37/04/29


تحمیل

الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وفيه:- إنه لا يستفاد منها التحريم إذ لا توجد عبارة خاصّة تدلّ على ذلك فإن الوارد فيها هو قوله:- ( لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا ... )[1] فهذه التعابير لا يستفاد منها الحرمة وإنما هي تعابير تدلّ على العتاب ، فالإمام عليه السلام يعاتب أنه لماذا ساعدتموهم ، أمّا أنّ المساعدة هي حرام وهذا العتاب يقصد منه التجريم فهذا لا يستفاد من الرواية المذكورة.

إن قلت:- من يقرأ الرواية بادئ ذي بدء يفهم منها الحرمة وهذا شيء وجداني ، وعلى هذا الأساس نحكم بالتحريم لأنا نستفيده من الرواية في بادئ الأمر.

قلت:-

أوّلاً:- ليس المناط على ما يستفاد بادئ الأمر في باب حجية الظهور ، بل المدار على الظهور المستقر عرفاً لا الظهور المتزلزل ، وهنا الانسان العرفي لو نُبّه على أنّ هذه العبائر ليس فيها ما يدلّ على التحريم فسوف يرضخ آنذاك.

ثانياً:- لعلّ مورد الرواية عنوان أعوان الظلمة ومحلّ كلامنا هو في إعانة الظالم وليس في حالة ما إذا كان الشخص من أعوان الظلمة ، والذي دعانا إلى إبراز هذا الاحتمال - ويكفينا الاحتمال - هو أنه ذكر في الرواية أنّه ( كان من كتّاب بني أمية ) حيث قالت الرواية هكذا:- ( كان لي صديق من كتّاب بني أمية ) فليس من البعيد أنّه يصدق عليه عنوان الأعوان.

ثالثاً:- إنّ السند محلّ تأمل؛ إذ ورد فيه إبراهيم بن اسحاق وهو إمّا مشترك بين متعدّدٍ أو أنه لم يوثّق ، فالاعتماد عليها من حيث السند شيءٌ مشكلٌ ، نعم هي تنفع في موارد الوعظ والارشاد.

الرواية الحادية عشر:- محمد بن علي بن الحسين - الصدوق- بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن يزيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آباءه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث المناهي:- ( أنه نهى عن المدح وقال احثوا في وجوه المدّاحين التراب ، قال:- وقال صلى الله عليه وآله:- من تولّى خصومة ظالمٍ أو أعان عليها ثم نزل به ملك الموت قال له أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير ... )[2] .

وهي تدلّ على التحريم ولا تشكيك في ذلك حيث قالت:- ( ثم نزل به ملك الموت قال له أبشر بلعنة الله ونار جهنم )[3] ، فنار جهنم لازمٌ للحرمة ، فإذن دلالتها على الحرمة واضحة لا إشكال فيها ، بيد أن موردها هو من تولّى خصومة ظالم أو أعان عليها ، وليس من البعيد أنّ هذا هو تولٍّ لخصومة الظالم في ظلمه ، فحينئذٍ يكون موردها هو الاعانة في ظلمة ، فلا تنفع في إثبات التعميم ، بل يثبت فقط أنه إذا أعان الشخص الظالم في مسألةٍ ترتبط بظلمه فحينئذٍ يستحق النار ، ونحن نريد أكثر من هذا المقدار كإعانته في المباح لا في مثل الظلم فلا تنفعنا.

هذا مضافاً إلى أن سندها محلّ تأمل - كما مرّ مراراً - من ناحية شعيب بن واقد والحسين بن يزيد ، بل لعلّه من ناحية طريق الصدوق إلى شعيب بن واقد.

هذا مجموع الروايات في باب الاعانة وقد اتضح أن تحصيل رواية تامّة الدلالة والسند على حرمة إعانة الظالم في المباح شيءٌ مشكل ، نعم حرمة إعانته في ظلمه فهذا مقتضى القاعدة وهو ليس بالمهم ، والمهم هو في موارد الإباحة فإنّه لا توجد رواية تدلّ على ذلك.

ومنه يتضح النظر فيما هو المنقول عن السيد بحر العلوم(قده):- فإن له كلاماً ذكره صاحب الجواهر(قده)[4] عنه حيث قال:- ( إنه إذا انعقد إجماع على هذا التفصيل وإلا فالمتجه التحريم مطلقاً[5] لاستفاضة النصوص في المنع عن اعانتهم في المباح بطريق العموم والخصوص[6] مع اعتبار سندها وموافقتها الاعتبار فإن إعانتهم في المباحات تفضي إلى إعانتهم في المحرمات كما أشير إليه في الخبر " لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا " ولأن ذلك لا ينفك عن الميل والركون إليهم وحبّ بقائهم كما أشير إليهم في رواية صفوان وغيرها وقد قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار "[7] ).

ويمكن أن نقول:- يشتمل كلامه على أربعة أدلة:-

الدليل الأوّل:- النصوص ، حيث قال:- ( استفاضة النصوص في المنع عن اعانتهم في المباح بطريق العموم والخصوص) ، يعني هناك أخبار عامّة وبعمومها تدلّ على الحرمة في الاعانة على المباح ، وهناك أخبار خاصّة واردة في خصوص الاعانة على المباح.

