34/07/11


تحمیل
 
 كان الكلام في الشهادة المستندة الى الاستصحاب وذكرنا بعض الروايات التي قد يستدل بها على ذلك ومنها رواية معاوية بن وهب ، وقد قلنا بتماميتها سنداً ، ولكن هناك اشكال في دلالتها
 وحاصله: ان الرواية تفترض وجود تداعي بين الرجل المصرح به في الرواية وبين العبد او الامة ،وهذا التداعي بهذا النحو لاينسجم مع ظهور الرواية الا اذا كان المقصود به هو التداعي والنزاع في الملكية السابقة ،لان الرجل يدّعي ملكية العبد او الأمة والعبد ينكر ذلك ، وحينئذٍ من المعقول جداً الاخذ بظاهر الرواية في توجيه طلب البينة من الرجل ، وبناءً على هذا يكون مورد الرواية التداعي على الملكية السابقة والشهادة المطلوبة من القاضي عليها ، ولكنّها شهادةٌ ليس مستندة الى الاستصحاب ، بل مستندة الى الحس ونحوه ، وعليه فالرواية ليست فيها دلالة على قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب .
 هذا خلاصة الاشكال على الرواية .
 ولكن قد يقال : بعدم توجه هذا الاشكال على الرواية ، باعتبار ان موردها ليس باب التداعي والخصومة ، حتى نحتاج الى افتراض طرف للخصومة ، وانه العبد او الامة، وانما موردها عبد آبق من مولاه وجيء به الى القاضي كما في رواية اخرى ، والقاضي ليس مستعداً لتسليم العبد الى كل من يدعي انه ملكه ، بل يريد التأكد من ذلك ، فطلب من الرجل الذي يدعي الملكية الشهود، وحدد كيفية الشهادة بان هذا العبد ملك للرجل ولم يبع ولم يهب ، ومن الواضح ان القاضي يريد شهود يشهدون بالملكية الفعلية ، لاجل تسليم العبد الى هذا المدعي ، ولايكتفي بشهادة الشهود على الملكية السابقة ، ولذا قيد الشهادة بانه لم يبع ولم يهب ، ومن الواضح ان شهادة الشهود اللذين ليس لهم اطلاع على الملكية السابقة ، شهادتهم بالملكية الفعلية لا تكون مستندة الا الى الاستصحاب .
 والنتيجة ان الشهادة التي يطلبها القاضي شهادة بالملكية الفعلية ، والشهادة بالملكية الفعلية من شهود يصرحون بانهم لايوجد عندهم الا يقين سابق بالملكية لاتكون الا اذا استندوا في شهادتهم الى الاستصحاب ، والامام (ع) سمح لهم بذلك .
 ولكن هذه الشهادة التي اجازها الامام (ع) عندما نفترض عدم المرافعة وعدم الخصومة كما احتملنا ليست هي الشهادة التي نبحث عنها ، لاننا نتكلم عن شهادة مستندة الى الاستصحاب كي تكون مدركاً للقاضي في فصل الخصومة ، والرواية _ وان دلت على جواز الشهادة المستندة الى الاستصحاب_ ولكن موردها ليس باب القضاء وفصل الخصومة ، وانما موردها قضية خارجية يراد فيها تعيين الوظيفة العملية وهي تقتضي اجراء الاستصحاب ولذا لو فرض ان القاضي نفسه كان يعلم بالملكية لجاز له ان يسلم العبد الى الرجل استنادا الى الاستصحاب لانه حجة بلا اشكال ، وانما طلب الشهود لافتراض ان ليس له علم بالملكية السابقة او كان ولكنه لم يلتفت الى ذلك ، والشهود يشهدون بشهادة هي عبارة عن اخبار بمقتضى الاستصحاب .
 أذن فالرواية اجنبية عن باب التداعي ، وحينئذٍ يمكن حمل الصحيحة الاولى على قبول الشهادة المستندة الى الاستصحاب لكن في غير باب القضاء ولكنه لاينفع في اثبات امكان الرجوع الى الشهادة غير الحسية من قبل الحاكم لفض الخصومة والنزاع كما هو الحال في الشهادة الحسية .
