34/07/22


تحمیل
 
 كان الكلام في جواز الشهادة المستندة الى الاستفاضة او الشياع في بعض الموارد أستثناءاً من القاعدة التي أسست على ضوء الادلة وهي أشتراط العلم الحسي في قبول الشهادة ونفوذها ، على اختلاف من قبل الفقهاء في تحديدهم لهذه الموارد كما ذكرنا، وتقدم ان هناك امران لاينبغي الخلط بينهما ، احدهما موقف المكلف تجاه القضية التي قام عليها الشياع ، والثاني هو جواز وحجية الشهادة المستندة الى الشياع او الاستفاضة في بعض الموارد كالانساب (إذ هو القدر المتيقن من قبول الشهادة المستندة الى الشياع ) ، وهذا هو محل الكلام .
 وقد تقدم ان قلنا : انه لاضير في حجية الشياع في اثبات ما يتعلق به ، اذا افاد الاطمئنان لان الاطمئنان مما قامت السيرة العقلائية على اعتباره والاعتماد عليه ، بحيث يمكن للانسان ترتيب اثار الثبوت الواقعي للشيء فيما اذا افاده الشياع اطمئناناً ، وقلنا انه لافرق هنا بين الموارد التي ذكروها وبين غيرها ، ففي كل شيء قامت عليه الحجة يجب على المكلف ترتيب اثار الثبوت الواقعي عليه ، نعم يحتمل ان للنسب خصوصية في هذه المسألة ، وهو ان المستفاد من الادلة فيه حجية الشياع مطلقاً وان لم يفد الاطمئنان ، ولاتنخرم القاعدة اعلاه بهذا ، لان الشياع اذا افاد الظن لادليل على حجيته ، ولكن يدّعى ان الشياع غير المفيد للاطمئنان حجة في خصوص النسب .
 هذا كله في الامر الاول .
 وأما بالنسبة الى الامر الثاني وهو محل الكلام ، فقد تقدم ايضاً انه لادليل على جواز ونفوذ الشهادة غير المستندة الى العلم الحسي بمقتضى الادلة التي استدل بها على اعتبار العلم الحسي في نفوذ الشهادة ، والشهادة المستندة الى الاستفاضة ليس فيها علم حسي فكيف يمكن الالتزام بنفوذها .
 اذاً مقتضى القاعدة عدم نفوذ الشهادة المستندة الى الشياع وان افادت الاطمئنان .
 نعم ، ادعي وجود ادلة تدل على نفوذ الشهادة المستندة الى الشياع في جميع الموارد او في بعضها على اختلاف الادلة ، فلابد من استعراض هذه الادلة لنرى هل بالامكان الاعتماد عليها في القول بنفوذ الشهادة المستندة الى الشياع او لا؟
 الدليل الاول : هو ان يقال بنفوذ الشهادة المستندة الى الشياع او الاستفاضة اذا افاد الاطمئنان قياساً لها بالشهادة المستندة الى التواتر التي تقدم نفوذها ، إذ ان كلٍ منهما شهادة غير محسوسة ، وانما هما عبارة عن شهادة بشيء استناداً الى اخبار جماعة ، وغاية الفرق بينهما انه في باب التواتر ان من يستند الى اخباره في الشهادة جماعة كثيرة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وأما في باب الاستفاضة او الشياع فالعدد أقل مما في التواتر ولكن قولهم يفيد العلم العادي ، فكما ان الشهادة المستندة الى التواتر الحقت بالشهادة الحسية وقلنا بنفوذها وحجيتها في باب القضاء فكذلك الشهادة المستندة الى الاستفاضة او الشياع المفيد للاطمئنان ايضاً تكون ملحقة بالشهادة الحسية وتكون نافذة .
 هذا هو الدليل الاول .
 ولكن هذا الدليل بحاجة الى شيء ، وهو ان نرى الوجه الذي بموجبه الحقنا الشهادة المستندة الى التواتر بالشهادة الحسية ، فإن وجد في الشهادة المستندة الى الشياع او الاستفاضة المفيد للعلم العادي فلا مانع من ألحاق هذه الشهادة بالشهادة الحسية في النفوذ والقبول وألا فلا يمكن الالحاق.
 والوجه الذي بموجبه الحقت الشهادة المستندة الى التواتر بالشهادة الحسية هو قوة الملازمة بين التواتر وبين ثبوت الواقعة بحيث لاينفك أحدهما عن الاخر ، بل قلنا ان التواتر هو من نتائج حصول الواقعة ، فإن الواقعة عندما تكون متحققة يحصل التواتر ، فهذه الملازمة هي التي سمحت لنا بالقول ان الذي يدرك التواتر حساً يقال عرفاً انه يدرك ما يلازمه ولاينفك عنه حساً ايضاً ، هذا هو الاساس في الحاق الشهادة المستندة الى التواتر بالشهادة الحسية في القبول .
