38/04/10


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 28 ) الاجارة على الواجبات - المكاسب المحرمة.

ويردّه:

أوّلاً:هو ذكر أنَّ منشأ الاشكال أو بالأحرى المنشأ الذي جعلهم يبتكرون فكرة الداعي الى الداعي هو تصوّرهم أنَّ العبادية تنحصر بقصد الامتثال والحال أن العبادية تتحقق بالاتيان بالعمل ولو لطلب الثواب أو لدفع العقاب ، فالعبادية أوسع وأوسع ، ونحن نقول: إنَّ هذا ليس هو منشأ الاشكال أو منشأ ابتكار فكرة الداعي إلى الداعي ، بل من أتى بالعمل لدفع القعاب أو لحصول الثواب يكتفى بعمله هذا ويعدَّ نحواً من العبادة ولا أحتمل أنَّ فقهياً يتوقّف من هذه الناحية ، فإذا كنّا نصلّي طلباً للجنان أو خوفاً من النار كفى ذلك وهذا واضح.

فالمشكلة ليست هنا وإنما المشكلة أعظم وهي أنه كيف نصحّح العبادات الاستيجارية ؟ فنحن نعطي أجرةً للصلاة عن الأموات ، فهذه الصلاة هل تقول بمشروعيتها أو لا ؟ وقد قلنا إنه لا توجد عندنا رواية تقول ادفع الأجرة ، نعم توجد عندنا رواية يسأل فيها السائل الامام عليه السلام فيقول أنا أصلّي عن والدي ووالدتي فهل ينتفعون بذلك فيقول له الامام عليه السلام: نعم ، من هنا قال الفقهاء إذا كان الميت ينتفع فعلى هذا الأساس لتفريغ ذمتهم يمكنك أن تصلّي عنهم أو تدفع أجرةً تمسكاً بأدلة صحة الاجارة في كلّ شيء ينتفع به وهذا شيءٌ ينتفع به وهو عقلائي فيشمله دليل صحّة الاجارة ، هذا هو دليل الفقهاء.

إنما المشكلة التي واجهتهم هي أنه كيف نوفّق بين الاتيان بالصلاة بداعي الاجارة وبداعي القربة فإنَّ بينهما تنافياً ، والشيخ الأعظم(قده) في المكاسب - وحاشية الميرزا على الايرواني هي تعليقٌ على المكاسب - بيّن هذا الاشكال في بحث الاجارة على الواجبات ، فهو تعرض إلى أنَّ داعي الاجارة يتنافى مع داعي القربة ، فيا ميرزا علي الايرواني تعال وحلّ هذه المشكلة.

فإذن يوجد إشكالان على الميرزا علي الايرواني في هذا الاشكال الأوّل ، الأول: إنه قال هم تصوّروا أن العبادية لا تتحقق إلا بقصد الامتثال ، ونحن نقول: كلا ، بل هي تتحقق أيضاً بأن يؤتى بالعمل بداعي الثواب أو بداعي دفع العقاب ، ونحن نقول له إنَّ المشكلة ليست هذه وإنما هي ما أشرنا إليه من أنه في العبادات الاستيجارية أنت كفقيهٍ حتماً تلتزم بصحّتها فكيف تدفع التنافي بين داعي الاجارة وداعي القربة حينما يقول الأجير الله أكبر ويبدأ بالصلاة ، فهذه نقطة تسجل عليه.

والنقطة الثانية التي تسجّل عليه هي أنك لم تحلّ المشكلة الأساسية وهي أنه بالتالي مشكلة العبادات الاستيجارية لم تعالجها ، فعليك أن تعالجها وهو أنه كيف توفّق بين داعي القربة وداعي الاجارة ، ولا بأس بمراجعة عبارته فهو قد ذهب إلى هذا ولم يأت بالعبادات الاستيجارية وكأنه لا يوجد فيها إشكال.

ثانياً: إنه يلوح من كلامه أنَّ من أتى بصلاة جعفر من باب الرزق فهذا وحده ولو مع حذف أيّ داعٍ آخر - أي لا بداعي الامتثال ولا بداعي المحبوبية ولا بداعي الترجيح الإلهي ولا بداعي الحثّ الإلهي - بل هو أتى بالصلاة لأنَّ الله تعالى قال هي تنفع للروق فأتى بها للرزق هو هذا عبادة.