 الرواية الثانية : وهي صدر رواية معاوية بن وهب الثانية التي جعلها السيد الماتن (قده) معارضة الى الرواية الاولى (( قلت لابي عبد الله (ع) :الرجل يكون في داره ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله ثم يأتينا هلاكه ونحن لاندري ما أحدث في داره ولاندري ماحدث له من الولد الا انا لانعلم انه احدث في داره شيئاً ولاحدث له ولد ولاتقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدلٍ ان هذه الدار دارفلان بن فلان مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان أونشهد على هذا ؟ قال: نعم ))، فانها ظاهرة في ان الشهادة المذكورة في الرواية لاتكون الا اذا استندت الى الاستصحاب ، والا كيف يشهدون انه مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان ؟ من دون ان يستندوا في ذلك الى اليقين السابق .
 هذا ولكن مااحتملناه في الرواية الاولى يأتي في هذه الرواية بشكل أوضح، أي انها غير ناظرة الى باب الترافع والتداعي ، لانه لايوجد فيه طرف للدعوى أصلاً، بخلاف الرواية الاولى لاحتمال وجود المنازع للمدعي (الرجل) الذي هو العبد او الامة ، وانما الموجود فيها هم ورثة يريدون قسمة الدار ولاتقسم الا بوجود شهود يشهدون على عدم البيع ونحوه وعدم الوارث غير هؤلاء ، والامام (ع) اجاز للسائل الشهادة المستندة الى اليقين السابق على ماذكر ، ولكن هذه الشهادة غير الشهادة التي هي محل الكلام .
 هذا ولكن هذه الرواية مشتملة على ذيل ظاهره المنع من التعويل على مثل هذه الشهادة (( قلت الرجل يكون له العبد والامة فيقول آبق غلامي او آبق تامتي فيؤخذ بالبلد فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه أفنشهد على هذا اذا كلفناه ونحن لم نعلم انه احدث شيئاً ، فقال : كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه او امته او غاب عنك لم تشهد به )) .
 وعليه، فهل يخلق هذا تدافعا بين صدر الرواية وذيلها ؟
 بناءً على مأحتملناه من ان هذه الرواية والتي قبلها غير ناظرة الى باب التداعي فلماذا في الذيل يمنع الامام (ع) من هذه الشهادة التي هي مجرد اخبار بمقتضى اليقين السابق وليس هي شهادة في باب التخاصم مع انه اجازه في الصدر وفي الرواية الاولى؟ ولعل هذا يخلق حالة من التنافي في الرواية وان كان مورد صدرها الدار ومورد ذيلها العبد أو الامة لان الظاهر انها مسوقة لبيان حكم الشهادة في غير باب التداعي .
 السيد الماتن (قده) حمل صدر الرواية على عدم النظر الى المرافعة ، وحمل ذيل الرواية على المرافعة، ولعله لاختلاف الموضوع بين الصدر والذيل اذ موضوع الصدر هو الدار الذي لم يوجد منازع فيه يدعي الملكية وموضوع الذيل هو العبد او الامة الذي يمكن ان يكون منازعاً للرجل المدعي للملكية . فرفع به التنافي لتعدد الموضوع ، نعم ذيل الرواية يتعارض مع الرواية الاولى المحمولة على الترافع ايضاً ويتساقطان فلا يتم دليل على جواز الشهادة المستندة الى الاستصحاب في باب الترافع عنده ، وجعل صدر هذه الرواية دليلاً على جواز الشهادة المستندة الى الاستصحاب في حال الدعوى بلا منازع . واما بناءً على مااخترناه _من وضوح عدم نظر صدر الرواية الى باب الترافع ، واحتمال عدم نظر ذيلها وكذا الرواية الاولى الى باب المرافعة _ يبقى اشكال التنافي على حاله .
 هذا ، وقد احتمل بعضهم ان العبارة التي في ذيل الرواية الثانية ((لم تشهد به )) أستفهام استنكاري ، فيكون دليلاً على جواز الشهادة بهذا النحو ويتوافق مضمونه مع صدر الرواية ومع الرواية الاولى .