34-01-20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 358 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:-
 أما بالنسبة إلى الأوّل:- أعني لو كان جائزاً لوقع ولو مرة من الأصحاب ولوقع السؤال عنه فهو مغاير لذلك الوجه الذي يتمسك به ونتمسك به نحن وهو أن المسألة ابتلائية فيلزم أن يكون الحكم فيها مشهوراً بين الأصحاب فإن كون المسألة ابتلائية قد أخذ فيه عنصر الابتلاء ولزوم كون حكم المسألة مشهوراً وواضحاً بينما في هذا الوجه لم يؤخذ هذان العنصران وإنما أخذ عنصراً آخر وهو أن الشيء الجائز يقع من الأصحاب ولو مرة . إذن توجد مغايرة تامة بين هذا وذاك -.
 فيرد عليه:- إنا لا نعرف الملازمة المذكورة - وهي أن الشيء إذا كان جائزاً لزم أن يقع ولو مرة واحدة - ولا نسلم بها ، فالدعاء في أثناء الصلاة أو في أثناء السجود مثلاً بأن يرزقني الله عز وجل في هذا اليوم أكلةً معينة لا اشكال في جوازه ولكن هل سمعت في يوم من الأيام في ذلك الزمان أن شخصاً دعا بهذا الدعاء رغم أنه جائز ؟ فليس كل جائزٍ ينبغي أن يكون واقعاً من الأصحاب ولو مرة واحدة ، إذن هذه الملازمة ليست بثابتة.
 ولعلك تدافع عن السيد الخوئي وتقول:- إن هذه الأمثلة وما شاكلها التي ذكرناها كنقض عليه ثبت جوازها بإطلاق جواز الدعاء أثناء الصلاة بكل ما يريده الإنسان فالإطلاق يكفينا لإثبات الجواز .
 قلت:- نحن لسنا بصدد إثبات الجواز أو عدمه بالإطلاقات فهذه قضية أخرى وإلا ففي مقامنا قد يدّعى بأنا نتمسك باستحباب العمرة المفردة فإن الدليل مطلق وليس لك من جواب إلا أن تقول هو منصرف عن المحرِم فيختص بالمُحِلّ وهذا شيء لا بأس به ولكن هذا إثبات لعدم الجواز من خلال الانصراف والمفروض الآن هو أن السيد الخوئي(قده) يريد التمسك بشيء جديد غير الانصراف وهو أن كل شيء جائز ينبغي أن يقع مرة واحدة وينبغي أن يسأل عنه الأصحاب وهذه الملازمة ليست بثابتة.
 وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني:- أعني أنه لا يجوز الخروج من مكة بعد عمرة التمتع - فهو يليق أن يذكر في المورد الثاني لا أن يذكر هنا فإنه في هذا المورد الأول نفترض أنه مثلاً أحرم لحج التمتع وبعده يخرج إلى أدنى الحل ليحرم بالعمرة المفردة وهذا لا محذور فيه لأنه ليس خروجاً بعد العمرة وقبل الإحرام وإنما هو خروج بعد التلبس والاتيان بإحرام الحج والمفروض أنه يخرج بالتالي إلى خارج مكة لأنه يذهب إلى منى وعرفات فهو في أثناء طريقه في منى مثلاً أو في المشعر ذهب إلى أدنى الحل وأتى بإحرام العمرة المفردة فلا يأتي ما ذكره ، أو نفترض أنه قبل أن يكمل عمرة التمتع - أي قبل أن يقصر أو يأتي بالسعي لعمرة التمتع - يخرج لإحرام العمرة المفردة ومثل هذا الخروج في أثناء عمرة التمتع هل هو جائز أو لا ؟ والقائلون بعدم جواز الخروج في الفترة المتخللة قال بعضهم بالجواز هنا لأن الدليل قد دل على عدم الجواز في الفترة المتخللة لا في أثناء عمرة التمتع ، فلو فرضنا أننا بنيا على جواز ذلك فهو يخرج إلى أدنى المواقيت أثناء عمرة التمتع فلا يلزم المحذور الذي ذكره في الوجه الثاني ، على أنه سيأني كلام آخر سنذكره فيما بعد انشاء الله تعالى . هذا كله بالنسبة إلى ما أفاده السيد الخوئي(قده) من الوجهين في المورد الأول.