 هذا ولكن في محل الكلام الملازمة أضعف والتفكيك ممكن ، بل إفادتْ الاستفاضة والشياع للاطمئنان ليس دائماً ولذا حينما يذكرون الشياع في كلماتهم يقيدوه بإفادته للأطمئنان ، وهذا يعني انه قد يفيد وقد لايفيد ، فالملازمة بين الشياع ـــــــ ـوان افاد الاطمئنان ـــــــــ وبين ثبوت الواقعة ليست بتلك المثابة الموجودة في التواتر بحيث يسمح لنا القول بان من احس بالاستفاضة او الشياع يقال له عرفاً انه احس بالواقعة حتى تلحق شهادته بالشهادة الحسية في القبول .
 والحاصل ان الوجه الذي بموجبه الحقت الشهادة المستندة الى التواتر بالشهادة الحسية غير موجود بشكل واضح في الشياع او الاستفاضة ، وبالتالي يصعب الحاق الشهادة المستندة الى الشياع المفيد للاطمئنان بالشهادة الحسية .
 الدليل الثاني : ــــــــ وقد ذكر في كلمات الفقهاء ومنهم السيد الماتن (قده) ــــــــ وهو التمسك بمرسلة يونس بن عبد الرحمن المروية في الباب 22 من ابواب كيفية الحكم ((محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن البينة إذا أقيمت على الحق ، أيحل للقاضي أن يقضي بقول البينة ( إذا لم يعرفهم من غير مسألة ) ؟ فقال : خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحكم : الولايات ، والتناكح ، والمواريث والذبائح ، والشهادات ، فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه ))، ورواها كل من الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب .
 وهذه الرواية ذكرها الفقهاء في مقام الاستدلال على نفوذ الشهادة المستندة الى الاستفاضة والشياع في الانساب ومنهم السيد الماتن حيث ذكرها في مقام التأييد ولعله لضعف السند بالارسال .
 وأقول : الاستدلال بهذه الرواية في محل الكلام غير واضح إطلاقاً بقطع النظر عن الضعف السندي للرواية .
 اولاً: ان مفردة الانساب ليست موجودة لا في نقل الكليني ولا في نقل الشيخ ، حتى يظهر منها ان الشهادة في الانساب لايشترط ان تكون عن حس بل يكفي فيها الاستناد الى ظاهر الحال المستفاد من الشياع او الاستفاضة ، نعم هي موجودة في نقل الصدوق ، إذ انه ابدل المواريث المذكورة في نقل الكليني والشيخ بالانساب .
 وثانياً: ـــــــ وهو المهم ـــــــ ان الرواية اجنبية عن محل الكلام ، فهي بحسب صدرها وذيلها الظاهر انها ناظرة الى مسألة قبول وعدم قبول شهادة الشاهد من جهة شخص الشاهد وانه لادليل على عدالته وانما الموجود هو ظاهر الحال اذا كان ظاهره مأموناً وعدم وجوب التفتيش والفحص عن باطنه ، وهو المعبر عنه في كلمات البعض بأصالة العدالة ( اذا كان الظاهر من الشخص الصلاح فهو كافٍ في قبول شهادته وثبوت عدالته ما لم يثبت فسقه ) والامام (ع) يقول يكفي في جواز شهادته ظاهر حاله اذا كان مأموناً .
 وأين هذا من محل الكلام ، إذ كلامنا في ان الشهادة المستندة الى الشياع او الاستفاضة هل هي نافذة قضائياً او لا ؟ وماهو مورد الرواية ليس فيه دلالة على جواز ونفوذ شهادة الشاهد المستندة الى الشياع ، بل لو فرضنا عدم القول بذلك وفرضنا ان العلم الحسي فقط هو المجوز للشهادة ايضاً تأتي هذه المسألة أي ان الذي يشهد بعلم حسي هل يكفي فيه ظاهر الحال او لايكفي ؟
 والحاصل ، جواز الشهادة المستندة الى الشياع مسألة وجواز الشهادة بلحاظ الشهاد نفسه وانه ليس عند الحاكم الا ظاهر حاله مسألة اخرى .
 ويؤيد هذا الفهم بالنسبة لهذه الرواية ان صاحب الوسائل عندما ذكر هذه الرواية في الباب 41 من ابواب الشهادات في ذيل الحديث الرابع علق عليها بقوله ( قد عمل الشيخ وجماعة بظاهره وظاهر امثاله وحكموا بعدم وجوب التفتيش ) وفي ذيل العبارة يذكر انهم عملوا بأصالة العدالة ، ومن الواضح بأنه فهم من الرواية انها ناظرة الى مسألة اصالة العدالة وعدم وجوب التفتيش عن الشاهد عندما لايكون معه الا ظاهر الحال .
