37/05/21


تحمیل
الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.
وربما يكون مقصوده(قده)[1]الاشارة إلى مطلب آخر:- وهو أن المورد يدخل في باب التزاحم، فيوجد تكليفان أحدهما حرمة التولي عن الجائر والثاني وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و...، وهذان لا يمكن امتثالهما معاً، فالأمر بالمعروف لا يمكن تحقيقه إلا بالتولي - أي إلا بارتكاب الحرام هكذا افترضنا -، فالمورد مورد التزاحم، وفي باب التزاحم الحكم يكون بملاحظة الملاك فإذا لم يكن هناك أهمية في الملاك لأحدهما بنحو الجزم أو الاحتمال فالمناسب التخيير.
وفي المقام لابد وأن نفترض فرضية حتى يتم التوجيه وهي أنّ مقتضي الأمر بالمعروف نحتمل أهميته أو هو أهم حتماً لكن الأهمية واعلائية الملاك ليست بدرجة ملزمة وجوبية وإنما هي بدرجة استحبابيّة، فإذا فرضنا هذه الفرضية يكون ما أفاده شيئاً تاماً وعلى طبق القواعد.
ولكن يرد عليه إشكالان:-
الاشكال الأوّل:- من أين عرفت أنّ ملاك الأمر بالمعروف وغيره هو أهم بدرجة استحبابية - أي غير ملزمة - ؟!، نعم بادئ ذي بدءٍ نحن في مقام توضيح التقريب قد افترضنا ذلك حتى يتم التوضيح، أما بعد أن صار التقريب واضحاً فسوف نوجّه عليه إشكالاتٍ، وهذا الاشكال هو أنه من أين عرفت أنّ ملاك الأمر بالمعروف وغيره هو بدرجة غير ملزمة فإنّ هذا لا دليل عليه.
الاشكال الثاني:- إنه من المناسب اختلاف الحكم باختلاف الموارد، فربّ موردٍ يكون الأمر بالمعروف هو الأهم، كما إذا فرض أنّ السلطان كان ظلمه وجوره خفيفاً والدخول معه والتولي له لا يشكّل سيئةً كبيرة ولو دخلنا فسوف يترتب إقامة المعروف في كلّ البلاد، فهنا نقول يصير الأمر بالمعروف أهم ملاكاً ولعله بدرجة وجوبيّةٍ ملزمةٍ، ولعله في مورد ثانٍ يكون بشكلٍ أخر، ولعله في مورد ثالث يكون بشكلٍ ثالث.
إذن لا يمكن أن نعطي قانوناً كلياً بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو دائماً أهم ملاكاً بدرجةٍ غير ملزمة، وعليه فلا يمكن أن نعطي ضابطاً موحّداً بلحاظ جميع الموارد.
الجواب الثاني:- ما ذكره السبزواري(قده)[2] حيث ذكر ما محصله:- إنّ وجوب الأمر بالمعروف نحتمل أنه مشروط بالقدرة، وحيث إنّ القدرة عليه ليست محرزة فلا يمكن أن يكون هو الواجب لاحتمال أنه مشروط بالقدرة وفي موردنا لا قدرة على الأمر بالمعروف لفرض أنّ الأمر بالمعروف موقوفٌ على التولي للجائر الذي هو محرّم، فبالتالي لا يكون مقدوراً، ولا يكون وجوبه ثابتاً.
إذن لا يحكم بوجوب التولي لعله من هذا الباب.
وما أفاده إن تم فغاية ما يثبت أنه لا يجب الأمر بالمعروف لاحتمال أنه مشروط بالقدرة ولا قدرة حيث إنّ التولي حرام والأمر بالمعروف موقوفٌ على التولي الذي هو حرام فلا قدرة على الأمر بالمعروف فلا يجب، أمّا أنّه بالتالي سوف يكون التولي مستحباً لإقامة الأمر بالمعروف فهذا لم تثبته !!
والشيء المهم عندنا هو أنهم كيف قالوا بالاستحباب، بل قصى ما هناك قولوا لا يجب التولي وبالتالي لا يجب الأمر بالمعروف، ونحن قبلنا بهذا إمّا للتعارض أو للتزاحم أو لغير ذلك، أمّا أن يصير مستحباً فلماذا ؟ فإنّ هذا هو الخفي، فما أفاده حتى لو تم فغاية ما يثبته هو نفي وجوب التولي، ونفي وجوب الأمر بالمعروف، لا أنه يثبت استحباب ذلك.
وناقشه الشيخ الأعظم(قده)[3]بما محصّله:- إنّ القدرة التي ابرزت احتمال أنها شرط في وجوب الأمر بالمعروف هل تقصد منها القدرة العقلية أو تقصد منها القدرة العرفية - وهو عبّر بالعرفية ولكن ليس من البعيد بقرينة العقلية أن يكون مقصودة من العرف الخاص يعني الشرعية فهو عرفٌ خاص - ؟
فإن كان مقصودك الأوّل - أي القدرة العقلية -:- فهي ثابتة حيث يمكن التولي فتتمكن من الأمر بالمعروف، فالقدرة العقلية موجودة .
وأذكر شيئاً لعلّ الشيخ لم يذكره هو أن نقول:- وإذا كان مقصودك هو القدرة العقلية فنحن نجزم باعتبارها في وجوب الأمر بالمعروف وليست هي من الأمور المشكوكة والمحتملة.
