37/08/08


تحمیل

الموضوع:- أوراق اليانصيب - مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

وإن شئت قلت:- إنّ هذه الرواية هي بالتالي مطلقة من حيث وجوب التصدّق وإنما ذكرت وجوب الطلب فقط وصحيحة يونس بن عبد الرحمن مقيّدة حيث قالت اطلب فإن حصل اليأس فتصدّق فتكون تلك مقيّدة لهذه فلا مشكلة علميّة من هذه الناحية ، هذه تكملة وتوضيح ، وقلنا إنَّ الجواب الثاني واضحٌ حيث قلنا إنَّ احتمال التعبّدية في الطلب ليس موجوداً.

وألفت النظر أيضاً إلى قضيتين ترتبطان بهذه الرواية:-

القضية الأولى:- إنَّ فيها شيئاً من التنافي من حيث التعبير حيث إنها قالت ( رجلٌ كان له على رجلٍ حقٌ ففقده[1] ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحيّ هو أم ميّت ولا يعرف له داراً ولا نسباً ولا ولدا ) فإلى الآن السؤال هو كلّي في كلّي يعني هناك شخص مطلوبٌ لشخصٍ ، ثم بعد ذلك قال الإمام عليه السلام ( اطلب ) وهذا لا معنى له فإنّ ظاهر ( اطلب ) هو لمعاوية بن وهب الذي هو السائل والحال أنّ معاوية ليس هو صاحب القضيّة فاطلب لا معنى له ، وكان من المناسب أن يقول ( فليطلب ) مثلاً ، فإذن هذا نحوٌ من التنافي ، فإذا فرض أنَّ كان معاوية بن وهب هو صاحب القضيّة فمن المناسب أن يقول له الإمام ليه السلام ( اطلب ) ونقول إنّ الإمام عرف منه أنه متساهلٌ ففكرة أنه متساهل تأتي هنا فلذلك الامام أكد عليه مرّة ثانية ولم يأمره بالتصدّق ، ولكن لا معنى لفرض كونه متساهلاً بعد فرض كونه ليس صاحب القضية ، وعلى أيّ حال هذا نحو تهافت يسجّل على هذه الرواية.

وقد نقلها الكليني كذلك والشيخ الطوسي في كتابيه وكذلك صاحب الوسائل ، نعم الصدوق في الفقيه نقلها بهذا الشكل:- ( وروى يونس بن عبد الرحمن عن ابن عون عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل كان له على رجلٍ حقٌّ ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحيٌّ هو أم ميّت ولا يعرف له وارثاً ولا ولداً ولا نسباً ، فقال:- يطلب ، قال:- إن كان ذلك قد طال عليه فيتصدّق به ، قال:- يطلب )[2] ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نقول إنّ الامام عليه السلام عرف أنَّ هذا الطرف متساهلاً أو احتمل أنه متساهل ، بل المناسب أن نقول نعم هي أوجبت الطلب ولكن تقيَّد بتلك الرواية ، ففكرة أنه يحتمل أنّ الامام رآه متساهلاً لا نأتي بها في هذا المجال.

وعلى أيّ حال الجواب يبقى نفس الجواب تقريباً ولكن أردت أن ألفت النظر إلى ألفاظ الرواية وإلى أنها كيف نُقِلت ، ولعلّه من هنا يقول البعض إنَّ الصدوق أضبط من غيره ، يعني توجد موارد من هذا القبيل قد تشكّل أضبطية الصدوق ونحن الآن لسنا بصددها وإنما أردت بيان واقع الحال.

القضية الثانية:- إنّ الرواية كان سندها هكذا:- بالإسناد عن ( يونس عن أبي ثابت وابن عون عن معاوية بن وهب ) ، ونحن قلنا إنّ أبو ثابت وابن عن مجهولان ولم يوثّقا، ولكن ربما يقال أنّ أبا ثابت هو خطأ والصواب هو ابن ثابت ، وثابت هو أبو حمزة الثمالي واسمه ثابت بن دينار وعليه فسوف يصير ابن ثابت هو محمد بن أبي حمزة الثمالي - وعنده أخوةٌ ايضاً حسن وحسين أو علي أيضاً - فالمقصود هو محمد بن أبي حمزة هو ابن ثابت ولكن حصل تصحيفٌ فبدل أن يكتب ابن ثابت كتب عن أبي ثابت وابن عمرو ، ومحمد بن أبي حمزة وإن لم يوثقه النجاشي ولا الشيخ الطوسي ألا أنّ الكشي نقل عن شيخه حمدويه بن نصير وهو من الثقات حيث سأله عنهم - أي عن محمد بن أبي حمزة واخوته ووالده - فقال ( كلهّم فضلاء ثقات ) ، فإذن هو رجلٌ ثقة.

