33/06/20


تحمیل
  (بحث يوم السبت 20 جمادى الثانية 1433 هـ 131)
 الموضوع :- تكملة المسألة الثامنة عشر / الأمر الثاني من الأمرين اللذين ذكرهما السيد الماتن (قده) في ذيل البحث / الشروع في المسألة التاسعة عشر ثم المسألة العشرين / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في الأمرين اللذين ذكرهما السيد الماتن (قده) في ذيل البحث وتقدّم الأول منهما وكان محصّله عدم المانع من التعميم في ما لو استفيد من نصوص الشاهد واليمين الدلالة على تنزيل اليمين المكمّلة للشاهد الواحد منزلة الشاهد الثاني - الذي فُرض عدم وجوده - فيكون ذلك بمثابة البيّنة وحينئذ ينفتح المجال للبحث الثاني من لزوم اشتراط الانضمام وعدمه .. وتقدّم الجواب عنه .
 الأمر الثاني : ما ذكره (قده) من أنه وإن لم يمكن ثبوت الدين على الميت بشاهد ويمين إلا أنه يمكن ثبوته بشهادة رجل وامرأتين وعلّل ذلك بأن شهادة امرأتين منزّلة منزلة الشاهد الواحد فإذا حلف المدّعي زائداً على ذلك [1] فحينئذ تثبت الدعوى لدى الحاكم .
 ويُلاحظ عليه أن قبول شهادة رجل وامرأتين في ثبوت الدين على الميت لا تتوقف على التنزيل فإنه يمكن التمسّك بدليل اعتبار شهادة رجل وامرأتين لإثبات الحقّ على الميت وعلى الحي سواء ثبت التنزيل أو لم يثبت .
 وبعبارة أخرى : أن قبول شهادة رجل وامرأتين لإثبات الدين على الميت ليس فيه محذور اللغوية المطروح في قبول شهادة الشاهد الواحد واليمين فيمكن التمسّك بدليل اعتباره لإثبات الدين على الميت كما هو الحال في الدين على الحي ، نعم .. هو يفتقر إلى ضمّ اليمين ولكنه لا يتوقف على التنزيل فلو فُرض أنه لم يقم دليل على تنزيل شهادة امرأتين منزلة شهادة الشاهد الواحد فمع ذلك يكفي دليل اعتباره لإثبات الحقّ على الميت من غير حاجة إلى التنزيل ولا يلزم من ذلك محذور لأن المحذور الذي ذُكر يختص بالاعتماد على شاهد ويمين وهو أن هناك رواية معتبرة بحسب الفرض - وهي صحيحة الصفار - تدلّ على اعتبار أمر زائد على الشاهد واليمين وهو انضمام شهادة الوصي إليهما بمعنى أنها تدل على عدم كفاية الشاهد واليمين في إثبات الدين على الميت ، وهذا منافٍ لدليل اعتبار الشاهد واليمين لإثبات الحق على الميت ، ومن الواضح أن هذا المحذور يختصّ بالشاهد واليمين ولا يشمل محلّ الكلام من شهادة رجل وامرأتين فهو غير منظور له في الصحيحة أصلاً حتى يقال بكونها دليلاً على عدم اعتبار شهادة رجل وامرأتين في ثبوت الحق على الميت .
 قال (قده) في المسألة التاسعة عشر :
 " لو قامت البينة بدين على صبي أو مجنون أو غائب فهل يحتاج إلى ضم اليمين ؟ فيه تردد وخلاف والأظهر عدم الحاجة إليه " .
 محلّ الكلام في التعدّي من دعوى الدين على الميت إلى كل من ليس له لسان فعليّ كالصبي والمجنون والغائب فعلى القول بالتعدّي يلزم ضم اليمين كما في الميت وعلى القول بالعدم لا يلزم ذلك والصحيح هو الثاني وقد مرّ بحث هذه المسألة مفصّلاً والنتيجة هي النتيجة من أن التعدّي مشكل فالحكم حينئذ يكون على مقتضى القاعدة من كفاية البيّنة في دعوى الدين على المذكورين من غير حاجة إلى ضم اليمين .
