33/11/05


تحمیل
  (بحث يوم السبت 5 ذو القعدة 1433 هـ 168)
 الموضوع : الكلام في المسألة الخامسة والأربعين : في مدى اعتبار القرعة في القسمة ومدى كفاية التراضي بالقسمة في لزومها والأقوال في ذلك / استدلال القائلين بعدم اشتراط القرعة في القسمة والاكتفاء بالتراضي بوجوه / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في المسألة الخامسة والأربعين وقد طرح السيد الماتن (قده) فيها قضية القرعة والكلام هنا يقع في مدى اعتبارها وعدمه والذي يُفهم من كلماتهم - كما في الجواهر وغيرها - أن القسمة تارة يقوم بها القاسم المنصوب من قبل الإمام (عليه السلام) بالنصب الخاص أو بالنصب العام [وهو الحاكم الشرعي الذي له الولاية على القسمة] وحينئذ فلا خلاف ولا إشكال عندهم في أنه لا يُشترط تراضي الشريكين بعد القسمة بل تكون هذه القسمة لازمة عليهما .
 وأخرى يُفترض أن القسمة تصدر من نفس الشريكين بعد اتفاقهما على ذلك أو من قبل من يُعيّنانه للقيام بذلك وحينئذ فهل يتوقف لزوم هذا التقسيم الذي تراضيا به واتّفقا عليه على الرضا بعده أم لا ؟
 أقوال ثلاثة :
 الأول : ما في التحرير والرياض ومحكي المبسوط من توقف اللزوم على الرضا بعد القسمة .
 الثاني : ما هو ظاهر المحقق في الشرايع من عدم التوقف بل يكفي في اللزوم الرضا المقارن للتقسيم ولا يُشترط الرضا بعده .
 الثالث : ما عن الشهيدين وصاحب الحدائق واختاره صاحب العروة من المتأخرين من كفاية تراضيهما واتفاقهما السابق على القسمة وتخصيص كل واحد من الشريكين بحصة وإن لم تحصل القرعة ولا يُشترط الرضا بعد القسمة ولا الرضا المقارن لها .
 هذا .. والذي يظهر كما عن الجواهر أن هناك خلافاً بينهم في أمرين :
 الأول : في اعتبار القرعة في القسمة بمعنى أن القسمة هل تتحقق بمجرد التراضي فتكون لازمة أم لا بد في لزومها من القرعة .
 والمشهور في هذا الأمر أن القسمة يُعتبر فيها القرعة ولا يكفي فيها مجرد التراضي ولكن خالف في ذلك كما أشرنا - الشهيدان الأول والثاني وكذلك صاحب الحدائق حيث دافع عن رأيه في عدم اعتبار القرعة وتعجّب من الأصحاب كيف أقحموها في محلّ الكلام مع أنه ليس لها ذكر في الأدلة فذهب إلى أن القسمة تتحقق بمجرد التراضي والتوافق بين الشريكين بلا حاجة إلى القرعة وكذلك وافقه في هذا الرأي من المتأخرين السيد صاحب العروة (قده) في ملحقاتها ويظهر من السيد الماتن (قده) اختياره أيضاً وإن لم تُصرّح عبارته بذلك .
 الأمر الثاني : أن المشهور الذي اعتبر القرعة في القسمة اختلفوا في ما بينهم في أنه هل يكفي التراضي المقارن للقسمة حتى تكون لازمة كما ذهب إلى ذلك المحقق في الشرايع أم لا بد من التراضي بعد ذلك أيضاً كما في محكي المبسوط والتحرير والرياض .
 أما الخلاف في الأمر الأول فالقائلون بعدم اعتبار القرعة في القسمة وكفاية التراضي بين الشريكين استثنوا حالة واحدة ذكروا أن القرعة فيها تكون لازمة وهي ما إذا حصل التنازع بين الشريكين في تعيين حصة كل منهما بعد التقسيم .
 وقد استدلّ القائلون بعدم اشتراط القرعة في القسمة والاكتفاء بالتراضي بوجوه :
 الوجه الأول : دعوى كفاية نفس التراضي من الشريكين بعد التعديل بأن يكون أحد السهمين لأحدهما والسهم الآخر للآخر وحصول القسمة بينهما من دون حاجة إلى القرعة بل قالوا إنه لا معنى للقرعة مع التراضي بالقسمة بل هي لغو صرف وذكروا أنه يدل على ذلك [1] عمومات الأدلة التي يُستفاد منها كفاية التراضي كعمومات السلطنة حيث قالوا إنها تقتضي ذلك فالشريكان إذا حصل منهما التراضي في اقتسام العين المشتركة فلا معنى للقول بعدم كفاية ذلك ووجوب القرعة ، ومن الواضح أن عمومات السلطنة تجيز للشركاء أن يفعلوا بأموالهم ما يشاءون بعد الفراغ عن عدم ثبوت حقّ لطرف ثالث في المال المشترك بينهما فلا بد من الالتزام حينئذ بكفاية التراضي عملاً بأدلة السلطنة والقول بعدم الاكتفاء به مخالف لما دل عليه الدليل من تسلّط الإنسان على ماله .
