37/04/02


تحمیل

الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وقد يقال أيضاً:- إن المستثنى هو عنوان الزف والزفاف ، فزف العروس إذا اقترن بالغناء لا بأس به فإن رواية أبي بصير قد أخذت هذا العنوان وقالت ( لا بأس بأجر المغنية التي تزف العرائس ) وعنوان الزف ربما يقال هو ينطبق على حالة اخراج العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها فهذه الحالة يكون الغناء فيها جائزاً بمقتضى رواية - أو روايات - أبي بصير أما غير ذلك – أي إذا لم ينطبق عنوان الزفّ والزفاف - فلا يجوز.

إن قلت:- إنّ هذا العنوان قد أخذ في رواية أو روايتين من روايات أبي بصير ولكن في واحدةٍ منها لا يوجد عنوان الزفاف وكان مضمونها ( لا بأس بأجر المغنية في الأعراس ) فعلى هذا الأساس لو كان في بعض الروايات قصورٌ فلا يوجد قصورٌ في هذه الرواية فنتمسّك بإطلاقها وسعتها.

قلت:- نحن فيما سبق أبدينا احتمال كون الروايات واحدة وليست متعدّدة ، وذكرنا أنّ هذا تترتب عليه بعض الثمرات ، وهنا تظهر واحدة منها ، فإنّ هذه الرواية الثالثة إنما يصحّ التمسّك باطلاقها لو كانت روايةً مستقلّةً فحينئذٍ نتمسّك باطلاقها ، أما إذا فرض أنّنا نحتمل كونها عين الروايات السابقة لكن لا نعرف أنّ الصادر من الإمام عليه السلام ما هو ؟ فهل الصادر هو ( لا بأس بأجر المغنية في الأعراس ) أو أن الصادر هو ( لا بأس أجر الغنية في زف العرائس ) ؟ وحيث لا ندري فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بالإطلاق ، فإنَّ التمسّك بالإطلاق فرع تعدّد الروايات ونحن لا نجزم بتعدّدها.

وينبغي الالتفات إلى أنّه إذا بنينا على التعدّد والاستقلالية إنما يصح التمسّك بإطلاق هذه المطلقة التي قالت ( لا بأس بأجر المغنية بالأعراس ) إذا لم نقل بأنّ للقيد المذكور في تلك الروايات مفهومٌ ، وأمّا إذا كان له مفهوم فسوف يقيّد هذا الإطلاق ، أمّا إذا قلنا بأنه لا يوجد له مفهوم بشكلٍ واضح كما هو ليس ببعيد فأقصى ما يفهم منه أنه يجوز في الزفّ أما في غيره فهو مسكوت عنه فنتمسّك بإطلاق تلك الرواية.

ولكن لا تصل النوبة إلى هذه المرحلة ، فمن البداية قلنا أن احتمال الوحدة موجودٌ فلا يصحّ التمسّك بإطلاق هذه الرواية المطلقة سواء فرض أنّ تلك الرواية لها مفهومٌ أو لا فإنّ هذا لا يؤثر من هذه الناحية.

ولكن من حقّ القائل أن يقول:- إنّ الروايات وإن أخذت عنوان الزفّ ولكن الزفّ يقصد منه هنا العرس لا أنه يقصد منه الزفّة المتعارفة التي كانت موجودة ، فليس من البعيد أن يفهم منه عنوان العرس ولا خصوصية له ، فلو أراد فقيه أن يدّعي هذه الدعوى فهناك مجال لذلك ، فإن جزم بذلك فيجوز الافتاء حينئذٍ بجوازه بمطلق العرس كما لعلّه هكذا فهم الفقهاء ، فهم لم يقيّدوا بالزفّ بل يقيدون بالعرس فيأخذون عنوان العرس لا الزفّ ، أما من لم يطمئن بهذه السعة فمن المناسب أن يقول الأحوط وجوباً الاقتصار على الزفّة والزفاف لا مطلق العرس.

ثم إنّ الروايات أخذت عنوان عدم دخول الرجال حيث قالت ( وليست بالتي يدخل عليها الرجال ) وهذا معناه أنّ من بعض شرائط جواز غناء المغنية في العرس هو عدم دخول الرجال.

وهل يقصد الأجانب أو يعمّ حتى المحارم ؟

والجواب:-

ربّ فقيهٍ يقول:- يوجد فيها إطلاق حيث قالت ( وليست بالتي يدخل عليها الرجال ) فهي مطلقة ولا يوجد فيها قيد ( الرجال غير المحارم ) فنتمسّك باطلاقها.

وربما يقال:- إنّ المقصود هو خصوص الأجانب حيث إنهم لا يجوز لهم أن يسمعوا صوت امرأة أجنبية وغناءنا ، أما مثل الأخ والعم والخال فهؤلاء الدليل منصرف عنهم.

ولكن نقول:- هذا الانصراف ليس بواضحٍ عندي ، فالأحوط إذن عدم دخول الرجال مطلقاً . هذا شيء.

وهناك شيءٌ آخر:- وهو أنه هل المقصود أنّ نفس عدم دخول الرجال شرطٌ في الجواز أو أنّ ذلك مأخوذٌ بنحو الطريقية لسماع الصوت ؟

والجواب:- قد يتمسّك فقيه بالإطلاق ويقول إنَّ هذه مطلقة من هذه الناحية فنتمسّك باطلاقها وأنّ مجرد دخول الرجال لا يجوز.

وقد يقول:- إنّ مجرّد دخول الرجال بما هو دخول إذا وضعوا القطن في آذانهم مثلاً لا نحتمل أنّه لا يجوز حتى هذا المقدار ، فلا يبعد أنّ هذا العنوان قد أخذ بنحو الطريقية إلى عدم سماع الصوت.

