33/01/22


تحمیل
  (بحث يوم الأحد 22 محرم الحرام 1433 ه 46)
 كان الكلام في حال سعد الإسكاف حيث ذكرنا بأن ابن الغضائري ضعّفه وفي المقابل قال عنه الشيخ الطوسي (قده) بأنه صحيح الحديث ، وقلنا إنه إذا اعتمدنا تضعيفات ابن الغضائري فيقع التعارض حينئذ بين التوثيق والتضعيف ، وإن لم نعتمدها من جهة الشكّ في نسبة الكتاب إليه - كما ذهب إلى ذلك بعضهم - فحينئذ ينفرد توثيق الشيخ الطوسي فيُبنى عليه .
 وقد تقدّم طرح التشكيك في دلالة قوله : (صحيح الحديث) على التوثيق بدعوى أن صحة الحديث عند القدماء لا تعني وثاقة الراوي بل هي أعمّ منها فقد يكون الحديث صحيحاً من دون أن يكون راويه ثقة وذلك لوجود قرائن خارجية تدل على صحته ومطابقته للواقع .
 ولكن والصحيح أن يقال : إن الصحة تارة تكون وصفاً للحديث فهنا ينفتح المجال لما تقدّم ذكره من اختلاف معنى الصحة بين القدماء والمتأخرين وما يترتّب على كل منهما من حيث وثاقة الراوي [1] ، وأخرى تكون وصفاً للمحدِّث فيتعيّن هنا أن يكون المراد بالحديث معناه اللغوي وهو النقل والإخبار والتحديث لا الحديث الاصطلاحي - الذي بمعنى الرواية - فيكون وصف الحديث بالصحة كناية عن صدق المحدِّث ووثاقته .
 وما نقوله هنا هو أنه على كلا التقديرين أي سواء كانت الصحة صفة للحديث أو كانت صفة للمحدّث - فيمكن الاستدلال بها على الوثاقة :
 أما على التقدير الثاني فواضح لأنها كما ذكرنا - تكون كناية عن صدق المحدِّث في حديثه وإخباره ونقله فتكون دالة على وثاقته .
 وأما على التقدير الأول [2] فالظاهر إمكان استفادة الوثوق منها أيضاً وذلك لأنه لا يقال : (فلان صحيح الحديث) إلا بعد انتزاع الصحة من عموم أحاديثه وعدم اختصاصها ببعض دون بعض وعلى ذلك فالحكم بصحة أحاديث من قيلت هذه العبارة بحقه إما أن يكون مستنداً إلى وثاقته وتحرّزه عن الكذب فيثبت المطلوب [3] ، وإما أن يكون مستنداً إلى قرائن خارجية جُمعت واستفيد منها صحة الحديث ومطابقته للواقع .
 ولمّا كان هذا الاحتمال [4] يستلزم افتراض ملاحظة جميع روايات هذا الشخص وأن كل واحدة من هذه الروايات تشتمل على قرينة - على الأقلّ - من القرائن الموجبة لإحراز الصحة والمطابقة للواقع كان لا ريب بعيداً في حدّ نفسه ومخالفاً للظاهر ومفتقداً للدليل عليه إثباتاً .
 وهذا بخلاف الاحتمال الأول الذي يُفسّر لنا الحكم بصحة أحاديثه جميعاً ومطابقتها للواقع وأن مرجعها إلى كونه ثقة لا إلى أيّ افتراض زائد .
 والنتيجة أن قولهم : (صحيح الحديث) يدلّ على وثاقة الشخص والركون إليه والاعتماد عليه سواء كان وصفاً للحديث أم كان وصفاً للمحدِّث وهو الأرجح بحسب ظاهر الكلام - بلا فرق في هذا [5] بين القدماء والمتأخرين .
 وفي ضوء ذلك يثبت توثيق الشيخ الطوسي لسعد الإسكاف .. ولكنه معارض كما ذكرنا بتضعيف ابن الغضائري ، ولمّا كانت تضعيفاته محلّ اعتماد [6] فيقع التعارض حينئذ بين التوثيق والتضعيف وعلى ذلك تواجه الرواية مشكلة عدم ثبوت وثاقة سعد الإسكاف الواقع في السند .