 قال (قده) في المسألة العشرين :
 " لا يجوز الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ، ولا يجوز للآخر نقض حكم الأول إلا إذا لم يكن الحاكم الأول واجداً للشرائط أو كان حكمه مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنة " .
 محلّ الكلام في حكم الترافع إلى حاكم آخر بعد أن رُفعت الدعوى إلى حاكم واجد للشرائط وحكم فيها على طبق الموازين المعتبرة في باب القضاء فالكلام تارة من جهة المترافِعَين وأخرى من جهة المترافع إليه وهو الحاكم الآخر فأما من جهة المترافِعَين [2] فقد أفتى السيد الماتن (قده) بعدم جواز أن يترافعا إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول ، وأما من جهة الحاكم الآخر فأفتى (قده) بعدم جواز أن ينقض حكم الأول ، واستثنى من ذلك صورتين :
 الأولى : ما إذا لم يكن الحاكم الأول واجداً للشرائط .
 والثانية : ما إذا كان حكم الحاكم الأول مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنة .
 وأقول : أما بالنسبة إلى حرمة الترافع إلى حاكم آخر بعد حكم الحاكم الأول فالظاهر أنه مما لا إشكال فيه وذلك لمنافاته [3] لما دلّ من الأدلة على نفوذ حكم الحاكم ولزوم ترتيب الأثر عليه ووجوب قبوله ولا إشكال في أن الترافع إلى حاكم آخر يكون منافياً لذلك فيجب قبول حكم الأول ويجب ترتيب الأثر عليه .
 وبعبارة أخرى : أنه لا إشكال - كما تقدّم - في نفوذ حكم الحاكم الجامع للشرائط في حقّ المتخاصمين من جهة أن الغرض من القضاء إنما هو إنهاء النزاع وفصل الخصومة ، ومن الواضح أنه لا معنى لذلك إذا لم يكن حكم الحاكم نافذاً وواجب الاتباع ولزوم ترتيب الأثر عليه فإنه إذا لم يكن كذلك فحينئذ لا يتحقق الغرض المزبور بل قد تقدّم سابقاً أن أصل تصور كون القضاء مشروعاً من دون نفوذ للحكم غير صحيح فإن من لوازم مشروعية القضاء أن يكون نافذاً وإلا فلا يتحقق الغرض المطلوب منه .
 وبناء على هذا فلا يجوز للمتخاصمين رفع القضية إلى حاكم آخر بل لا يجوز للحاكم الآخر النظر في هذه القضية لغرض الحكم بها الذي قد يكون منافياً للحكم الأول فإنه لا إشكال في كونه ردّاً للحكم مع أن الروايات وخصوصاً المقبولة تصرّح بأن الرادّ عليه كالرادّ على الأئمة (عليهم السلام) وهو على حدّ الشرك بالله ولا إشكال في أن نقض الحكم الأول يكون ردّاً له .
 هذا مع افتراض أن حكم الحاكم الأول كان على طبق الموازين المعتبرة في باب القضاء ، والأحكام المذكورة من حرمة الترافع وحرمة النظر لأجل إعادة الحكم وحرمة النقض هي قضايا مسلّمة عندهم إلا أنها مسلّمة في الجملة بمعنى أن هناك بعض الحالات قد يقال - بل قد قيل - باستثنائها كلاً أو بعضاً من هذه القاعدة الأولية [4] على نحو التخصّص لا على نحو التخصيص منها ما ذكره السيد الماتن (قده) من استثناء الصورتين المذكورتين في كلامه :
 الأولى : ما إذا كان الحاكم بالحكم الأول فاقداً للشرائط المعتبرة في القاضي كالعدالة أو الاجتهاد ففي هذه الحالة لا إشكال في عدم حرمة الترافع إلى غيره وعدم حرمة النظر من قبل الغير لأجل إعادة الحكم وعدم حرمة النقض من قبله فإن حكم مثل هذا الحاكم غير الجامع للشرائط المعتبرة ليس حكماً بحكمهم (عليهم السلام) فإن المقصود بحكمهم (عليهم السلام) هو حكم الحاكم الواجد للشرائط فإذا ظهر أن الحاكم كان فاقداً لها حين الحكم فلا يكون حينئذ حكمه نافذاً ولا معتبراً ولا تشمله المقبولة المتقدّمة فالشارع المقدّس لا يريد فصل القضية بأيّ حكم حاكم كان ولذا اشترط فيه شرائط معيّنة فاستثناء هذه الصورة أشبه بالاستثناء المنقطع لأنه خروج عن الموضوع لا خروج عن الحكم لأن فرض مسألتنا من حرمة الترافع وحرمة النظر لأجل إعادة الحكم وحرمة النقض إنما هو مفروض في حاكم جامع للشرائط ويحكم على طبق الموازين .
