38/01/16


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

38/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- خــتــام.

الى هنا قد تبين أن المالك إذا دفع مالا الى الفقير بعنوان الزكاة ، فان نوى انه بديل عن زكاة هذه السنة فهو يحسب منها وإن نوى انه بديل عن زكاة السنة السابقة فهو يحسب منها وهذا لا اشكال فيه ، وأما إذا لم يعين ولم ينوي التعيين ودفع مالا بعنوان الزكاة الى الفقير ولم يعين انه بدل عن زكاة هذه السنة او بدل عن زكاة السنة السابقة كما اذا فرضنا انه أعطى الزكاة من جنس آخر ـــ على المشهور مطلقا يجوز ان يعطي الزكاة من جنس آخر سواء أكان من النقدين ام كان من غيرهما وأما على المختار فجواز اعطاء الزكاة من جنس اخر مختص بالنقدين فقط وفي الغلاة الاربعة واما في الانعام الثلاثة فلا يجوز التبديل ولو قيمتها من احد النقدين ـــ ولم ينوي انه من زكاة هذه السنة او من زكاة السنة السابقة فالماتن حكم بالتوزيع إذ لا يمكن تطبيقه على زكاة هذه السنة دون السابقة لأنه ترجيح من غير مرجح ولا يمكن تطبيقه على زكاة السنة السابقة دون هذه السنة لأنه ترجيح بلا مرجح فان نسبة المدفوع الى كلٍ من الزكاتين نسبة واحدة ، فالترجيح بحاجة الى تعيين ومع عدم التعيين فلا ترجيح ، اذن بطبيعة الحال ينطبق على كلتا الزكاتين بنحو التوزيع بالنسبة ، ولا مانع من ذلك لان الزكاة تختلف عن الاحكام التكليفية فان الزكاة تنحل بانحلال اجزائها فتثبت لكل جزء من اجزائها ملكية مستقلة ، فاذا فرضنا ان زكاة المالك عشرة امنان من الحنطة فله ان يدفع منا الى الفقير لان المن له ملكية مستقله وكذا المن الثاني وكذا نصف المن وربع المن وخمس المن له ملكية مستقلة ، فالزكاة تنحل حقيقة بانحلال اجزائها فتثبت لكل جزء من اجزائها ملكية مستقلة بينما الاحكام التكليفية ليست كذلك فان الصلاة وجوبها لا ينحل بانحلال اجزائها فلا يثبت لكل جزء من اجزائها وجوب نفسي مستقل فالوجوب النفسي المستقل ثبت لمجموع الاجزاء لا لكل جزء من اجزاء الصلاة وهكذا الحال في الصيام وغيرهما.

وكذا ان الزكاة تنحل بانحلال افرادها في الخارج واما وجوب الصلاة فلا ينحل بانحلال افرادها ، فان الوجوب تعلق بطبيعي الصلاة بنحو صرف الوجود وهذا الوجوب لا يسري الى افراد الصلاة فكل فرد من افراد الصلاة مصداق للصلاة والصلاة المأمور بها تنطبق عليه ومن هذا الانطباق يكشف صحة الصلاة ، فاذا انطبقت الصلاة على الفرد الماتي به في الخارج فالصلاة محكومة بالصحة.

نعم وجوب الصلاة ينحل بانحلال موضوعها أي بانحلال افراد المكلف فوجوب الصلاة ثابت على كل مكلف بنحو الاستقلال ولا يرتبط بوجوبها على مكلف اخر ، اذن وجوب الصلاة ينحل بانحلال موضوعه ولا ينحل بانحلال متعلقه أي الصلاة كما انه لا ينحل بانحلال اجزائه.

