34/07/08


تحمیل
 كان الكلام في الادلة التي قيل بدلالتها على عدم اعتبار الحس في قبول الشهادة ، وتبين عدم تماميتها ، يقع الكلام فعلاً في الادلة التي يدعى دلالتها على أعتبار الحس في قبول الشهادة وهي ثلاثة :
 الاول: ــــــــ وهو العمدة في هذه الادلة ـــــــ وهي دعوى ان الشهادة لغةً مأخوذة من الحضور، فيكون الحضور مستبطنٌ في معنى الشهادة ،ويترتب عليه أختصاص الادلة الدالة على قبول الشهادة حيث ورد فيها لفظ الشهادة بما اذا كان هناك حضور وبعبارة اخرى ان ادلة القبول لاتشمل غير الشهادة الحسية لان الشهادة مأخوذة في ادلة القبول، واذا كانت كذلك فيكون الحضور شرطا فيها لانه مأخوذ في مفهوم الشهادة ، وعليه فغير الشهادة الحسية لاتشمله ادلة القبول، فيختص القبول في ادلة القبول بخصوص الشهادة الحسية .
 هذا هوالدليل الاول ،وهناك جوابان عنه :
 الاول: ويستفاد هذا الجواب بشكل او باخر من كلمات الفقهاء ، وحاصله:
  بعد تسليم ان الشهادة مأخوذة من الحضور لغة ، ولكن يمكن دعوى خروج الشهادة عن المعنى اللغوي الى معنى اخر اصطلاحي لم يؤخذ فيه الحضور، وهو مطلق الاخبار الجازم سواء نشأ عن الحضور او عن غيره، ولذا عُرّفت الشهادة في كلمات الفقهاء، بانها عبارة عن الاخبار الجازم لاغير وهذا غير المعنى اللغوي الذي يستبطن الحضور والاحساس ، ويشهد الى ان الشهادة في كلمات الفقهاء لايراد بها المعنى اللغوي هو ان الشهادة المقبولة عندهم لاتختص بالرؤيا والسماع بل تشمل كل الحواس الاخرى كالشم والذوق ونحوها ومن الواضح ان الحضور والمشاهدة ليست موجودة في كل هذه الموارد.
 وعليه ،فالشهادة عندهم ليست الا الاخبار الجازم سواء وجد الحضور او لم يوجد .
 هذا هو الجواب الاول
 وأقول:لو سلم هذا الكلام ، فإنه لم يتضح أنّ مستند الفقهاء فيه دعوى نقل الشهادة الى معنى لايستبطن الحضور ، بل ربما كان مستندهم بعض الادلة السبعة التي قيل بدلالتها على عدم اعتبار الحس في الشهادة .
 ومن هنا يظهر لو بقينا وادلة قبول الشهادة لتعين علينا الالتزام باشتراط الحضور لاننا اعترفنا بحسب الفرض ان معنى الشهادة يستبطن الحضور وانما الغينا الحضور للادلة الخاصة ومن هنا يكون التعويل على الادلة الخاصة لا على مفهوم الشهادة .
 الثاني : وهو الجواب الصحيح وهو يفترض ان للشهادة معنى واحد وهذا ماتقدم منا لتوجيه كلام صاحب الجواهر عندما ذكر ان الشهادة في قول المؤذن اشهد ان لا اله الا الله تستعمل في معنى ليس فيه حضور ولا احساس وكذا في الشهادة بان النبي (ص) قد نصب الامير (ع) كما هو واضح من دون حضور لانها تعتمد على التواتر فقد قلنا ان صاحب الجواهر لعله كان يعتقد ان للشهادة معنى واحد وقد استعملت الشهادة بما لها من المعنى الواحد في هذه الموارد من دون تجوز بغير افتراض الحضور والاحساس وهذا معناه ان الشهادة لغة لايشترط فيها الحضور.
 والظاهر حصول خلط في ذلك فانه يبدو من مراجعة كلمات اللغوين والفقهاءان للشهادة معنيين :
 الاول : وهو الحضور .
 الثاني: وهو الاخبار بما يعلمه الانسان واظهار مايعتقده .
 وهذان المعنيان يظهران من كلمات اللغوين .
 اما المعنى الاول ففي قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) والمقصود من الشهود هنا الحضور أي من كان حاضرا عند حلول الشهر ويقال شهدت العيد، وشهدت المجلس أي ادركته وحضرته ،والشاهد يرى ما لايراه الغائب وهو واضح في ان المقصود بالشاهد الحاضر في مقابل الغائب، وهذا المعنى قد نص عليه اللغويون للشهادة .