إنَّ هذا شيء مشكل بل هو بالتالي رأي الشيخ النراقي(قده) حيث نقلنا عنه أنه قال لا نحتاج إلى قربة في كلّ صلاة ، فهنا أيضاً يلتزم بأن القربة في هذه الصلاة ليست مطلوبة ، فإنَّ هذا هو التزام بهذا وإلا من دون قربة بأدنى مراتبها يشكل الالتزام بصحّة الصلاة ووقوعها صحيحة.

ولكن الشيء الذي أقوله هو أنه عادةً نأتي بها يعني أنا لو راجعت قلبي وأردت أن أتي بصلاة جعفر لقضاء الحوائج فالموجود فيه هو هذا وإن لم أشعر به تفصيلاً وهو أنَّ هذا شيء محبّب في الاسلام ولله عزّ جلّ أن نأتي بها للرزق ، فإذن كونه محبّب ومحبوب هذا مقصودٌ بالتالي في أعماق القلب ، فحينئذٍ تحققت العبادية لأجل وجود قصد المحبوبية والحثّ على ذلك ، فالإمام الصادق عليه السلام حينما يبيّن ذلك - يعني حينما اذهبوا وافعلوا هذا - فهذا يعني أنَّ هذا شيء محبّب في الاسلام ، فهذا هو الذي يجعل هذا العمل عبادةً لا أننا نكتفي - كما يلوح من كلامه - أنه إذا أتيت بها بنيّة الرزق وحده من دون أيّ شيءٍ فهذا يكفي لوقوعه عبادة ، كلا بل هذا الشيء مشكل والعباديّة لابدّ وأن تحتاج إلى شيء.

وأنبّه على شيء آخر:- وهو أنه يا حاج ميرزا علي الايرواني نحن ليس كلامنا في معنى العبادة لغةً حتى تقول إنَّ العبادة هي الانصياع لكلّ ناعق فإنَّ هذا تفسير لغوي ، بل نزاعنا ليس في أنّ العبادة لغة ماهي وإنما نحن نريد العبادة الشرعية والعبادة الشرعية هي ما أُتِيَ بها بداعٍ محبوب ، فأنت ذهبت إلى اللغة واللغة لا شغل لنا بها وإنما كلامنا في العبادة الشرعية والعبادة الشرعية يلزم أن يؤتى بها بداعٍ محبوب للشارع ولو كان ذلك الداعي المحبوب له هو أن أحصل على الجنّة.

فإذن لابد وأن يوجد داعٍ من الدواعي ، وليس كلامنا في المعنى اللغوي ، فهو لم يقل هذا لغةً ولكن بالتالي حينما فسّره بهذا التفسير فهذا تفسيرٌ لغوي وليس شرعياً والتفسير اللغوي لا ينفعنا ، والمهم ما نريده من العبادة شرعاً فإنَّ هذا لابدّ وأن تحققه لنا ، فأنت ترفع يدك عن مسألة الداعوية بجميع أشكالها وتكتفي بالمتابعة وإن لم يكن هناك داعٍ محبوب بنحوٍ من الأنحاء فهذا ليس عبادة بالمعنى الشرعي.

وفي نهاية كلامي معه أقول:- هناك قضية غفل عنها الأعلام بما فيهم الحاج ميرزا علي الايرواني وهي الحج الاستيجاري ، فهو موجودٌ فماذا تفعلون له ؟ فكيف نصحّح الحج الاستيجاري

ولو قلت:- إنه جاءت رواية أو روايات.

فأقول:- هذا مقبول ولكن الاشكال الثبوتي كيف تحلّه ، فهذا الأجير كيف يأتي بالعمل ؟

ولو قلت:- لماذا أحلّه فأنَّ الله تعالى قد جوّزه فلا حاجة إلى الحلّ .

