37/05/20


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

دفع التعارض في مقامين:- هناك تعارض قد يتوهم في مقامين:-

المقام الأوّل:- ذكرنا فيما سبق عند إثبات حرمة الولاية عن الجائر أنه توجد مجموعة من الروايات تدلّ على تحريم التولي عن الجائر وذكرنا جملة منها:-

من قبيل:- صحيحة أبي بصير:- ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم فقال لي:- يا أبا محمد لا ولا مدّة قلم ، إن أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينة مثله )[1] ، وقد ناقشنا دلالتها على التحريم.

ومن قبيل:- رواية الوليد بن صبيح:- ( دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فاستقبلني زرارة من عنده فقال لي أبو عبد الله علي السلام:- يا وليد أما تعجب من زرارة يسألني عن أعمال هؤلاء ؟! أيّ شيءٍ كان يريد ؟ أيريد أن أقول له لا فيروي ذلك عليَّ ؟!! يا وليد:- متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟! إنما كانت الشيعة تقول يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ويستظل بظلهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا ؟!! )[2] .

ومن قبيل:- رواية حميد:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني وليت عملاً فهل لي من ذلك مخرج ، فقال:- ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه ، قلت:- فما ترى ؟ قال:- أرى أن تتقي الله عزّ وجلّ ولا تعد )[3] .

هذه روايات ذكرناها للاستدلال بها على حرمة الولاية وقد ناقشنا دلالتها على التحريم.

ولكن الآن لنفترض أنه يستفاد منها التحريم فحينئذٍ قد يقال هي سوف تتعارض مع الروايات التي ذكرناه لإثبات جواز الولاية لمصالح العباد:-

من قبيل:- صحيحة زيد الشحام:- ( سمعت الصادق عليه السلام يقول:- من تولى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في امور الناس كان حقاً على الله عزّ وجلّ أن يؤمن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة )[4] .

ومن قبيل:- وراية علي بن يقطين:- ( قال لي أبو الحسن:- إنّ لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه )[5] .

وتوجد رواية ثالثة لزياد بن أبي سلمة ذكرناها في المحاضرة السابقة.

وإذا قلنا بتمامية دلالة كلتا الطائفتين - أي بين الطائفة الدالة على التحريم وأنه لامجال لتولي الولاية عن الجائر وبين هذه التي تجوزها لحالة مصالح المؤمنين - فكيف نجمع بينهما ؟

وفي هذا المجال ذكر صاحب الجواهر(قده):- أنّا نحمل الطائفة الأولى على الولاية المحرّمة والثانية على الولاية المباحة مثل الولاية على جبي الخراج فإنّ هذه جائزة ، فالتولي لجمع الخراج جائز عن الظالم كما هو جائز عن العادل ، فحينئذٍ الطائفة الأولى ناظرة إلى الولاية المحرّمة وهذه الثانية ناظرة إلى الولاية غير المحرمة ، ونصّ عبارته بعد أن ذكر عدداً من وجوه الجمع وأراد أن يتبنى هذا الوجه فقال:- ( والأحسن منه بحمل نصوص المنع على الولاية على المحرّمات أو الممزوجة بالحرام والحلال ونصوص الجواز على الولاية على المباح كجباية الخراج ونحوه ممّا جوّز الشارع معاملة الجائر فيه معاملة العادل )[6] .

وفيه:- إنّ هذا لا شاهد عليه فهو تبرّعي.

والأجدر أن يقال:- إنّ الطائفة الأولى هي بمثابة المطلق ، والثانية بمثابة المقيّد فهي ناظرة إلى حالة خاصّة وهي حالة القيام بمصالح العباد فيصير هذا مقيّدا لإطلاق تلك الروايات التي لم تجوّز ، فتلك مطلقة تدلّ على أن التولي للظالم لا يجوز وهذه تستثني حصّة وهي ما إذا كان لمصالح العباد فلا تعارض تطبيقاً لقانون المطلق والمقيد.

المقام الثاني:- إنّه قد يدعى وجود معارضة في نفس أخبار الطائفة الثانية المجوّزة من دون إدخال الطائفة الأولى في الحساب ، باعتبار أنّ رواية زياد بن أبي سلمة دلّت على أنَّ التولي لا يجوز إلا لأمورٍ ثلاثة لا أكثر وكان لسانها هكذا:- ( قلت لا أدري جعلت فداك ، قال:- إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه )[7] ، وتعال إلى الرواية الاولى والثانية من نفس هذه الطائفة ، فصحيحة زيد الشحّام قالت:- ( سمعت الصادق عليه السلام يقول:- من تولى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عزّ وجلّ أن يؤمن روعته بوم القيامة )[8] ، وهذه لم تخصص بهذه الثلاثة بل المهم أنك ترفع الحاجب وتجلس للناس فحينئذ هذا جائز أمّا أن تكون الأمور هي أحد هذه الثلاثة بالخصوص فلا تدلّ عليه.