 وقد استدل غير واحد كصاحب الحدائق والجواهر بوجه ثالث:- وهو التمسك بقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فإن الآية الكريمة تأمر بإتمام الحج والعمرة ولازم ذلك عدم جواز إيقاع عمرة مفردة في البين - أي في وسط أحرام الحج أو إحرام عمرة التمتع - فإنه خلف وجوب إتمام الحج العمرة.
 والجواب واضح:- حيث نقول:- إن المكلف بعدما يحرم بالعمرة المفردة لا يريد أن يرفع يده رأساً عن الحج بل يكمله بعد ذلك ولكنه أراد أن يأتي بعمرة مفردة في الوسط ، فهو حينئذ يمكنه أن يتم الحج أو عمرة التمتع . إذن هذا لا يشكل محذوراً والاستدلال بالآية الكريمة محلّ تأمل واضح.
 والأجدر أن يستدل على ذلك بقصور المقتضي وذلك بأن يقال:- إن شرعية الإحرام للعمرة المفردة قبل الإحلال من الإحرام السابق تحتاج إلى دليل والدليل منحصر بأحد أمرين وكلاهما قابل للمناقشة:-
 الأول:- إطلاق أدلة شرعية الإحرام فيقال إن الأدلة الدالة على شرعية الإحرام للعمرة المفردة يشمل بإطلاقه وأن ( من أحرم للعمرة المفردة وأتى بها كان له من الأجر ... ) يشمل بإطلاقه مثل المقام.
 وجوابه واضح:- فإن هذا منصرف إلى المُحِلّ بل لعل كلمة ( الإحرام ) هي بنفسها تستبطن افتراض كون الشخص محلِّاً . إذن لا يمكن التمسك بهذا الإطلاق بعد الانصراف المذكور.
 وإذا قلت:- إنّا قرأنا في الكفاية أن الانصراف الحجّة هو ما نشأ من كثرة الاستعمال أما ما نشأ من مناشئ أخرى كغلبة الوجود فليس بحجّة وهنا الانصراف ناشئ من غلبة الوجود فإن المكلف عندما يحرم فالغالب أنه كان مُحِلّاً لا أنه توجد كثرة في الاستعمال في خصوص هذا.
 قلت:- قد ذكرت غير مرّة أن هذه الدعوى وإن ذكرها صاحب الكفاية وغيره ولكنّها مرفوضة فإن الانصراف لو ثبتت حقاً ووجداناً فحينئذ لا يمكن التمسك بالإطلاق بعد هذا الانصراف من أي منشأ نشأ والتحديد بأن يكون من هذا السبب دون ذاك لا وجه له ، ونحن هنا نشعر بالوجدان بالانصراف المذكور فلابد وأن نتماشى معه.
 أو أن المنشأ لإثبات الشرعية هو الأصل بمعنى أنّا نتمسك بأصل البراءة فنشك هل يلزم الإحرام للعمرة المفردة في غير الإحرام السابق - يعني هل يلزم أن يكون بعد الإحلال من الإحرام السابق أو لا ؟ إنه شك في كلفة زائدة فتنفى بالبراءة.