يبقى أنه من أين لك أنّ الصواب هو ابن ثابت وأنه هو محمد بن أبي حمزة الثمالي فإنّ هذا مجرّد احتمال ولا توجد قرينة مؤيدة على ذلك ؟

والجواب:- إنّ القرينة المساعدة على ذلك هي أنّ محمد بن أبي حمزة الثمالي يروي عن معاوية بن وهب وهذا يصلح أن يشكّل قرينةً في هذا المجال ، هكذا ذكر ملا محمد الأردبيلي في جامع الرواة[3] وهذه التفاتة لا بأس بها ، ولكن هذا لا يعدو أنه يفيد الظن ، وهذه نقطة جانبية أحببت الاشارة إليها.

وهناك رواية أخرى معارضة إلى صحيحة يونس أيضاً:- ولكن مضمونها على عكس رواية معاوية بن وهب ، فرواية معاوين بن وهب قالت ( يطلب ) وسكتت عن التصدّق ، وهذه قال فالإمام عليه السلام فيها ابتداءً ( تصدّق ) ولم يذكر لزوم الطلب ، وهي رواية أبي علي بن راشد:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام قلت:- جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفّرت المال خُبِّرتُ أنّ الأرض وقفٌ ، فقال:- لا يجوز شراء الوقوف ولا تدخل الغلّة في ملكك ادفعها إلى من أوقفت عليه ، قلت:- لا أعرف لها ربّاً ، قال:- تصدّق بغلّتها )[4] .

وهي إن تمّت سنداً فهي قابلة للحمل على حالة عدم إمكان العثور والفحص لأنه قال ( لا أعرف لها ربّاً ) فهنا الإمام عليه السلام أمر بالتصدّق ، وعلى أيّ حال هي مطلقة وقابلة لأن تقيّد بصحيحة يونس فلا مشكلة إذن من ناحية هذه الرواية بعد إمكان التقييد.

نعم سندها هكذا:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد:- سألت أبا الحسن ... ) ، والمشكلة أوّلاً في محمّد بن جعفر الرزاز الذي يروي عنه الشيخ الكليني في أكثر من موضع من الكافي ولا أقول روايات كثيرة ولكنها ليست بالقليلة جداً ، ولعله يذكره بأسماء مختلفة ولكن الرجل لا يوجد في حقّه توثيق ، فإذا اكتفينا بكون الكليني حيث إنه يروي عنه في موارد متعدّدة فنستفيد وثاقته فلا بأس بذلك.

نعم أنا أقول هذا المطلب - وهو كفاية نقل الكليني عنه في التوثيق - فيمن يكثر الكليني الرواية عنه مثل محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان فهذا كثيراً ما ورد في الكافي فهنا لا بأس بأن نقول إنّ هذه الكثرة الكاثرة من الكليني عن محمد بن اسماعيل ليس من البعيد أنه يراه ثقة وإلا فالإكثار لا داعي إليه فإنّ العاقل لا يُقدِم على ذلك ، أمّا محمد بن جعفر الرزاز فليست له كثرة بهذا الشكل فلذلك نحن من المتوقّفين من ناحيته.

والثاني هو أبو علي بن راشد ، وهو كنية للحسن بن راشد ، والحسن بن راشد متعدّد بعضهم ثقة وبعضهم ليس بثقة والتشخيص لعلّه صعبٌ بأنّ هذا هو الثقة ، فلأجل هذا توجد مشكلتان في هذه الرواية ، فإذن هي من حيث السند قد يناقش فيها ، وبهذا الاعتبار سوف يكون دفع الاشكال من ناحية هذه الرواية أسهل وأوضح.

