35/06/09


تحمیل
الموضوع: الصوم :المفطرات : الاستدلال على عدم مفطرية اكل وشرب غير المعتاد
الدليل الاول : التمسك بالروايات الحاصرة وهي عبارة عن صحيحة محمد بن مسلم (قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء[1] (.
وفي بعض الروايات : أربعة خصال ويمكن تخريجها على ان الطعام والشراب قد يعدان واحدا, وقد يعدان اثنين فمن هنا اختلفت الروايات في انها اربع خصال او ثلاث .
والرواية ظاهرة بمقتضى مفهوم الحصر ان غير هذه الامور الاربعة لا تضر الصائم , ومن جملة غير هذه الامور هو اكل التراب (اي اكل وشرب غير المتعارف ) بأعتبار ان اكل التراب مثلا لا يصدق عليه احد هذه العناوين المذكورة في الرواية .
وحينئذ يمكن جعل هذه الرواية مقيدة للأطلاق_ اذا تم _ في الروايات المتقدمة في ادلة القول الاول .
وقد نال هذا الدليل اهتماما كثيرا ولذلك اُجيب عنه بأجوبة متعددة .
الجواب الاول : ما عن العلامة في المختلف[2] وكأنه انكر اصل عدم شمول الطعام لأكل التراب والشراب لشرب مثلا عصارة الاشجار , وبناء على ذلك يدخل حينئذ اكل التراب ونحوه في هذه الخصال التي دلت الرواية على انها تضر الصائم, فيثبت بها قول المشهور حينئذ وتكون دليلا عليه , ثم يقول ان هذا من قبيل رواية أبي بصير( قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الصيام من الطعام والشراب.....)[3] فأن المقصود بالطعام فيها ايضا ما هو اعم من المعتاد وغير المعتاد .
وهذا الجواب فيه ملاحظة جانية وهي ان الرواية الثانية التي ذكرها العلامة وان كان ما نقله موافقا للوسائل بقوله (الصيام من الطعام والشراب ) لكن الصحيح الموجود في التهذيب وهو المصدر الذي نقل عنه صاحب الوسائل هو أبي بصير( قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ليس الصيام من الطعام والشراب، والانسان ينبغي له ان يحفظ لسانه من اللغو الباطل في رمضان وغيره)[4]
حيث ان الموجود في التهذيب (ليس الصيام ...) والمنقول عنه في الوسائل بدون كلمة (ليس)
والملاحظة الاخرى : هو ان اصل دعوى شمول الطعام لأكل التراب وغير المعتاد ليست واضحة , فالظاهر انه لا يشمله , حيث انه لا يقال للتراب انه طعام, ولا يقال لأكل التراب اكل الطعام ولا يقال لعصارة الاشجار انها شراب, ولعله يشهد لذلك رواية مسعدة بن صدقة (عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن عليا عليه السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم ؟ قال : ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام)[5]
فالإمام عليه السلام نفى كون الذباب طعاما وهذا يشهد على ان الطعام لا يشمل غير المعتاد كالتراب والذباب واشباه ذلك, فأن المعتبر في الطعام هو ما يعتاد اكله .
وهكذا صحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر عليه السلام في الصائم يكتحل قال: لا بأس به ليس بطعام ولا شراب)[6]
فأنه نفى عنوان الطعام عن الكحل وهكذا في رواية ابن أبي يعفور( قال : سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الكحل للصائم ؟ فقال : لا بأس به إنه ليس بطعام يؤكل)[7]
ويفهم من هذه الروايات عدم صدق الطعام على ما لا يعتاد اكله خلافا لما يقوله العلامة في المختلف .