 والجواب:- ما أشرنا إليه غير مرَّة من أن أصل البراءة يصح التمسك به في الأمور الإلزامية فإذا كان لدينا أمر الزامي كأصل وجوب الإحرام للحج وشككنا في أن الذمة قد اشتغلت بأصله أو بأن يكون في وقتٍ معينٍ - يعني قبل يوم التروية بثلاثة أيام لا أكثر - إن هذا شك في تقيّد الأمر الالزامي بشيء فهنا يصح التمسك بأصل البراءة فنقول:- إن ذمتنا قد اشتغلت جزماً بأصل الإحرام للحج وأما التقيّد بكونه في يوم التروية أو قبله بيومٍ فهو شيء زائد مشكوك فينفى بالبراءة ، وهذا بخلافه في العمرة المفردة والإحرام لها فإنها عادةً شيء مستحب - أي حينما يراد أن يؤتى بها أثناء الإحرام السابق هي عادة تكون مستحبة - فإذا كان مستحباً فلابد من إثبات أن هذا مستحب وأن هذا شيء شرعي وتترتب عليه الآثار وأصل البراءة لا يمكنه أن يثبت مثل هذه الأمور والمسالة ليست مسألة تفريغ ذمة حتى يقال إن ذمتنا قد اشتغلت يقيناً بهذا والزائد مشكوك كلا بل العمرة المفردة التي نأتي بها أثناء الإحرام السابق هي عادة مستحبة فيلزم أن نثبت أنها شرعية ومستحبة وأصل البراءة لا طاقة له لإثبات ذلك.
 وأما المورد الثاني:- أعني الإتيان بعمرة مفردة في الفترة المتخللة بين عمرة التمتع وبين حج التمتع - فهذه مسألة لم تبحث في كلمات المتقدمين ، نعم قد تعرض لها الشيخ النائيني(قده) في مناسكه وذكر أنه يجوز بشرطين:-
 الأول:- يلزم أن يكون الفاصل بين عمرة التمتع وهذه العمرة المفردة عشرة أيام لا أقل بناءً على كون الفاصل عشرة أيام -.
 والثاني:- يلزم أن يكون الميقات الذي تريد أن تخرج إليه لإحرام العمرة المفردة لا يبلغ حدَّ المسافة الشرعية وإلّا لزم الخروج من مكة بعد عمرة التمتع والحال أن الخروج بعدها من مكة لا يجوز .
 وقد تقول:- لماذا قيّد بالمسافة الشرعية وإذا كان قد خرج من مكة فهو يتحقق بالخروج إلى أدنى الحل ؟
 قلت:- نعم هذه قضية قابلة للمناقشة مع الشيخ النائيني(قده).
 وعلى أي حال استدل السيد الخوئي(قده) على عدم الجواز بوجوه ثلاثة:-
 الوجه الأول:- ما أشرنا إليه سابقاً في المورد الأول ، أي أن العمرة المفردة لو كانت جائزة في الفترة المتخللة لوقعت ولو مرّة من بعض الأصحاب ولوقع السؤال عنها والحال أنه لم يقع ذلك من بعض الأصحاب بل ولم يسألوا عنها الأمر الذي يعطي بأن القضية مفروغ عن عدم جوازها.
 والجواب:- ما تقدم ولا نكرر.
 الوجه الثاني:- صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج فإن عرضت له حاجة إلى عُسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرِماً ودخل ملبياً بالحج فلا يزال على إحرامه فإن رجع إلى مكة رجع محرِماً ولم يقرب البيت [1] حتى يخرج مع الناس إلى منى [2] ، قلت:- فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبّان الحج في أشهر الحج يريد الحج أيدخلها محرماً أو بغير إحرام ؟ فقال:- إن رجع في شهره دخل بغير إحرام وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً ، قلت:- فأي الاحرامين والمتعتين متعتةٌ الأولى أو الأخيرة ؟ قال:- الأخيرة هي عمرته وهي المحتَبَس بها التي وُصِلت بحجته ) [3] ، وعلى منوالها صحيحة حفص بن البختري [4] وصحيحة الحلبي [5] .


[1] كناية عن عدم الطواف ( أي لا تطف ).
[2] أي في اليوم الثامن.
[3] الوسائل 11- 302 22 من أبواب اقسام الحج ح6
[4] المصدر السابق ح4.
[5] المصدر السابق ح7.