 وعليه ، فالرواية من الصعب جداً الاستدلال بها في المقام ، بل من الصعب جداً جعلها مؤيدة بغض النظر عن سندها .
 الدليل الثالث : ــــــــ وقد ذكره السيد الماتن أيضاً ـــــــ هو الاستدلال بالسيرة المنعقدة على قبول الشهادة المستندة الى الاستفاضة او الشياع في باب النسب .
 وفي الحقيقة يمكن توضيح هذه السيرة بهذا الشكل ـــــــكما هو(قده) وضحها ايضاً ـــــــ انه لاينبغي الشك في ان الشهادة بالانساب متحققة في الخارج بين المتشرعة كسائر الامور الاخرى ، وهذه الشهادة في باب الانساب المتحققة خارجاً جرت السيرة على قبولها .
 وعليه ، فلابد من القول بقبول الشهادة المستندة الى الشياع في الانساب ، لان الشهادة بالانساب لايمكن ان تكون محسوسة ، باعتبار ان الشاهد ليس حاضراً مجلس الولادة حتى يحس بالنسب ، وانما ينقل النسب عن النساء والرجال الذين يقولون ان فلان ولد لفلان وحينئذٍ هو يشهد بالنسب ،وبهذ يثبت ان هناك سيرة من قبل المتشرعة على قبول الشهادة بالانساب المستندة الى الاستفاضة ونفوذها ، حالها في ذلك حال الشهادة بالملك وغيره غاية الفرق ان الشهادة بالملك يمكن ان تكون محسوسة والشهادة في باب الانساب يتعين ان تكون مستندة الى الاستفاضة والشياع ، وهذه السيرة تكون كاشفة بالطرق المعروفة عن رأي الشارع فتكون حجة ومعتبرة .
 هذا حاصل الدليل الثالث .
 والسيد الماتن صرح باختصاص هذا الدليل بالانساب ، ولذا افتى بقبول هذه الشهادة فقط في باب الانساب معتمداً على هذا الدليل واما الدليل الاول الذي ذكره وهو المرسلة فهي ضعيفة سنداً .
 ولكن قد يقال : لماذا يختص هذا الدليل في باب الانساب ؟ أذ تمام الملاك في تمامية هذا الدليل في الانساب هو ان الشهادة الحسية في باب الانساب امر متعذر او متعسر ، وهذا لايوجب الاختصاص بالانساب ، إذ يمكن افتراض كون الشهادة الحسية في مورد اخر تكون متعذرة او متعسرة وتوجد سيرة قائمة في مثله على الاخذ بالشهادة كما ذكرت الرواية ذلك في الذبائح ، فلابد ان تكون هذه الشهادة مستندة الى الشياع .
 وعلى كل حال امكن التعميم او لم يمكن ، تمامية الدليل تتوقف ـــــ كما هو واضح ـــــــ على اثبات انعقاد سيرة من قبل المتشرعة على قبول هذه الشهادة المستندة الى الاستفاضة قضائياً ، لان هذا هو محل كلامنا ، بحيث تكون هذه السيرة مانعة من صلاحية الادلة المتقدمة في اشتراط قبول الشهادة بالعلم الحسي للردع عنها ، والا لو كانت صالحة للردع عنها لما جرت السيرة على نفوذ هذه الشهادة عندهم وهم متشرعة متقيدون بالشريعة .
 ولكن انعقاد سيرة للمتشرعة بهذا المقدار ليس واضحاً ، بمعنى ان المتشرعة الذين يرتدعون بردع الائمة (ع) هم الشيعة الملتزمين بروايات الأئمة (ع) ومن الواضح عدم وجود سيرة عند الشيعة على قبول الشهادة المستندة الى الشياع في باب الانساب ، لان الذي يقبل الشهادة او لايقبلها هو القاضي والحاكم والا فالانسان العادي ليس له علاقة في باب القضاء بقبول هذه الشهادة او عدم قبولها ، والقضاة نوعاً في زمن النص الى زماننا هذا هم ممن لايرتدعون بردع الائمة (ع) .
 وعليه ، فأنعقاد السيرة بهذا الشكل بحيث يستكشف منه الدليل الشرعي غير المردوع عنه صعب جداً في محل الكلام إذ الروايات التي دلت على اعتبار العلم الحسي في قبول الشهادة رادعة عن مثل هذه السيرة لو سلم وجودها .