فإذا كان مقصودك القدرة العقلية فهي موجودةٌ لأنّه يمكن لك أن تتولى عن الجائر غايته هو محرّم والحرمة لا تنفي القدرة العقلية، فأنت قادر عقلاً على الأمر بالمعروف للقدرة على مقدّمته - يعني التولي للجائر -.
وإذا كان مقصودك القدرة الشرعية - يعني العرفية -:- فالشك في اعتبارها وأخذها في التكليف المذكور هو بنفسه كافٍ في الجزم بعدم اعتبارها وأخذها فيه، والنكتة في ذلك هي الاطلاق، فإنّ اطلاق دليل الأمر بالمعروف يثبت وجوب ذلك بشكلٍ مطلق، ولازم اطلاقه نفي ما زاد على القدر المتيقن، والقدر المتيقن هو القدرة العقلية، فما زاد عليه - وهو القدرة الشرعية - نشك فيه فنفيه بمقتضى الاطلاق، فمقتضى الاطلاق دليل الأمر بالمعروف هو أنّه واجبٌ حتى لو فرض عدم وجود قدرة عرفية وخرجنا عن الاطلاق بمقدار القدرة العقلية فهي معتبرة، فإذا لم تكن قدرة عقلية فلا وجوب للأمر بالمعروف، أما إذا كانت القدرة العقلية موجودة والقدرة الشرعية ليست موجودة فمقتضى إطلاق دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثبوت الوجوب، وبالتالي ينفي هذا الاطلاق اعتبار القدرة الشرعية في وجوب الأمر بالمعروف .
ثم قال:- وإذا ادّعيت الانصراف - يعني أنّ المنصرف من دليل الأمر بالمعروف هو حالة وجود القدرة الشرعية -، فهذا ممنوعٌ فإنّ الانصراف ليس بثابت.
ويرد عليه:- إنه ذكر أنّ القدرة الشرعية نشك في اعتبارها فينفى بالإطلاق، وهذه الطريقة والمنهجية صحيحة، وهذه القاعدة - التي هي ( كلّ قيد نشك في أخذه في وجوب الشيء فمقتضى الاطلاق اللفظي نفي اعتبار ذلك القيد ) - تامة من حيث الكبرى وهي شيءٌ وجيه.
ولكن نقول فائدة جانبية:- وهي أنّ مقتضى الأصل اللفظي في القيود التي نشك في اعتبارها في التكليف نفيها بالإطلاق، فإذا كان هناك قصورٌ في الاطلاق فنذهب إلى الأصل العملي وهو يقتضي نفي الوجوب، لأننا نشك في اعتبار هذا القيد وبالتالي لا نجزم بثبوت الوجوب فيكون مقتضى أصل البراءة نفي الوجوب.
والذي أريد أن أقوله:- هو أنّ هذه الكبرى الكلية التي ذكرها الشيخ الأعظم شيءٌ صحيح ومقبول، ولكن الذي نقوله للشيخ هو أننا لا نشك في اعتبار القدرة الشرعية في كلّ تكليفٍ، يعني في كلّ تكليفٍ من التكاليف كما أنّ القدرة العقلية معتبرة كذلك القدرة الشرعية معتبرة إلى جنبها أيضاً، وهذا ينبغي أن يكون من البديهيات الأوّلية وقضية ينبغي أن تكون متّقف عليها بين الجميع، فإن الحاكم باعتبار القدرة هو العقل، والعقل كما يقول باعتبار القدرة العقلية في التكليف يقول باعتبار القدرة الشرعية أيضاً، لأنه إذا كان هناك تكليف آخر يلزم عصيانه كيف يجب عليّ هذا التكليف بالفعل ؟! فكل تكليفٍ كما هو مشروط بالقدرة العقلية هو مشروط بعدم مزاحمته بتكليفٍ آخر - نعم تقيده بعدم مزاحمته بتكليفٍ أخر أهم فهذا لا بأس به -، وهذا من الأشياء التي ينبغي أن تكون واضحة، ونفس الشيخ الأعظم(قده) أيضاً كذلك يرى، والوجه في ذلك هو أنه يقول بامتناع توجّه الأمر بالتكليفين - يعني الأمر بالإزالة والأمر بالصلاة في آن واحد -، فإذا كانت القدرة الشرعية غير معتبرة وتكفي القدرة العقلية فالأمر بالمتزاحمين مثل الصلاة والازالة في آن واحدٍيلزم جوازهما لأنه توجد قدرة عقلية على الازالة، فاترك الصلاة أيها المكلف وأزل، ولكن سوف تقول يلزم عصيان الأمر بالصلاة، ولكن هذا معناه أنّ قدرةً شرعيةً ليست بموجودة، وهكذا توجد قدرة عقلية على الصلاة فاذهب أيها المكلف وصلّ، ولكن سوف تقول يلزم عصيان الأمر بالإزالة، فقدرةٌ شرعيّةٌ ليست بموجودة، ولأجل اعتبار القدرة الشرعية وإن لم يصرّح به الشيخ الأعظم(قده) منع من الأمرين الترتّبيّين، وهكذا الشيخ الخراساني(قده) حيث قالا لا يمكن الترتّب لأنه إذا عصى الأمر بالإزالة فسوف يكون مأموراً بالاثنين - بالصلاة وبالإزالة - إذ العصان لا يسقط الأمر بالإزالة، فيوجد أمرٌ بالإزالة ويوجد أمرٌ بالصلاة وهذا غير ممكن، ولأجل ذلك منعا من فكرة الترتّب.


[1] أي الشهيد الثاني(قده).
[2] كفاية الفقه، السبزواري، ص88.