 الصورة الثانية : ما إذا كان حكم الحاكم مخالفاً لدليل قطعي من الكتاب والسنة كما إذا حكم حاكم بحلية الأخت الرضاعية غافلاً عن أدلة تحريم الرضاع أو متعمّداً فبالنتيجة يكون حكمه مخالفاً لدليل قطعي من الكتاب والسنة ففي هذه الحالة لا إشكال في كون حكمه ليس نافذاً ولا مشمولة للأدلة التي تعتبر حكم الحاكم حكمهم (عليهم السلام) .
 وهذه الصورة كسابقتها في كونها خروجاً عن الموضوع فهو استثناء من باب التخصّص أيضاً لما تقدّم ذكره .
 وقد يقال بوجود صورة ثالثة غير هاتين الصورتين تُستثنى من الحكم السابق بحرمة النقض وهي حالة تراضي الخصمين برفع الدعوى نفسها التي حكم بها الحاكم الأول إلى حاكم آخر فقالوا في هذه الحالة بجواز الترافع وجواز نظر الحاكم الآخر لأجل إعادة الحكم وعدم حرمة النقض حتى إذا كان الحاكم الأول جامعاً للشرائط ولم يكن حكمه مخالفاً لدليل قطعي من الكتاب والسنة بل كان حكمه طبقاً لدليل اجتهادي وعن إعمال لنظره ، وممن ذهب إلى هذا الرأي الشيخ صاحب الجواهر (قده) وتبنّاه السيد صاحب العروة (قده) مستدلاً عليه في ملحقاتها بعدم صدق ردّ الحكم مع افتراض تراضي الخصمين برفع القضية إلى حاكم آخر لاسيما إذا كان الترافع إلى حاكم ثانٍ لاحتمال خطأ الحاكم الأول ولاسيما إذا كان الحاكم الأول نفسه أراد تجديد النظر في مقدمات حكمه .
 ولكن هذا الرأي لم يقبل به المتأخرون وأشار إليه السيد الماتن (قده) في كلامه والظاهر منه عدم قناعته به بمعنى أنه يرى أن حرمة الترافع وحرمة النقض ثابتة مطلقاً سواء تراضى الخصمان بالدعوى عند حاكم آخر أو لم يتراضيا ، ولعل السرّ في ذلك هو أن الدليل على عدم جواز النقض ونفوذ حكم الحاكم وجوب الالتزام بحكمه لا ينحصر بالمقبولة حتى يقال إنه إذا لم يصدق الردّ على الترافع إلى حاكم آخر ونقض الحكم من قبله في صورة التراضي فلا دليل على التحريم حينئذ .
 أقول : هناك من الأدلة ما يكفي لإثبات حرمة النقض بقطع النظر عن المقبولة وهو ما أشرنا إليه من أنه لا تُتصوّر مشروعية القضاء إلا إذا كان نافذاً فالتفكيك بين مشروعية القضاء ونفوذه غير متصور لخصوصية فيه وهي أن القضاء إنما شُرّع لغرض الفصل في الخصومات وإنهاء النزاعات ومن لوازم ذلك أن يكون نافذاً وواجب الاتباع لا أنه يجوز نقضه لكل أحد ، ولا علاقة لتراضي الخصمين وعدم تراضيهما بذلك .
 وتتمة الكلام تأتي إن شاء الله تعالى .


[1] أي على شهادة رجل وامرأتين .
[2] وبالخصوص المحكوم عليه فإنه هو الذي يهمّه إعادة رفع الدعوى إلى حاكم آخر .
[3] أي الترافع إلى حاكم آخر .
[4] أي حرمة الترافع وحرمة النظر لأجل إعادة الحكم وحرمة النقض .