38/04/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات المكاسب المحرمة.

وقد أشار إلى هذا المطلب أيضا السيد اليزدي(قده)[1] ، ونصّ عبارته: ( مسألة1: لا يكفي في تفريغ ذمة الميت اتيان العمل واهداء ثوابه بل لابد من النيابة عنه بجعل نفسه نازلاً منزلته أو يقصد اتيان ما عليه له ولو لم ينزل نفسه منزلته نظير أداء دين الغير فالمتبرع بتفريغ ذمة الميت له أن ينزل نفه منزلته وله أن يتبرع بأداء دينه من غير تنزيل .... ) [2] ، والمطلب واضح وقد قلت إن هذه فائدة جانبية وإن كانت ليست بمهمة.

المطلب الثاني: ذكرنا فيما سبق أن الشيخ الأعظم(قده) حلّ ودفع مشكلة في باب العبادات الاستيجارية التوفيق بين قصد الأجرة وقصد القربة ، فهو لم يقبل فكرة الداعي إلى الداعي بل حلّ ذلك ودفعه بما أشرنا إليه ، والذي نريد أن نقوله الآن: هو أنَّ العبارة التي ذكرها في كلماته سواء كانت في المكاسب أو غيرها ربما تُفسَّر ويحتمل فيها عدّة احتمالات وما ذكرناه هو أحد تلك الاحتمالات ، ولا بأس بالاطلاع على هذه الاحتمالات في مقصوده ، وهي أربعة:

الاحتمال الأوّل: وهو ما أشرنا إليه ، وهو أنه يوجد شيئان تنزيل أوّلاً يعني ينزل نفسه منزلة الغير والثاني هو العمل الخارجي ، والأجرة تقع قابل التنزيل وهو ليس بعباديٍّ ، والثاني أي ذات العمل هو الذي تشترط فيه القربة والمفروض أنَّ القربة لا تقابله ، فانحلّت المشكلة بهذا الشكل.

وقد أشكلنا على هذا التفسير بثلاثة إشكالات وأنا عندي اضافة لا بأس بها ولا أريد تكرار المطلب وذكرنا في الاشكال الأوّل أنَّ ما ذكره مجرّد اقتراح وإلا فالواقع ليس كذلك وأنه يوجد شيئان فأي شخص وأي أجير وأي مستأجر يتصوّر هذين ؟! وقلنا لو كان الأمر كما ذكر وأنه أنا أعطيك الأجرة مقابل التنزيل وليس في مقابل العمل فيلزم أنه لو نزّل الأجير نفسه منزلة المنوب عنه كفى ذلك لاستحقاق الأجرة ، لأنَّ الأجرة جعلتها أنت مقابل التنزيل من دون الاتيان بالعمل.

إن قلت: إنَّ ما ذكرته وجيه لو كانت الأجرة مقابل التنزيل الكلّي غير المقيّد ، بيد أنَّ المفروض هو أنَّ التنزيل تنزيل مشروط مقيّد ، أي تنزيل في الصلاة عنه ، فلابد وأن ينزّل النائب أو الأجير نفسه منزلة المستأجر عنه في الصلاة ، فإذن قيد ( في الصلاة ) مأخوذ ، فالأجرة مقابل التنزيل في الصلاة لا مقابل التنزيل المطلق ، فإذن لا يشكل علينا أنه إذا كانت الأجرة مقابل التنزيل يلزم أنه لو نزّل المستأجر نفسه في قلبه مرّة أو مرتان فسوف يكفي ذلك لاستحقاق الأجرة ، كلا لا يرد هذا الاشكال لأنَّ التنزيل هو بلحاظ الصلاة ، فلابد من فرض الصلاة إذ التنزيل يحتاج إلى ما بلحاظه التنزيل ، أي يحتاج إلى منزِّل وهو الأجير ومنزَّل عنه وهو المنوب عنه وأيضاً يحتاج إلى ما بلحاظه التنزيل والذي بلحاظه التنزيل هو الصلاة ، فلابد من فرض الصلاة ، ولا يمكن أن نفترض تنزيلاً بلا صلاة ، فعلى هذا الأساس سوف لا يوجّه هذا الاشكال إلى الشيخ الأعظم(قده).