الجواب الثاني: ما ذكره السيد الخوئي (قد) (لم يظهر من الصحيحة أن المراد من الطعام والشراب الأعيان
أي الشيء الذي يطعم والشيء الذي يشرب، إذ من الجائز استعمالهما في المعنى المصدري - أي نفس الأكل والشرب - لا الذات الخارجية – أي المطعوم والمشروب - لتدل على الاختصاص. وعليه فتكون حال هذه الصحيحة حال ساير الأدلة المتضمنة للمنع عن الأكل والشرب الشامل لمطلق المأكول والمشروب حسبما عرفت، فإذا كانت الصحيحة محتملة لكل من المعنيين فتصبح مجملة، ومثلها لا يصلح لتقييد المطلقات)[8]
ولكن لا يمكن انكار استعمال الطعام والشراب كثيرا في الاعيان بل هذا الاستعمال هو الشايع وهو الذي يتبادر الى الذهن, وحملُ هذا اللفظ على غير هذا المعنى كحمله على المعنى المصدري يحتاج الى قرينة واما مجرد احتمال ارادة هذا المعنى لا يمنع من الاستدلال بالرواية اذا تمت من الجهات الاخرى.
الجواب الثالث: ما اشار اليه الشيخ صاحب الجواهر[9] وذكره غيره ايضا ومنهم السيد الخوئي وهو الجواب المعروف عند ذكر رواية فيها حصر , عادة يأتي هذا الجواب بأن هذا الحصر اضافي وليس حصرا حقيقيا, وهذا الجواب بشكل عام يحتاج الى قرينة ,ليحمل الكلام على كون الحصر اضافيا لا حقيقيا, اما بدون ابراز القرينة والعناية على كونه اضافيا فمقتضى القاعدة حملة على الحصر الحقيقي , خصوصا اذا كان الحصر قد ذُكر فيه العدد كما هو الحال في هذه الرواية حيث ذكرت (ثلاث خصال) .
السيد الخوئي بيّن هذا الجواب بهذا الشكل (ويندفع بأن الظاهر من الصحيحة أن الحصر لم يرد بلحاظ ما للطعام والشراب من الخصوصية ليدل على الاختصاص بالمتعارف وإنما لوحظ بالقياس إلى سائر الأفعال الخارجية والأمور الصادرة من الصائم من النوم والمشي ونحو ذلك، وإن تلك الأفعال لا تضره ما دام مجتنبا عن هذه الخصال، وأما أن المراد من الطعام والشراب هل هو مطلق المأكول والمشروب، أم خصوص المعتاد منهما ؟ فليست الصحيحة بصدد البيان من هذه الجهة بوجه كي تدل على حصر المفطر في الطعام والشراب العاديين، بل إنما ذكرا في قبال سائر الأفعال كما عرفت)[10]
وهذا المطلب مأخوذ من المحقق الهمداني حيث ذكر في مصباح الفقيه[11] ما يقارب هذا المعنى , ومرادهم ان الحصر في الرواية انما هو بالنسبة الى الاجناس والانواع التي يتوهم كونها من المفطرات وليست ناظرة الى حصر المفطر في افراد كل نوع من هذه الخصال الاربعة التي ذكرت فيها , وحينئذ لا يمكن الاستدلال بها على عدم مفطرية الطعام غير المعتاد , لعدم نظرها الى ذلك , فهي تنظر الى ان الذي يضر بالصوم هو الاكل والشرب في قبال المشي والنوم وامثال ذلك , ويمكن جعلُ شاهد على هذا المطلب هو ان الرواية ذكرت النساء والمقصود به وطء النساء, وبناء على الحصر الحقيقي يكون وطء غير النساء ليس من المفطرات, مع انه من المسلم بكونه من المفطرات, وهذا ما يكون شاهدا على صحة ما ذكروه من كون الحصر اضافيا , ومما يؤيد هذا ايضا ان هناك امور كثيرة ثبت كونها مفطرة , ولكي لا نخالف الحصر _ بناء على كونه حقيقيا _ ولا نلتزم بتخصيص الاكثر , نقول بأن الحصر اضافي وناظر الى الانواع المقابلة للأكل والشرب.


[11] مصباح الفقيه ,آقا رضا الهمداني ,ج14 ,ص366.