 ثم يقع الكلام في رجل آخر وقع في السند أيضاً وهو محمد بن سنان فقد ذكرنا سابقاً أن الظاهر أن المراد بابن سنان في الرواية هو محمد بن سنان لا عبد الله بن سنان (المفروغ عن وثاقته) ، ومن هنا لا بد من البحث عن حال هذا الرجل فأقول :
 قد اختلفت الأقوال في محمد بن سنان كثيراً حتى إن الشخص الواحد ربما تكون له فيه أقوال متعددة فتارة يُضعّفه وأخرى يوثّقه وتارة يروي عنه وأخرى يردّ الرواية بسببه ، وهذا الاختلاف ليس حادثاً بل هو قديم ولا بد لمعرفة السرّ فيه من استنطاق الكلمات التي قيلت في حقه .. ولنبدأ أولاً بذكر الروايات التي اشتملت على تضعيف الرجل ثم نتلو ذلك بذكر أسماء المضعّفين له والقادحين ونقل كلماتهم وتحليلها لمعرفة هل أن لها ظهوراً في التضعيف أم يمكن حملها على محامل لا تنافي الوثاقة فهنا خمسة روايات :
 الأولى : ما رواه الكشي عن حمدويه :
 " قال : كتبت أحاديث محمد بن سنان عن أيوب بن نوح ، وقال [7] : لا أستحلّ أن أروي أحاديث محمد بن سنان " [8] .
 والراوي وهو حمدويه قال الشيخ الطوسي (قده) عنه : " حمدويه بن نصير بن شاهي ، سمع يعقوب بن يزيد ، روى عن العياشي ، يكنى أبا الحسن ، عديم النظير في زمانه ، كثير العلم والرواية ، ثقة، حسن المذهب " [9] .
 الثانية : ما رواه أحمد ابن محمد بن عيسى :
 " قال : كنّا عند صفوان بن يحيى فذكر محمد بن سنان فقال : إن محمد بن سنان كان من الطيارة فقصصناه " [10] .
 الثالثة : ما رواه عبد الله بن محمد بن عيسى الأسدي الملقب ببنان :
 " قال : كنت مع صفوان بن يحيى بالكوفة في منزل ، إذ دخل علينا محمد بن سنان ، فقال صفوان : هذا ابن سنان لقد همّ أن يطير غير مرة فقصصناه حتى ثبت معنا " [11] .
 الرابعة : ما رواه ابن قتيبة النيسابوري :
 " قال : قال : أبو محمد الفضل بن شاذان : رُدّوا أحاديث محمد بن سنان ، وقال : لا أحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمتُ حياً ، وأذن أي الفضل - في الرواية بعد موته " [12] .
 الخامسة : ما رواه الكشي عن محمد بن مسعود :
 " قال : قال عبد الله بن حمدويه : سمعت الفضل بن شاذان ، يقول : لا أستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان " [13] .
 هذه هي الروايات الواردة في ذمّ الرجل وتضعيفه .
 وأما المضعّفون له والقادحون وكلماتهم في هذا الصدد فعلى النحو الآتي :
 الفضل بن شاذان : وهو أول القادحين في محمد بن سنان وأقدمهم وقد نقل الكشي كلماته في ذمّه وطريق بعض هذه النقول صحيح ومعتبر فمنها قوله : " وذكر الفضل في بعض كتبه : أن من الكاذبين المشهورين ابن سنان وليس بعبد الله " [14] .
 أيوب بن نوح : قال الكشي : " ذكر حمدويه بن نصير أن أيوب بن نوح دفع إليه دفتراً فيه أحاديث محمد بن سنان ، فقال لنا : إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا ، فإني كتبت عن محمد بن سنان ولكن لا أروي لك أنا عنه شيئاً ، فإنه قال [15] قبل موته : كلما حدثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية إنما وجدته " [16] .
 فيتبيّن من هذا النصّ أن أيوب بن نوح يستشكل في أن يروي عن محمد بن سنان لأن مروياته كانت عن طريق الوجادة أي أنه وجدها في كُتُب ثم نقلها - .
 الكشي : حيث رماه في عدة مواضع بالغلوّ ففي ترجمة المفضّل بن عمر في حديثٍ يقول : " حدثني أبو القاسم نصر بن الصباح وكان غالياً ، قال : حدثني أبو يعقوب بن محمد البصري ، وهو غالٍ ركنٌ من أركانهم أيضاً ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن شمّون ، وهو أيضاً منهم ، قال : حدثني محمد بن سنان وهو كذلك " [17] .
