33/04/12


تحمیل
  (بحث يوم الثلاثاء 12 ربيع الثاني 1433 هـ 90)
 الموضوع :- المسألة العاشرة / الصورة الثالثة : سكوت المدعى عليه/ فروع متعلقة بقضية لزوم كون إحلاف الحاكم للمنكر بموافقة المدّعي وطلبه / الفرع الأول : في استحلاف المدّعي للمنكر من دون إذن الحاكم خارج المرافعة / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في سند مرسلة الصدوق في الفقيه وقد ذكرنا أن كونها مرسلة مبني على عدم كونها تتمة لمعتبرة ابن أبي يعفور ، ويُحتمل في مقابله أن تكون تتمة لها فلا تكون حينئذ رواية مستقلة بل تكون ذيلاً لتلك المعتبرة يشملها سند الشيخ الصدوق إلى ابن أبي يعفور وتمثّل استشهاداً من الإمام (عليه السلام) بكلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
 ولكن يضعف هذا الاحتمال بملاحظة أن كلّاً من الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في التهذيب قد رويا معتبرة ابن أبي يعفور من دون ذكر هذا الذيل وهذه قرينة يمكن اعتمادها على نفي كونه تتمة للمعتبرة .
 ولكن لو غُضّ النظر عن هذه القرينة وفُرض كونه تتمة للمعتبرة فيمكن أن يقال حينئذ بعدم تمامية دلالته في ما نحن فيه لما سبقت الإشارة إليه من أن فرض كونه تتمة يجعله ناظراً إلى عين ما كانت المعتبرة ناظرة إليه وهو كون يمين المنكر داخل المرافعة وهو غير محلّ الكلام وحينئذ لا يصح إيراد هذا الذيل في مقام الاستدلال .
 وبالجملة إن تلك الفقرة إن كانت رواية مستقلة فهي مرسلة وإن كانت تتمة فلا تكون ناظرة إلى محلّ الكلام وعلى كلا الحالين لا تكون صالحة للاستدلال .
 ولكن يمكن الجواب عن الشقّ الثاني بما حاصله أن الحلف في المعتبرة وإن كان يراد به الحلف في داخل المرافعة إلا أن استشهاد الإمام (عليه السلام) بكلام الرسول (صلى الله عليه وآله) إنما هو من باب تطبيق قاعدةٍ على موردها ومن المعلوم أن المورد لا يخصِّص الوارد فيبقى هذا الوارد على إطلاقه وعمومه فيمكن الاستدلال به بما هو مطلق وعام في غير مورد التطبيق من حيث كونه شاملاً لمحل الكلام إذ يصدق في ما نحن فيه [1] أن هذا المنكر حلف للمدّعي على حقّ فيكون المدّعي مأموراً بتصديقه لقوله (صلى الله عليه وآله) : " من حلف لكم على حقّ فصدّقوه " .
 هذا .. مضافاً إلى أن نظير هذا المضمون نفسه رواه الكليني بسند صحيح عن أبي حمزة وهو الثمالي - عن علي بن الحسين (عليه السلام) : " قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تحلفوا إلا بالله ومن حلف بالله فليصدق ، ومن حُلِف له بالله فليرض ، ومن حُلِف له بالله فلم يرض فليس من الله عزّ وجل " [2] .
 ونحوه ما رواه [3] بسند تام أيضاً عن أبي أيوب الخزّاز عن أبي عبد الله : " قال : من حلف بالله فليصدق ، ومن لم يصدق فليس من الله ومن حلف له بالله عز وجل فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله عز وجل " [4]
  [5] .