 ولكن الاستدلال المذكور بعموم السلطنة في المقام وغيره يواجه إشكالاً معروفاً وحاصله :
 أن دليل (الناس مسلّطون على أموالهم) ليس فيه إطلاق بالنسبة إلى أسباب التصرّف وكيفيّاته وإنما إطلاقه بالنسبة إلى أنواع التصرّفات وهذا الإطلاق يعتبر أن أيّ حظر على أيّ تصرف من أنواع التصرفات في مال الإنسان يُعدّ مخالفاً لقاعدة السلطنة لأن مفادها أن الإنسان مسلّط على ماله بكل أنواع التصرّفات من بيع أو هبة أو معاوضة أو غير ذلك فإذا ما شُكّ في تصرّف معيّن أنه مسلّط عليه أو لا فيُمكن نفي هذا الشك وإثبات جواز ذلك التصرّف المشكوك بالتمسّك بإطلاق أدلة السلطنة وأما إذا ثبت تسلّطه على تصرف من التصرّفات ولكن شُكّ في نفس ذلك التصرف كالهبة - مثلاً أنه هل يُعتبر فيه القبض أو لا أو كالبيع في أنه هل يُعتبر فيه العربية أو لا فمثل هذا الشك لا يمكن نفيه بإطلاق أدلة السلطنة لأنها ليست ناظرة إلى كيفية تحقق التصرف وما هي الأمور المعتبرة فيه وإنما هي ناظرة إلى تعميم سلطنة الإنسان إلى كل التصرفات المتصوّرة في ملكه وماله وأنه ليس محجوراً من أحدٍ مّا من هذه التصرّفات فإذا كان أصل التصرف مسلطاً عليه الإنسان فلا ينافي ذلك اشتراط بعض الشروط من قبل الشرع لصحته ، وما يُشكّ في اعتباره شرطاً في التصرّف المسلّط عليه الإنسان لا يمكن نفيه بالتمسك بإطلاق أدلة السلطنة .
 وما نحن فيه من هذا القبيل وذلك لأن إلزام الشريكين بإجراء القرعة في القسمة لا يُعدّ منعاً لهما من التصرّف في مالهما فإنه بعد أن ثبت لهما جواز القسمة بتراضيهما فاشتراط القرعة للزوم القسمة ليس فيه مساس بما ثبت لهما من التسلّط على القسمة بتراضيهما فاعتبار القرعة بعد القسمة شرط شرعي للزومها ولا ينافي ما ثبت من التسلّط عليها .. وهذا بحث سيّال يجري في كل ما يُتمسّك فيه بقاعدة السلطنة .
 ومن ذلك يظهر أن الاستدلال بقاعدة السلطنة في محلّ الكلام لإثبات كفاية التراضي ونفي اعتبار القرعة في التقسيم غير صحيح لأنه ليس فيها إطلاق بلحاظ أسباب التصرف وما يتحقق به التصرف وإنما إطلاقها بلحاظ أنواع التصرّفات .
 الوجه الثاني : التمسّك بالنبوي المعروف من أنه (لا يحلّ مال امرئ إلا بطيب نفسه) بتقريب أن الحصة بعد القسمة المسبوقة بالتراضي تكون حلالاً لأحد الشريكين ما دامت بطيب نفس الشريك الآخر ولا حاجة في ذلك إلى القرعة فيكفي في جواز التقسيم وترتب الأثر عليه من الصحة واللزوم التراضي الحاصل من الشريكين قبل القسمة استناداً إلى النبوي الشريف .
 ونوقش في هذا الاستدلال بأن غاية ما يُستفاد من التعبير الوارد في الحديث أن طيب النفس دخيل في الحلية لا أنه سبب تام لثبوت الحلية وما يترتب عليها من الصحة واللزوم وهذا من قبيل : (لا صلاة إلا بطهور) فإن المستفاد منه أن الطهور دخيل في الصلاة وكونه كذلك لا ينفي دخالة غيره فيها أيضاً ولا يُستفاد منه أن الطهور سبب تام لتحقق الصلاة بحيث لا اعتبار بغيره ، وكذلك في المقام فإن دخالة طيب النفس في الحلية لا يمكن أن يُنفى بموجبها اعتبار شيء آخر لأن هذا الحديث لا يدل إلا على دخالة طيب النفس والتراضي في حلية القسمة وجوازها وأما أن جواز القسمة ليس مشروطاً بالقرعة بحيث ننفي اعتبار القرعة ونكتفي بطيب النفس والتراضي كما هو المدّعى استناداً إلى هذا الحديث الشريف هذا ليس واضحاً .
 وهذه المناقشة صحيحة .
 الوجه الثالث : ما ذُكر من أن الأخبار الكثيرة الواردة في قسمة الدين وغيره كصحيحة غياث بن إبراهيم المتقدّمة ظاهرة في صحة قسمة ما بأيدي الشريكين مع عدم القرعة إذ ليس فيها أيّ إشارة إلى القرعة فيظهر أن التقسيم يكون صحيحاً من دون حاجة إلى القرعة وسيأتي في البحوث اللاحقة ذكر هذه الأخبار .
 الوجه الرابع : ما تكرر في كلماتهم من أن ما في أدلة القرعة من العموم موهون فهو لا يثبت في جميع الموارد فإنه وإن ورد أن القرعة لكل أمر مشكل ولكن قد أوهن هذا العموم كثرة التخصيص الوارد عليه ولذلك التزموا بأنه لا يمكن التمسّك بأدلة القرعة إلا في موضع يكون هناك جابر لهذا الوهن واعتبروا أن الجابر له هو عمل الأصحاب فيكون الميزان في التمسّك بأدلة القرعة وتطبيقها في موردٍ مّا هو عمل الأصحاب فإذا ثبت عمل الأصحاب في مورد أمكن حينئذ التمسّك بعموم أدلة القرعة لإثبات جوازها في ذلك المورد ، وقد يُدّعى أنه لم يثبت في المقام عمل الأصحاب بالقرعة فلا دليل حينئذ على اعتبارها في القسمة بل يكفي خصوص التراضي .
 هذا .. وهناك أدلة سنستعرضها في البحث اللاحق إن شاء الله تعالى .


[1] أي على كفاية التراضي من الشريكين وعدم الحاجة إلى القرعة .