 أي غالٍ مثلهم فهذه شهادة من قبل الكشي بأن محمد بن سنان من الغلاة فيقال إن هذا يوجب القدح فيه .
 ولكن هذا ليس بشيء إذ من الواضح كما عليه رأي المحقّقين أن الغلوّ لا يؤثر في الوثاقة في ما لو دلّ عليها دليل .
 النجاشي : حيث قدح فيه في موضعين :
 الأول : في ترجمته له إذ قال : " قال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد (وهو ابن عقدة) أنه [18] روى عن الرضا (عليه السلام) ، قال : وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جداً لا يعول عليه ولا يلتفت إلى ما تفرد به .. " [19] .
 واستشكل بعضهم في نسبة هذه العبارة للنجاشي فنسبها لابن عقدة إلا أنه غير ضائرٍ في المقام للبناء على الأخذ بتضعيفات ابن عقدة .
 الثاني : في ترجمته لميّاح المدائني حيث قال : " ميّاح المدائني ضعيف جداً ، له كتاب يعرف برسالة ميّاح ، وطريقها أضعف منها ، وهو محمد بن سنان " [20] .
 ابن الغضائري : حيث نقل العلامة في الخلاصة عنه قوله بحق الرجل : " ضعيفٌ لا يُلتفت إليه " .
 الشيخ الطوسي : حيث ضعّفه في عدة موارد ، منها قوله : " وقد طُعن عليه وضُعّف " [21] ، ومنها قوله : " محمد بن سنان مطعون عليه ضعيف جداً " [22] .
 وقد يقال هنا إنه لم يظهر كونه بانياً على ضعفه حيث ألقى عهدة التضعيف على الغير .
 ولكن لو تمّ هذا فإنه غير ضائر لتصريحه بضعفه في رجاله فبعد أن عدّه من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) قال : " محمد بن سنان ضعيف " .
 وهناك الكثير بعد طبقة الشيخ ممن ضعّف محمد بن سنان كالمحقق والشيخ ابن سعيد الحلي في نزهة الناظر والعلامة وابن داوود وغيرهم من المتأخرين .
 وللكلام بقية ستأتي إن شاء الله تعالى .


[1] أما عند القدماء فتكون صحة الحديث أعمّ من الوثاقة فلا يمكن إثباتها بها وأما عند المتأخرين فيمكن ذلك بل يلزم .
[2] أي أن تكون صفة للحديث .
[3] أي وثاقة الشخص الذي وُصف بكونه صحيح الحديث .
[4] أي الثاني .
[5] أي في النتيجة المذكورة وهي دلالة قولهم : (صحيح الحديث) على وثاقة من قيلت بحقّه .
[6] فنحن نأخذ بتضعيفات ابن الغضائري كما ذكرناه في محلّه - وهي منقولة إلينا من خلال الخلاصة للعلامة ورجال ابن داوود وحلّ الإشكال للسيد ابن طاووس ومجمع الرجال للقهبائي ، فما ينقلونه هؤلاء الأعلام (رض) عن كتابه نأخذ به ونعدّه موجوداً حقيقة في كتابه (الضعفاء) لثبوت كون الكتاب له وأنه وصل بشكل أو بآخر مع قرائن دالة على أنه نفس الكتاب الذي ألّفه ابن الغضائري كان قد وصل إلى السيد ابن طاووس .
[7] يعني أيوب بن نوح .
[8] اختيار معرفة الرجال مج2 ص687 .
[9] رجال الطوسي ص421 .
[10] اختيار معرفة الرجال مج2 ص795 .
[11] اختيار معرفة الرجال مج2 ص796 .
[12] المصدر السابق ص795 .
[13] المصدر السابق ، ويعني بقوله : (وليس بعبد الله ) أنه محمد بن سنان وليس عبد الله بن سنان .
[14] المصدر السابق .
[15] يعني محمد بن سنان .
[16] يعني بطريق الوجادة وهي إحدى طرق تحمّل الحديث (ومنها القراءة والسماع والإجازة) .
[17] اختيار معرفة الرجال مج2 ص613 .
[18] أي محمد بن سنان .
[19] رجال النجاشي ص328 .
[20] رجال النجاشي ص425 .
[21] الفهرست ص219 .
[22] التهذيب مج7 ص361 ، الاستبصار مج3 ص224 .