعة الروايات المتيسرة لم نجد شيئا من الروايات المعتبرة جعل موضوع المفطرية فيها الاكل والشرب الا في روايات ضعيفة سندا من قبيل رواية علي بن الحسين المرتضى في رسالة ( المحكم والمتشابه ) نقلا من تفسير النعماني .... عن علي عليه السلام قال: وأما حدود الصوم فأربعة حدود: أولها اجتناب الأكل والشرب....)[8]
والرواية الثانية مرفوعة للبرقي في ( الخصال ) (عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه باسناده رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : خمسة أشياء تفطر الصائم الاكل، والشرب......)[9]
فهنا صرح بالأكل والشرب ويمكن التمسك بالإطلاق ولكن الروايات غير تامة سندا , ويبدو ان الاشكال _الى هنا_ وارد على التمسك بالإطلاق بناء على القول المشهور .


[3] مصباح الفقيه ,آقا رضا الهمداني ,ج14 ,ص367.
[5] بناء على ان المراد بالكحل في الرواية الاكتحالُ.
[6] بل هي تصرح بأن المسؤول عنه هو الكحل.
[7] اي لا يلتزم احد بأن اكل الخضروات مثلا غير مفطر.