 واما المعنى الثاني _ الاخبار عما يجزم به واظهار ما يعتقده_ فقد ورد في لسان العرب قوله الشهادة خبر قاطع تقول فيه شهد الرجل على كذا أي عندما يخبر الشاهد خبرا قاطعا بشيء فتقول انت ان هذا شهد بكذا وهذا ليس له علاقة بالحضور ،ثم نقل عن ابن الانباري في قول المؤذن اشهد ان لا اله الا الله ان معناها اعلم ان لا اله الا الله وابين ذلك ومنه قوله تعالى (شهد الله ان لا الا هو والملائكة واولي العلم ) أي كان معلوما لديه ذلك .
 ومن الواضح ان الشهادة في باب القضاء يراد بها الشهادة بالمعنى الثاني اي الاخبار عن جزم ويقين ولايراد بها الحضور.
 وبناء على هذا الكلام فالشهادة الواردة في ادلة القبول حيث انها ناظرة الى باب القضاء يكون المقصود بالشهادة فيها الشهادة بالمعنى الثاني لا بالمعنى الاول ، فلا يكون الحضور معتبرا في الشهادة المقبولة ، وانما الشهادة فيه بمعنى الاخبار بما يعتقد ويعلم، فلو اخبر الانسان بما يعتقد ويعلم يكون شهادة مشمولة لادلة القبول من دون اخذ مفهوم المشاهدة والحس فيها حتى يكون قبول الشهادة مشروطا بالحضور والاحساس .
 نعم قد يعترض على ماذكرنا ــــــ وربما يستفاد هذا من كلمات السيد الماتن في هذا المجال ــــــــ بان يقال انه بناء على ان يكون هناك معنيان لكلمة الشهادة ـــــــ الحضور،والاخبار عن جزم ويقين ـــــــ ولكن لم يعلم ان الشهادة في محل الكلام يراد منها المعنى الثاني، ولعله يراد بها المعنى الاول .
 ويترتب عليه ، اجمال دليل القبول لعدم العلم بالمراد من الشهادة فيه هل الشهادة بالمعنى الاول او الشهادة بالمعنى الثاني، وحينئذ يقتصر فيه على القدر المتقين، والقدر المتيقن منه هو قبول الشهادة الحسية، لان الشهادة الحسية مقبولة على كلا التقديرين واما ما زاد عليه فيرجع فيه الى اصالة عدم النفوذ واصالة عدم القبول ، وبالنتيجة سوف نلتزم باشتراط الحضور والحس في قبول الشهادة ولو من باب الاقتصار على القدر المتيقن .
 ويرده:
 اولا: ان حمل الشهادة على المعنى الاول واشتراط الحضور خلاف الظاهر جدا مع ان من الواضح ان معنى قبول الشهادة في باب القضاء هو قبول ما اظهره الشاهد عن جزم ويقين لتأييد دعوى المدعي ولاينبغي التشكيك في ان المقصود بها هذا المعنى لا المعنى الاول .
 وثانيا :ان ادلة القبول بشكل عام لم تستعمل فيها مفردة الشهادة كما في البينة على المدعي واليمين على من انكر ، وانما اقضي بينكم بالبينات وبالايمان فهذه الادلة ورد فيها مفردة البينة والبينة لم يؤخذ فيها الحضور وانما ادعي هذا في مفردة الشهادة لانه احد معنييها او معناها كما يدعى.
 نعم في بعض الادلة كما سيأتي في باب الرجم ذكرت كلمة الشهادة والظاهر ان المقصود بها هناك كما ذكرنا هو عبارة عن الشهادة بالمعنى الثاني لا الشهادة بالمعنى الاول
 اذن هذا الاعتراض غير وارد، والجواب الثاني هو الصحيح عن الوجه الاول وهو ان الشهادة في باب القضاء والمرافعة لايراد بها المعنى الاول وانما يراد بها المعنى الثاني .
 وبناءا على هذا الكلام فالدليل الاول لاشتراط الحس في قبول الشهادة غير تام .