 ولكن يمكن أن يقال باختلاف الأمر بين محلّ الاستشهاد من قول الرسول (صلى الله عليه وآله) وما جاء في هاتين الروايتين فإنه في ما نقله الصدوق قد ذُكر تقييد الحلف بكونه (لكم) الظاهر في كونه حلفاً لمن يدّعي حقّاً وهو بإطلاقه شامل لحالة ما إذا كان داخل المرافعة أو خارجها فيعمّ محلّ الكلام وقد ورد الحكم من قِبَله (صلى الله عليه وآله) بلزوم تصديقه وذهاب اليمين بدعوى المدّعي وسقوط حقّه ، وأما في هاتين الروايتين فلم يُصرّح فيهما بأن الحلف يَذهب بالدعوى ويُسقط الحقّ ولا أقلّ من عدم ظهورهما في ذلك فلا مجال للتعويل عليهما في المقام فنبقى نحن وتلك الفقرة المنقولة في الفقيه فعلى تقدير كونها تتمة للمعتبرة فلصحة الاستدلال بها وجه [6] حتى مع كون مورد المعتبرة هو الحلف داخل الدعوى ، وأما إذا لم تكن تتمة لها - كما هو الأقرب بقرينة خلوّ نقل الكافي والتهذيب عنها ، ولا مجال في المقام لدعوى دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة ليقال بتعارض النقلين (أعني نقل الصدوق من جهة [7] ونقل الكافي والتهذيب من جهة أخرى) ومن ثم يصار إلى الترجيح بتقديم إحدى الأصالتين [8] فإن هذا فرع تأتّي احتمال كل منهما [9] مع أن هذا غير وارد فإن المستظهَر ولو بقرينة خلوّ نقل الكافي والتهذيب عنها كونها رواية برأسها لا تتمة للمعتبرة فمن الواضح عدم صلوحها للاستدلال لضعف سندها بالإرسال .
 هذا في ما يتعلّق بالرواية الأولى .
 وأما الرواية الثانية - وهي رواية عبد الله بن وضّاح فقد أشرنا إلى أن موردها وإن كان هو استحلاف المدّعي للمنكر أمام الوالي حيث قال : (فقدّمته إلى الوالي فأحلفته فحلف) وهو غير محلّ الكلام إلا أن هذه الخصوصية تُلغى باعتبار أن الحلف أمام الوالي الجائر مما لا أثر له شرعاً وهو بحكم العدم فاستحلاف المدّعي للمنكر في مرافعة أمامه بمنزلة وقوع استحلافه خارج المرافعة والدعوى فإذا دلّت الرواية على أن مثل هذا الحلف بالرغم من وقوعه أمام الوالي الجائر يُسقط الحقّ ويذهب بالدعوى فيصح الاستدلال بها في محلّ الكلام .
 ولكن سند هذه الرواية ضعيف لوجود عدّة اشخاص ممن ثبت ضعفهم أو لم تثبت وثاقتهم .
 وأما الرواية الثالثة - وهي رواية النخعي فقد كان الاستدلال بها مبنياً على أن يكون المراد بقوله : (استحلفه) هو استحلاف المدّعي للمنكر لا طلب المدّعي حلف المنكر من الحاكم فإنه على الثاني [10] وإن كان يُسقط الحقّ ويذهب بالدعوى بلا إشكال إلا أنه خارج عمّا نحن فيه من الحلف خارج المرافعة والدعوى ، وأما على الأول [11] فيكون متعلّقاً بمحلّ الكلام بمقتضى الإطلاق [12] وقد حكم الإمام (عليه السلام) بسقوط الحقّ بعد الاستحلاف وأنه لا يجوز للمدّعي أن يأخذ من المنكر شيئاً فيتأتّى الاستدلال بالرواية في المقام من هذه الجهة ولكن المشكلة في سندها فإنه غير تام لأن خضر النخعي مجهول لم تثبت وثاقته .
 وأما الرواية الرابعة - وهي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله فهي لا تخلو من ضعف سنداً ودلالة :
 أما بالنسبة إلى السند فمن جهة ياسين الضرير - الذي يروي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري الثقة فإنه لم يُنصّ عليه بمدح ولا قدح فهو مجهول الحال [13] وإن كانت له ترجمة وعنوان في كتب الرجال .
 وأما بالنسبة إلى الدلالة فلأن الرواية كما هو الظاهر من سياقها - ناظرة إلى الحلف في داخل المرافعة وهو غير محلّ الكلام ، وإن لم يُسلّم بهذا ويَتمسّك المستدلّ بإطلاقها لإثبات شمولها للمقام [14] ففيه إشكال سيأتي التعرّض إليه .
 وأما الرواية الخامسة - وهي رواية يونس فسندها ضعيف بالإرسال وأما دلالتها فالكلام فيها عين الكلام في سابقتها حرفاً بحرف .