قلت: صحيح أنَّ التنزيل يحتاج إلى ما بلحاظه التنزيل وهو في مقامنا الصلاة فيحتاج إلى الصلاة ، ولكن نقول هو يحتاج إلى ذلك على مستوى الاعتبار والتصوّر وليس على مستوى الخارج ، يعني لابد وأن يكون التنزيل بلحاظ الصلاة ، فحين التنزيل يتصوّر من يقوم بالتنزيل ثلاثة أشياء منزَّل وهو نفس الأجير ومنزَّل عليه وهو المستأجر عنه وما بلحاظه التنزيل وهو الصلاة ، فهذه على مستوى التصوّر وحينئذٍ تتم عملية التنزيل ، ولا تتوقف عملية التنزيل على وجود ما بلحاظه التنزيل وهو الصلاة خارجاً ، وإنما الصلاة خارجاً تحصل بعد ذلك ، فعلى هذا الأساس لا تتوقف عملية التنزيل على تحقّق الصلاة خارجاً وإنما تتوقّف على أن يتصوّر الأجير هذه الأطراف الثلاثة فينزّل نفسه فيقول نزّلت نفسي منزلة المستأجر عنه بلحاظ الصلاة ، فهو حينما يتصوّر هذا وتجري عملية الاعتبار والتنزيل هذه حصل التنزيل ، أما الصلاة الخارجية فهي تحصل بعد ذلك لا أنَّ التنزيل يتوقّف عليها ، فإذن لا تشكل بهذا الاشكال دفاعاً عن الشيخ الأعظم(قده).

هذا اكمالٌ للاحتمال الأوّل.

الاحتمال الثاني: أن يقال: إنَّ الصلاة القربية عن الغير تشتمل على قيدين قيد الصلاة عن قربة وقيد كونها عن الغير ، والأجرة مقابل القيد الثاني يعني كونها عن الغير وهو ليس عبادياً ، والقربة معتبرة في القيد الأوّل الذي هو عبادي ، فكونها قربية هو العبادي والأجرة ليست عليه ، فلا مشكلة.

وقد تسأل عن الفارق بين هذا الاجتمال وبين الاحتمال السابق: إنَّ الفارق هو أنه في الاحتمال السابق كان يفترض وجود عملية تنزيل ، أما هذا الاحتمال فلا يفترض عملية تنزيل وإنما يفترض أني أتي بها عن الغير فالتنزيل ليس موجوداً هنا كما يفترضه الاحتمال السابق.

هكذا قد يفسّر ما أفاده الشيخ الأعظم(قده).

وإذا كان هذا هو المقصود فيرد عليه: إنه بالنسبة إلى القيد الأوّل يعني كونها قربية فنسأل هذا النائب أو الأجير ونقول له أنك لم تأخذ الأجرة عن قصد القربة وإنما تأخذها عن القيد الثاني ولكن نسألك ونقول: لماذا قصدت القربة فهل قصدت القربة إلى الله تعالى من دون قصد الأجرة فإذا كنت كذلك فهذه الأجرة سوف نأخذها منك لأنك أتيت بالعمل قربة إلى الله تعالى وليس ناظراً إلى الأجرة ، أو أنك تترك الصلاة لو اخذنا منك الأجرة ؟ إنه يترك الصلاة ، فيتبيّن أنه قصد القربة لأجل الأجرة ، فصارت الأجرة هي الداعي إلى الداعي ، فإذن هذه فكرة الداعي إلى الداعي ، فهو يفرّ من فكرة الداعي إلى الداعي ويرفضها حيث يقول إنَّ الداعي الحقيقي ليس هو القربة وإنما هو الأجرة ، فإذا كان كذلك فهناك سوف يواجه فكرة الداعي إلى الداعي شاء أم أبى وهو يرفضها حسب ما تقدّم.

فإذن هذا التفسير لا ينفع شيئاً إذ يرد عليه ما أشرنا إليه.

الاحتمال الثالث: أن يقال: إنَّ الصلاة عن الغير مع القربة هي ذات وجود واحد ولكن هذا الوجود الواحد إذا نظرنا إليه من حيث ذاته نجده صلاةً وعبادةً عن قربة وبنظرٍ آخر هو عن الغير ، فهو في ذاته صلاة عبادة وبلحاظٍ آخر هو عن الغير ولكن الوجود واحد ، والأجرة تكون مقابل اللحاظ والاعتبار الثاني دون اللحاظ الأوّل الذي هو كونها صلاة وعبادة في ذاتها ، فالأجرة ليست على الأوّل وإنما على الثاني.

ويردّه ما أوردناه على ما سبق: وهو أنه إذا كان بلحاظ ذاته هو صلاة عن قربة فنسأل هل هذه قربة صادقة خالصة ؟ فإذا كانت صادقة فحينئذٍ يلزم عدم مدخلية الأجرة ، فحتى لو أخذت الأجرة من الأجير يلزم أن تكون القربة موجودة ، والحال أنَّ الواقع الخارجي ليس كذلك ، فإنه لو أخذت الأجرة من الأجير فهو لا يؤدّي الصلاة عن قربة ، فإذن بالتالي جيء بالصلاة عن قربةٍ لأجل أنه توجد أجرة على النيابة عن الغير ، أي على اللحاظ الثاني ، فاللحاظ الثاني صار داعياً إلى الاتيان باللحاظ الأوّل ، يعني أنَّ الداعي للإتيان بالصلاة عن قربة هو اللحاظ الثاني أي ثبوت الأجرة على كون العمل عن الغير ، فبالتالي صار للأجرة مدخلية في نهاية الخطّ وهذا هو عين فكرة الداعي إلى الداعي.


[1] العروة الوثقى، المسالة الأولى من صلاة الايجار.