هذا كلّه من حيث النكتة الأولى ومحصّلها إنه يوجد فرقٌ بين موضوع مجهول المالك وبين موضوع اللقطة كما أشرت وحكم مجهول المالك هو الفحص ثم بعد اليأس التصدّق والروايتان المعارضتان قابلتان للتقييد.

النكتة الثانية:- هناك روايات تدلّ على أنّ حكم مجهول المالك ليس هو الطلب ولا التصدّق بل هو شيء آخر كأن تدفع الخمس مثلاً فيحلّ لك الباقي ، وبعضها يدلّ على أنّ حكم مجهول المالك حكم اللقطة - يعني يعرّف سنة كما في اللقطة - ، وبعضها يدلّ على أنّ الحكم هو الوصية بها - يعني أنا أحافظ عليها وأفحص عن صاحبها وأكتب في الوصية إلى أولادي أنّ هذه مملوكة للغير وأولادي يفعلون كما فعلت وهكذا الجيل الثالث والرابع إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها - ، وهذا كلّه يحتاج إلى بينانٍ ولكن نحن نرجئ بيان ذلك إلى مبحثٍ أوسع عن مجهول المالك ولعلّه يأتينا في جوائز السلطان في مسألة ( 39 ) ، وأما الآن فأردت أن أبيّن لكم باختصار أنه توجد هذه المعارضات ولابدّ من العلاج.

النكتة الثالثة:- لو فرض أنّا كنّا نعرف المالك ولكن لا يمكن الوصول إليه كأن كان شخصاً من الزوّار قد جاء إلى بيتنا وعرفناه وجلسنا معه يوماً وهو في بلدة كذا ولكنه سافر وانقطعت أخباره ولا نعرف عنه شيئاً سوى أنه فلان بن فلان من أيران مثلاً فعلى هذا الأساس ما هو حكمه ؟

والجواب:- مادام يتعذّر الوصول إليه فهو بحكم مجهول المالك وإن كان معلوم المالك ، وذلك لوجهين:-

الأوّل:- إنّ مجهولية المالك لا نحتمل الموضوعية والخصوصية لها ، فإذا كان معلوم النسب ولكن لا يمكن الوصول إليه فلا فرق بينه وبين مجهول المالك ، فإنه لا يحتمل الخصوصية لجهالة الشخص فحكم معلوم المالك إذا لم يمكن الوصول إليه هو حكم مجهول المالك ، يعني لإلغاء الخصوصية من هذه الناحية.

الوجه الثاني:- إنّ صحيحة يونس حينما فرض يونس أنه لا يمكن الوصول إلى هذا الرفيق حيث قال ( كان لنا بمكة ) يعني هو يعرفه ولكن حينما فرض أنه لا يمكن الوصول إليه فالإمام عليه السلام قال له إذن تصدّق رغم أنّ صاحب المال كان معلوماً.

ولصاحب الجواهر(قده) رأيٌ في باب سهم الامام عليه السلام حيث يقول:- إنّ سهم الإمام عليه السلام هو راجع إلى منصب الامام ولكن ماذا نفعل له ؟ قال:- نطبّق عليه حكم مجهول المالك ، فهو(قده) مال إلى ذلك حيث قال صحيحٌ أنّا نعرف نسبه ولكن بالتالي لا يمكن أن نوصله إليه فيدور الأمر بين أن ندفن هذا المال أو نطرحه في البحر وكلّ هذا تعريضٌ للمال للإتلاف فنطبّق عليه حكم مجهول المالك ، ونصّ عبارته:- ( وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجذي )[5] .

وأنا لا أريد بحث أنه هل نطبّق حكم مجهول المالك على سهم الامام عليه السلام أو لا ولكن المقصود أنّ صاحب الجواهر(قده) ألغى أيضاً خصوصية معلوم النسب وطبّق فكرة مجهول المالك على معلوم النسب مادام لا يمكن الوصول إليه ، وأنا أردت التأييد بهذا المقدار لا أكثر.


[1] يعني أنَّ من له الحق قد فُقِدَ.
[3] جامع الرواة، ملا محمد الأردبيلي، ج2، ص431.