ونعلّق ونقول:- فيه ما تقدّم ، من أنّ استفادة حرمة الاعانة في المباح شيء ٌمشكلٌ كما لاحظنا الروايات.

الثاني:- الموافقة للاعتبار، بمعنى أن عانتهم في المباحات تفضي إلى إعانتهم في المحرّمات ، يعني من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه.

ويردّ:- إنّ الملازمة الدائمة ليست ثابتة ، نعم ربما يتفق ذلك أحياناً ، فإذا اتفق ذلك فحينئذٍ يحرم من باب أنه يؤدي إلى إعانتهم في المحرّمات ، أما إذا فرض أنه يحرز من نفسه أنه لا يعينهم على المحرّمات بل فقط يؤجر لهم سيارةً كما كان يصنع صفوان بإجارة دوابه لهم لا أكثر فهنا لا تتحقق الاعانة ، فإذن هذا لا يمكن التمسّك به.

الثالث:- أنه قال:- ( وأن ذلك لا ينفك عن الميل والركون إليهم وحبّ بقائهم كما أشير إليه في رواية صفوان وغيرها ).

وفيه ما تقدّم:- من أنّ المحرّم هو حبّ بقاء الظالم ، أمّا نفس المعاملة فلا موجب لحرمتها ، فالإعانة بإيجار الدوابِّ له أو ما شاكل ذلك لا موجب لحرمته فإنّ المحرّم هو حبّ البقاء وذلك لا يستلزم حرمة المعاملة.

الرابع:- الآية الكريمة التي تقول:- ﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾.

وتقدم الجواب عن ذلك:- حيث قلنا إنّه من الوجيه أن يكون المقصود هو أنّه لا تركنوا إليهم في ظلمهم لا في مطلق الأمور بما في ذلك الأشياء المباحة.

إذن ما ذكره السيد بحر العلوم(قده) قابل للمناقشة بأجمعه.

هذا كلّه بالنسبة إلى إعانة الظالم وقد اتضح أنّ القاعدة تقتضي الحرمة في إعانتهم في الظلم وفي الحرام غير الظلم دون المباح؛ إذ في الظلم والحرام تصدق الاعانة على الحرام وقاعدة ( تحرم الاعانة على الحرام ) يمكن تطبيقها في موردنا فيثبت بذلك الحرمة ، أمّا مستند هذه القاعدة فهو قد أشرنا إليه في أبحاث سابقة - في مسألة ( 15 ) - ، أمّا الاعانة على المباح فلا موجب للحرمة على مقتضى القاعدة ، وقد اتضح من الروايات أنه لم يثبت شيء أكثر مما تقتضيه القاعدة.

إذن النتيجة:- هي الحرمة في الاعانة على الظلم وعلى الحرام غير الظلم دون المباح ، اللهم إلا إذا انطبق عنوان ثانوي كما إذا فرض أنه صنع معملاً للأسلحة أو يتملّق للظالم بأن يفتح له الباب أو يغلقه أو غير ذلك فهذا يمكن أن نقول هو حرام بالعنوان الثانوي ، فالعناوين الثانوية قد تحرم بسببها الاعانة على المباح أيضاً فلابد للفقيه أن يلاحظ هذه العناوين الثانوية أعوان الظلمة:-

والكلام في العنوان المذكور يقع تارةً بمقتضى القاعدة ، وأخرى بمقتضى الروايات:-

أمّا القاعدة:- فهي تقتضي حرمة ذلك لوجهين:-

الوجه الأوّل:- إنّ ذلك نحو دعمٍ للظلم الانحراف ، وهذا محرّم إمّا بالارتكاز المتشرعي ، أو ببيان أنّ أدلّة النهي عن المنكر يستفاد منها عدم جواز مثل ذلك ، فإنه إذا تحقق المنكر يلزم النهي عنه ، يعني إذا تحقق الظلم يلزم النهي عنه ، ويستفاد منه أنه لا ينبغي لك أن تهيء الأجواء لتحقّق المنكر والحرام ، أو قل توجد منافاة بين لزوم النهي عن المنكر وبين تهيئة أجواء ذلك المنكر.

إذن عنوان ( أعوان الظلمة ) يمكن أن نقول هو حرام لأنه موجبٌ لدعم وتقوية الظلم والظالم وهذه التقوية والدعم محرّمة إمّا من باب الارتكاز المتشرعي وإمّا من باب أدلة النهي عن المنكر.

الوجه الثاني:- الآية الكريمة:- ﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ﴾ ، فكون الشخص من أعوان الظلمة هو أحد المصاديق الواضحة للركون إلى الظالم وإلى الذين ظلموا.

إذن مقتضى القاعدة - يعني بقطع النظر عن الروايات - هو الحرمة.


[5] ومقصوده أنه ابن عقبة ادعى الاجماع على هذا التفصيل يعني التفصيل بين الاعانة في ظلمه أو الحرام فتحرم وبين إعانته في المباح فتجوز، فيقول إذا كان هناك إجماع فبه وأما إذا لم يكن هناك إجماع فالمناسب الحرمة مطلقاً حتى في الاعانة على المباح ومن اين لك أيها السيد الطباطبائي.
[6] يعني بعض الاخبار بعمومها تشمل الام=عانة على المباح وبعضها وارد في المباح وتحرّم ذلك.