قلت:- أني سوف استفيد من الحلّ في موارد أخرى ، فهو يحلّ لنا مشكلات وأنا لست من الذين بعدما دلّ الدليل أذهب وأفحص من هنا وهناك ، كلا فإنَّ هذا لا أريده ، ولكن في موردٍ من الفحص نستفيد في مجالات أخرى فصحيح أنَّ هذا دلت الروايات عليه ، فكيف تحلّ مشكلة التنافي بين قصد الأجرة وقصد التقرّب ، وقلت هذه القضية لم يتعرض لها الميرزا علي الايرواني(قده) ولا الشيخ الأنصاري(قده) فأنا فلم أجدها في كلمات أحدٍ فكيف تحلّ هذه المشكلة ؟

إنه لا يوجد عندك مفرٌّ إلا أن تقول بمسألة الداعي إلى الداعي ، فإذا اكتفيتَ أنت بأنَّ الدليل قد دلّ هنا لكن القضية تسجّل على جميع الأعلام ، وهذه تعطي قوّة لك فالحج الاستيجاري يدعم فكرة الداعي إلى الداعي - يعني أن تقول بها ونكتفي بهذا المقدار - فأنا أتي بالعمل بداعي امتثال أمر الله تعالى ، نعم الذي دعاني إلى ذلك هو الأجرة أن أقصد هذا المجموع المركّب ، فلابد وأن تلتزم بهذا وإلا فهذا شكال ثبوتي سوف يتوجّه ، فإذا حللناه في الحجّ فسوف يصير لنا حلاً في بقيّة الموارد ونلتزم به حينئذٍ ، والحال أنَّ الحاج ميرزا علي الايراني أصلاً ليس قريباً من عالم الحج الاستيجاري والحال أنه حلال المشكلات.

وجهٌ آخر لبطلان الاجارة على العبادات الاستيجارية:-

هناك إشكالان في العبادات الاستيجارية:-

الاشكال الأوّل:- ما تعرّض إليه الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب ، وهو ما أشرنا إليه فيما سبق ، وهو أنَّ قصد الأجرة - أو الوفاء بالاجارة - مع قصد القربة والامتثال لا يلتئمان ، هذا هو الاشكال الذي بيّناه وبسببه صرنا إلى فكرة الداعي إلى الداعي.

وهناك اشكال آخر:- وهو أنَّه كيف نصحح العبادة الاستيجارية ؟

والجواب:- نحن نصحّحها - كما سوف يأتي – بمقدّمتين:-

المقدمة الأولى:- هناك روايات تدل على أنَّ الحيّ إذا فعل فعلاً للميت من صلاةٍ أو وصوم فسوف ينتفع الميت بذلك وسوف تأتينا الروايات بذلك.

المقدمة الثانية:- إذا كان الميت ينتفع بهذا العمل فيمكن أن استأجر شخصاً للإتيان بالصوم أو الصلاة عن والدي تمسّكاً بدليل صحّة الاجارة.

وأذكر لك فائدة:- وهي أنَّ دليل صحة الاجارة - وقد بيّنت هذا بمناسبةٍ فيما سبق - أنه لا يوجد عندنا دليل كافٍ شافٍ فيه عموم أنَّ كلّ إجارة صحيحة ، نعم توجد سيرة عقلائية أو متشرعية على الاجارة ولكن نحن نحتاج إلى شيءٍ وسيع بحيث نتمسّك به في كلّ موردٍ نشك في صحّة الاجارة ، أو مثلاً روايات واردة في الاجارة مثل صحيحة أبي ولاد التي نقلها الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب والتي تقول:- ( اكتريت بغلاً.. ) والامام عليه السلام سكت فهذا يعني أنَّ الاجارة صحيحة ولكن هذا ليس فيه إطلاق ونحن نريد اطلاقاً ، فأحسن ما يمكن التمسّك به هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، وحينئذٍ نقول: بعدما كان الميت ينتفع بهذا العمل لا بأس بأن أستأجر شخصاً للصلاة عن والدي والذي يثبت صحّة هذه الاجارة هو دليل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، هذه هي المحاولة لإثبات صحّة العبادات الاستيجارية ، حينئذٍ يأتي إشكال وحاصله: هو أنَّ أمر الصلاة أمر عبادي بينما أمر الوفاء بالاجارة الذي هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أمر توصلّي ، فاجتمع أمران في موردٍ واحدٍ وهذا مستحيل.

ولو قلت:- يوجد اندكاك وبالتالي يصير تأكّد.

أجبت:- إنَّ هذا يتم إذا كانا معاً عباديين أو إذا كان معاً توصّليين لا ما إذا كان أحدهما عبادياً والآخر توصلياً فلا يمكن الاندكاك هنا لأنه يوجد بينهما تغاير.

فإذن بالتالي لا يمكن وجود ذهين الأمرين معاً إلا أن نرفع اليد عن ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ، وإذا رفعنا اليد عنه لا يوجد مثبت للصحّة ، هذا إشكال علمي فكيف حلّه ؟