 الدليل الثاني : هو الادلة الخاصة حيث دل جملة منها على ماقيل باشتراط الحضور والمشاهدة والاحساس بالشيء المشهود به ولاتقبل الشهادة من دون ذلك وهذه الادلة مروية في الباب 20 من ابواب الشهادات في الوسائل وهي:
 الاول : رواية علي بن غياث او غراب لان الكليني يرويها عن علي بن غياث والصدوق يرويها عن علي بن غراب والظاهر انه الاخير لان الاول نكرة وغير معروف لا في كتب الرجال ولا في الروايات (يقول :عن ابي عبد الله (ع) قال: لاتشهدن شهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك ) .
 فان ظاهرها اعتبار الشهادة عن حس .
 الثاني: مرسلة الصدوق (قال: روي انه لاتكون الشهادة الا بعلم من شاء كتب كتابا او نقش خاتما ) فيستفاد من ذيلها ان الشهادة انما تقبل فيما اذا كان هناك كتابة وكان هناك نقش وهذه عبارة عن شهادة حسية .
 الثالث: مرسلة المحقق في الشرائع (عن النبي (ص) وقد سئل عن الشهادة قال: هل ترى الشمس على مثلها فاشهد او دع ) .
 ولكن لايمكن التعويل على هذه الادلة ، لضعفها سنداً
 الربع: روايات مذكورة في حد الزنا في الباب 12 ،ح1 ،ح3 ،ح5 ، ومفهومها انه لايجوز اقامة حد الزنا حتى يشهد اربع على انه كان يدخل ويخرج ومن الواضح ان المقصود بها اشتراط الرؤية حتى تقبل مثل هذه الشهادة ويبدو ان دلالتها تامة وكذلك اسنادها ولكن المشكلة فيها ان احتمال الخصوصية فيها وارد أي انها مختصة بالرجم بما يمثله من قتل وازهاق للروح والنفس المحترمة فلعله اعتبر الاحساس لزيادة التأكد والاحتياط في باب الدماء وهذا لايمكن اسراؤه الى جميع الشهادات كما هو محل الكلام .
 ومن هنا يظهر ان التعدي من هذه الروايات لاثبات اشتراط الحضور والاحساس في كل شهادة ليس صحيحاً.
 اذن هذا الدليل وهو الاعتماد على الروايات الخاصة لاثبات اشتراط الحضور والاحساس في قبول الشهادة ايضا لايمكن التعويل عليه .
 الدليل الثالث : هو ان يقال ان ادلة اقامة الشهادة ظاهرة في الشهادة التي ورد الامر بتحملها اما ارشادا كما في باب الوصية لان الشهادة غير معتبر في باب الوصية لكن الروايات امرت بتحمل الشهادة من باب الارشاد ، او استحبابا كما في باب النكاح فانه يستحب الاشهاد على النكاح ، او وجوبا كما في الطلاق فانه يشترط في صحته الاشهاد ،فهذه الشهادة التي امر المكلف بتحملها هي التي امر المكلف باقامتها واذا اقامها تكون مقبولة ومن الواضح ان الشهادة التي يتحملها المكلف لابد فيها من حضوره في محل اقامة الشهادة ، ومعنى ذلك ان المراد بالشهادة في ادلة اقامة الشهادة هي الشهادة التي يشهد بها عن حس ، فأدلة قبول الشهادة مختصة بهذه الشهادة ولاتكون شاملة لغير الشهادة الحسية .
 وهذا الدليل وان ذكره بعض المحققين ولكن يمكن التأمل فيه من جهتين :
 الاولى: ان الامر بتحمل الشهادة وارد في موارد معينة ولا يوجد اطلاق يأمر بتحمل الشهادة وعليه، فهذا الدليل اذا تم فهو مختص بهذه الموارد فنقول بقبول الشهادة فيها اذا كانت عن حس اما تعميمها لكل شهادة وان لم يأمر المكلف بتحملها وبالاشهاد عليها هذا غير تام في نفسه .
 الثانية: لو سلمنا بوجود امر لتحمل الشهادة في جميع الموارد ولكن هذا لايعني انحصار الشهادة المقبولة بما اذا كانت مقدمتها الاشهاد والحضور لعدم الملازمة فيها لان الشارع قد يكون امر بتحمل الشهادة في جميع الموارد من باب الاحتياط لضمان اقامة الشهادة بعد الالتفات الى ان الشهادة يجب اقامتها على من تحملها وهذا لايعني ان قبول الشهادة منحصر بما اذا كانت مقدمتها هو الاحساس والحضور .
 اذن هذا الدليل لايكون تاما ،ومن هنا يظهر انه لم يتم شيء من أدلة اشتراط الحضور والحس في قبول الشهادة .