 فتبين مما تقدّم أن دلالة هذه الروايات لو تمّت فإنما هي بالإطلاق ولكنه مما يمكن الخدشة فيه بعدة وجوه :
 أولاً : دعوى الانصراف إلى خصوص كون الحلف داخل المرافعة ، ومبنى هذه الدعوى هو أن يقال إن هذه الروايات صادرة في جوّ وارتكاز متشرّعي قاضٍ بأن فصل الخصومات وإنهاء النزاعات لا يكون إلا بالترافع أمام القاضي وهي دعوى غير بعيدة لاسيما مع ما هو المشاهد خارجاً حتى في هذه الأعصار بأن من يريد أن يُنهي نزاعه مع خصمه بنحو ملزم شرعاً يتوجّه إلى القضاء فقوله (عليه السلام) : (فيمين المدّعي فإن حلف فلا حقّ له) - مثلاً وإن كان مطلقاً إلا أنه منصرف الى خصوص اليمين في مجلس القضاء المطلوب من قبل الشارع المقدّس ومثل هذه اليمين هي التي تسقط الحقّ وتذهب بالدعوى .
 وثانياً : لو تنزّلنا عمّا سبق وسلّمنا بوجود الإطلاق في هذه الروايات إلا أنه مع ذلك لا يمكن التمسّك به وذلك لعدم كون هذه الروايات في مقام البيان من الجهة التي نريد أن نتمسك بالإطلاق لأجلها وإنما هي في مقام بيان تصديق الحالف وترتيب الاثر على يمينه وليست ناظرة إلى ملابسات حلفه من ذكر الشروط المعتبرة في تصديقه وهل أن المعتبر فيه حصوله داخل المرافعة وأمام القاضي أم لا يُعتبر فيه ذلك فليست هي ناظرة إلى هذه الجهة ليصحّ التمسّك بإطلاقها .
 وثالثاً : مع الغضّ عمّا ذُكر والتسليم بكون الروايات المتقدّمة في مقام البيان من الجهة المبحوث عنها فيمكن أن يقال إن إطلاقها مقيّد بصحيحة سليمان بن خالد التي مفادها أن التحليف الشرعي الذي يترتب عليه الأثر هو وظيفة الحاكم لا المدّعي .
 فتحصّل من جميع ما تقدّم أن الأثر وهو سقوط حقّ المدّعي وذهاب الدعوى - إنما يترتب على إحلاف الحاكم للمنكر بإذن من المدّعي وطلبه بحيث لا يجوز له المطالبة ولا التقاصّ ولا إقامة دعوى بعده ولا يترتب على يمين المنكر إذا كان خارج الدعوى والمرافعة .


[1] وهو الحلف خارج المرافعة .
[2] الكافي مج7 ص438 .
[3] أي الشيخ الكليني (قده) .
[4] المصدر السابق .
[5] أقول : وجه الاستدلال بهاتين الروايتين هو قوله (فليصدق) حيث قرأها سماحة شيخنا الأستاذ (دامت بركاته) بصيغة الأمر من المضعّف المبني للمفعول أي بضمّ الياء وفتح الدال المضعّفة وهو خلاف الظاهر جداً بل اللفظ إنما هو بصيغة الأمر من الصحيح المبني للفاعل أي بفتح الياء وضمّ الدال المخفّفة والشاهد على ذلك هو السياق في الروايتين وقوله في الرواية الثانية : (ومن لم يصدق فليس من الله) إذ لا معنى لحملها على القراءة الأولى فتدبّر !
[6] وهو ما ذُكر سابقاً من كون هذه الفقرة التي استشهد بها الإمام (عليه السلام) بمثابة كبرى كلية طُبّقت على مورد لها والمورد لا يُخصِّص الوارد فيصح تطبيقها على مورد آخر ولو كان مغايراً ما دامت شاملة له بإطلاقها .
[7] بناء على كون الفقرة المعهودة تتمة للمعتبرة كما أشار إليه صاحب الوسائل بقوله : (وزاد - يعني الصدوق في الفقيه - ..) ثم ذكر تلك الفقرة .
[8] يعني أصالة الزيادة أو أصالة النقيصة .
[9] أي احتمال الزيادة واحتمال النقيصة .
[10] أي طلب المدّعي من الحاكم استحلاف المنكر .
[11] أي استحلاف المدّعي للمنكر .
[12] يعني إطلاق الاستحلاف الشامل لكونه داخل المرافعة أو خارجها .
[13] أي من حيث التوثيق .
[14] وهو الحلف خارج المرافعة .