ولكن الامر في الاحكام الوضعية ليس كذلك ، فان الزكاة تنحل بانحلال اجزائه ومقاديره ، فان الزكاة اذا كانت متعلقة بالحنطة فعشره ملك للفقير وتسعة اعشار ملك للمالك ، حتى عشر حنطة واحدة(حبة واحدة) فعشره ملك للفقير وتسعة اعشار ملك للمالك ملكية مستقلة لا ترتبط بملكية أخرى ، فان هذا معنى الانحلال ، وعلى هذا فلا مانع من انطباق زكاة هذه السنة وزكاة السنة السابقة على المدفوع الى الفقير بعنوان الزكاة فان المدفوع الى الفقير بعنوان الزكاة مصداق لكلتا الزكاتين ، فزكاة كلتا السنتين توزع على المدفوع بالنسبة فاذا كانت زكاة السنة الاولى مساوية لزكاة السنة الثانية فتوزع النصف بالنصف واذا كانت زكاة السنة الاولى أكثر من زكاة السنة الثانية بالثلثين والثالث فتوزع بينهما بالثلثين والثلث ، وذكرنا ان السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) قد مثّل مثالا لتقريب ذلك وهو ما اذا كان زيد مديونا لعمر عشرة دنانير ومديونا لبكر عشر دنانير ولهما وكيل واحد فاذا دفع زيد عشر دنانير لوكيلهما بعنوان سداد الدين بدون تعيين فهو مصداق لكلا الدينين ويوزع كلا الدينين عليه بالنسبة أي خمسة دنانير لعمر وخمسة دنانير لبكر ، هذا المثال متين.

ولكن المقام ليس كذلك فان المدفوع ليس مصداق الزكاة بل المدفوع بدل عن الزكاة وعوض عن الزكاة لا مصداق الزكاة ، فان المالك دفع زكاته من جنس اخر والجنس الاخر بديل عن زكاته وعوض عنها ، فاذا كان بديلا فهو بحاجة الى القصد فان البدلية لا تتحقق بدون القصد فان القصد مقوم للبدلية فالمعاوضة والمبادلة متقومة بالقصد لأنها امور انشائية وليست امور اخبارية ، والمفروض ان المالك لم يقصد البدلية أي لم يقصد ان هذا المدفوع بدل عن زكاة هذه السنة او بدل عن زكاة السنة السابقة فاذا لم يقصد البدلية لم يقع المدفوع بدلا عن زكاة هذه السنة ولا عن زكاة السنة السابقة لان البدلية متقومة بالقصد ، اذن لا يكون المدفوع بدلا عن زكاة هذه السنة ولا عن زكاة السنة السابقة ، كما هو الحال في العبادات فقصد صلاة الظهر بعنوان الظهر مقوم او قصد صلاة العصر بعنوان العصر مقوم فلو صلى اربع ركعات لم يقصد الظهر ولا العصر لم يقع شيء منهما.

هذا تمام كلامنا في هذه المسالة.

قال السيد الماتن (قدس الله نفسه) : الرابعة عشر: في المزارعة الفاسدة الزكاة مع بلوغ النصاب على صاحب البذر وفي الصحيحة منها عليهما إذا بلغ نصيب كل منهما، وإن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما وإن بلغ المجموع النصاب))[1] .

اذن المزارعة اذا كانت صحيحة فالزكاة على المالك والزارع معا واذا كانت فاسدة فللزارع اجرة المثل فقط ولا يكون شريكا في الزرع بل الزرع كله لمالك البذر والزكاة عليه اذا كان الحاصل بلغ حد النصاب ، اما الزارع فله اجرة المثل فقط.

قال السيد الماتن (قدس الله نفسه): الخامسة عشر: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة ويصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلا بصرف مال ولم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطر لا يمكنه إعانته ورفع اضطراره إلا بذلك، أو ابن سبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك وكان لا يمكن تأخيره فحينئذ يستدين على الزكاة ويصرف، وبعد حصولها يؤدي الدين منها، وإذا أعطى فقيرا من هذا الوجه وصار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه إذ المفروض أنه أعطاه بعنوان الزكاة ، وليس هذا من باب إقراض الفقير والاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمة الفقير بخلاف المقام، فإن الدين على الزكاة ولا يضر عدم كون الزكاة ذات ذمة تشتغل ، لأن هذه الأمور اعتبارية، والعقلاء يصححون هذا الاعتبار، ونظيره استدانة متولي الوقف لتعميره ثم الأداء بعد ذلك من نمائه، مع أنه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمة أرباب الزكاة من الفقراء والغارمين وأبناء السبيل من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، وذلك مثل ملكيتهم للزكاة فإنها ملك لنوع المستحقين ، فالدين أيضا على نوعهم من حيث إنهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم، ويجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة، وعلى المستحقين بقصد الأداء من مالهم، ولكن في الحقيقة هذا أيضا يرجع إلى الوجه الأول وهل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان ويجري جميع ما ذكرنا في الخمس والمظالم ونحوهما))[2] .