وعلى هذا الأساس دخول الرجال الممنوع والمؤثر على ثبوت الحرمة هو ما لو فرض أنّه كان يسمع ، أمّا إذا لم يكن يسمع لثقلٍ في أذنه أو لأمورٍ أخرى فلا مانع من ذلك.

الأمر الرابع:- إنّ صوت المرأة كما تقدم لم يثبت أنه حرام وعورة وبالتالي يجوز لها أن تتكلّم مع الأجانب ، ولكن الآن نضيف ونقول ( شريطة أن لا يكون صوتها مثيراً ) ، أما إذا أثاره لأنها ترقّق صوتها أو لأنها تقارنه بأمورٍ أخرى توجب إثارته فحينئذٍ يمكن أن يقال بأنه لا يجوز لها أن تُسمِع صوتها الأجانب ولا يجوز لها أن تتكلّم معهم.

أمّا لماذا لا يجوز لها ذلك ؟

والجواب:- يمكن أن يتمسّك بالوجهين التاليين:-

الأوّل:- التمسّك بالآية الركيمة ﴿ يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن في القول فيطع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا ﴾[1] ، فإنها قالت ﴿ فلا تخضعن بالقول ﴾ والخضوع بالقول هو عبارة عن الترقيق أو بعض المصاحِبات الأخرى للصوت فهذا لا يجوز ، ثم بينت النكتة فقالت ﴿ فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ ، فعلى هذا الأساس نستفيد من هذه الآية الكريمة أن ترقيق المرأة لصوتها والخضوع في صوتها لا يجوز لأنّ هذا يوجب الإثارة ، فالآية واضحة في ذلك.

ويمكن لفقيهٍ أن يستفيد السعة من هذه الآية الكريمة ويقول:- كلّ حركةٍ مثيرةٍ من المرأة ولو بغير الصوت كصوت الحذاء أو بعض العطور أو بعض الحركات ولو من دون صوتٍ فهذه مشمولة من باب إلغاء الخصوصية؛ إذ لا خصوصية للصوت لأنها بينت النكتة لذلك حيث قالت ﴿ فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ وهو يحصل من هذه الأشياء ، فعلى هذا الأساس لا يجوز للمرأة أن تصنع كلّ ما يثير الرجل غير الزوج.

وإذا فرض أنّ شخصاً لم يجزم بإلغاء الخصوصيّة وهذه السعة فنقول له لا أقل أنَّّ احتمال الغاء الخصوصية وجيه فمن المناسب أن تنتقل إلى الاحتياط الوجوبي ، فيتمكن للفقيه أن يقول ( لا يجوز للمرأة أن تخضع بقولها بل لا يجوز لها على الأحوط وجوباً أن تصنع كل ما يثير غير الزوج ).

بل يمكن أن نستفيد أوسع من ذلك:- فنقول لا يجوز للرجل أيضاً أن يثير نفسه من خلال أيّ شيءٍ غير مسالة الزوجية كالنظر إلى الصور الخليعة أو التفكير في بعض الأمور أو قراءة بعض القصص المثيرة أو غير ذلك ، فيمكن أن يقال أنَّ كلّ هذا لا يجوز ، فمورد الآية هو الحديث عن المرأة حيث قالت ﴿ فلا يخضعن بالقول ﴾ وليس مع الرجل ولكنها ذكرت نكتةً وهي ﴿ فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ و ( يطمع ) يعني تحصل عنده إثارة وقد يستفيد فائدة محرمة ، إنّه يفهم من هذه الآية الكريمة أنّ هذا مبغوضٌ للقرآن الكريم ولله عزّ وجلّ ، فعلى هذا الأساس كلّ هذه الأمور الأخرى لا تجوز في حقّ الرجل ، فإن جزمت بذلك فتفتي بالحرمة ، وإن احتملت ذلك - وهو احتمال له وجاهة قوية - فتقول بالاحتياط الوجوبي بالحرمة ، وإذا فرض أن فقيهاً لم يَرَهُ وجيهاً بتلك الدرجة فيجعل الاحتياط استحبابياً.

الدليل الثاني:- يمكن أن يدّعى وجود ارتكازٍ متشرّعي على أنّ فعل ما يثير حرمته ثابتة ، وليس المقصود من المتشرعة الطبقة العامة من الناس المتشرعة فهؤلاء لعلّهم تأثروا بالفقهاء وبفتاواهم ، بل نريد أن نقول هو ارتكاز متشرعّي في أذهان الفقهاء ، وهذا الارتكاز نتمكن أن نقول ليس ناشئاً من آيات أو روايات فإنّه إذ كان هناك مستند لحرمة كلّ ما يثير فهو أخفى من هذا الارتكاز والارتكاز أوضح من هذه المستندات بحث حتى لو شككنا في هذه المستندات يبقى ذلك الارتكاز موجوداً ويصعب أن نتقبل كونه جائزاً فإنّه حتى وإن عسر علينا تحصيل المدرك فإننا نشعر بأنّ هذا الارتكاز موجوداً ، فإذا كان موجوداً فمن أين نشأ حيث إنّ المعلول لا يمكن أن يصدر ويتحقّق بلا علة ؟ فنقول:- إنّ هذا لابد وأنه قد حصل توارثه يداً بيد من الجيل السابق ، والجيل السابق توارثوه ممن قبلهم .... وهكذا ، فحصل توارث لهذا الارتكاز ، فيكشف هذا عن وجود أجواءٍ واضحةٍ في عصر الأئمة عليهم السلام على أنّه كل ما يثير لا يجوز ، وهذا - كما قلت - شيءٌ وجيه.