فإذن تحصل منافاة بين مفهوم الحصر في رواية زياد حيث حصرت الجواز في الموارد الثلاثة لا أكثر وبين مثل صحيحة زيد الشحّام التي دلت على أنّه يجوز متى ما جلس للناس ورفع حجابة من دون تقييد بالأمور الثلاثة فكيف دفع ذلك؟

والجواب:- إنّ من يقرأ هذه الصحيحة إلى جنب تلك الصحيحة ، بل لعله من يقرأ صحيحة زياد لوحدها من دون ضم صحيحة زيد الشحام إليها يفهم أنّ هذه الأمور الثلاثة ذكرت من باب المثالية ، فصحيح أنّ الامام عليه السلام ذكر ثلاثة موارد ولكن العرف يفهم منها أنه لا يجوز إلا لهذه الموارد وما شاكلها ولا خصوصية لهذه الثلاثة ، وتلك الصحيحة حينما قالت ( رفع حجابه وستره وفتح بابه ) فالمقصود هو لقضاء حوائج الناس وتلك الموارد التي ذكرت في صحيحة زياد هي من جملة الأمثلة للجلوس للناس ، فإذن لا معارضة من هذه الناحية.

وبهذا فرغنا من إثبات الحكم الثاني من الأحكام الثلاثة التي تشتمل عليها مسألتنا.

وقبل أن ندخل في الحكم الثالث هناك عنوان يرتبط بالحكم الثاني لا بأس بالتعرض إليه للنكات العلمية التي يشتمل عليها وعنوانه التولي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:-

والمقصود أنّه فيما سبق ذكرنا أنّ التولي للجائر لا يجوز إلا لمصالح العباد ، والآن نسأل ونقول:- إذا فرض أنّ شخصاً يتولى عن الجائر ويتمكن من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولو في الولاية التي هو فيها فهل يجب التولي أو لا ؟ وإذا قلنا لا يجب فهل يستحبّ ذلك على الأقل أو لا ؟

وفي الجواب نقول:- إنه في بادئ الأمر قد يأتي إلى الذهن أن المناسب هو أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث إنه واجبٌ وصار التولي مقدّمة - له أي لتحقيق هذا الواجب - فسوف يصير التولي عن الظالم ليس بمحرّم بل يصير واجباً.

بيد أنّه ذهب جملة من أعلامنا المتقدمين إلى عدم الوجوب وأن التولي في هذه الحالة يصير مستحباً.

فمثلاً ذكر الشيخ الطوسي(قده) ما نصّه:- ( وأما سلطان الجور فمتى ما علم الإنسان أو غلب على ظنه أنه متى تولى الأمر من قبله أمكنه التوصّل إلى اقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...... فإنه يستحبّ له أن يتعرّض لتولي الأمر من قبله )[9] ، وقريب من هذا ذكر الحلي في السرائر[10] .

وجاء في الشرائع:- ( ولو أمن ذلك[11] وقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحبت )[12] .

إذن هؤلاء الأعلام الثلاثة ذهبوا إلى استحباب التصدّي إلى الولاية ، والسؤال يقع في أنه ما هو وجه الاستحباب ؟ فإنّ المناسب هو إمّا الوجوب أو لا أقل نقول بالتخيير مثلاً أو نقول ببقاء الحرمة[13] ، أمّا أن نقول بالاستحباب فهذا يحتاج إلى نكتة ؟

وفي هذا المجال قد يجاب بأحد الأجوبة التالية:-

الجواب الأوّل:- ما ذكره الشهيد الثاني(قده) في المسالك ، حيث ذكر:- ( إنّ عموم النهي عن الدخول معهم .... إذا لم يبلغ حدّ المنع فلا أقل من عدم الوجوب )[14] ، ويقصد من ذلك أن دليل المنع عن التولي عن الجائر إذا لم يبلغ حدّ المنع - يعني في مقام كلامنا حيث فرضنا وجود مصلحة في التولي وهي الأمر بالمعروف والنهي عن النكر - فلا أقل من عدم الوجوب - أي عدم وجوب الولاية -.

ويرد عليه اشكالان:-

الأوّل:- إنه إذا كان دليل حرمة الولاية لم يقتض الحرمة لأجل وجود مصلحةٍ وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحينئذٍ سوف يبقى دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دون معارضٍ فيقتضي الوجوب ، فكيف تقول ( فلا أقل من عدم الوجوب ) ؟!! بل المناسب أن تقول ( فمقتضي الوجوب سوف يؤثر بالوجوب ).

الثاني:- أنت في صدد توجيه عبارة الشرائع ولكنك لم تثبت بهذا وجهاً للاستحباب ، فما ذكرته لا يخلو من تأمّل.


[10] السرائر، ابن ادريس الحلي، ج2، ص303.
[11] أي ارتكاب الحرام.
[13] أمّا الوجوب فلا يحتاج إلى نكتة لأنه مقدمة للواجب، والحرمة أيضاً قد يقال هي لا تحتاج إلى نكتة من باب أن أدلة حرمة التولي للجائر فيها اطلاق فنتمسك به مثلاً، والتخيير أيضاً نتمكن أن نقول إنه يقع بينهما تنافٍ فنذهب إلى التخيير مثلاً جمعاً بينهما.