37/02/08


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 17 ) حرمة الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

ولكن نتمكن أن نقول:- ربما يظهر منه رأيان في هذا المجال:-

الأوّل:- إنّ المدر في الغناء المحرّم على بطلان المادّة[1] دون الهيئة ، وأما الهيئة - أي اللحن الخاص - فهو يؤثر في النفوس وربما يربط بالله عزّ وجلّ[2] - .

الثاني:- إنّ المدار على كليهما - بطلان المادّة وبطلان الهيئة - فإنّه القدر المتيقّن من حرمة الغناء ، وما زاد تنفى حرمته بالبراءة[3] .

إذن الهيأة لا تكفي وحدها وكذلك المادة لا تكفي وحدها بل لابد من بطلان الاثنين معاً[4] .

ونقول شيئاً:- إنّه في الكلام الأوّل للميرزا علي الايرواني(قده) الذي نقلناه عنه قلنا يظهر منه أنّ المدار على بطلان المادّة فقط ، بيد أنّ هذا يصعب أن يلتزم به فقيه ، لأنّ لازمه أنّه متى ما كانت المادّة باطلة وإن كانت الكيفية كيفية عاديّة - ككلامنا العادي – فهو يكون محرّماً ، وهذا يصعب الالتزام به.

إذن لابد وأنه لا يقصد ظاهر عبارته وإن كانت ربما تعطي ذلك.

وعلى أي حال نعلّق على ما أفاده بما شارنا إليه سابقاً[5] :- من أنّه لو سمعنا صوتاً من بعيدٍ وكانت الكيفية توجب الرقص وأمثاله فلا نتوقف عن الحكم بكونه غناءً ولا ننتظر إلى أن نلاحظ المادّة ، وعلى هذا يتبيّن أنّ المدر على الهيأة وليس على المادّة .

وأيضاً لا مجال لفكرة القدر المتيقّن بل نقول له:- إنّه للأجل هذا المطلب الذي أشرنا إليه يثبت أنّ مطلق الهيأة الباطلة كافٍ في تحقّق الغناء ولا تتوقّف الحرمة على ضمّ بطلان المادّة.

الرأي الثاني:- ما ذكره في مصباح الفقاهة[6] ، وحاصله:- إنّ بطلان الهيأة هو الذي له مدخليّة ، فاللحن إذا كان باطلاً ولهوياً ويوجب الطرب فله مدخليّة ، ولكن أحياناً لا يكفي اللحن وحده إلا أن تنضمّ إليه المادّة الباطلة فآنذاك يصدق عليه أنه غناء ، ومرةً أخرى تكفي الكيفية وحدها لصدق الغناء وإن لم تكن المادّة باطلة.

فإن كانت الكيفية باطلة ومطربة فهي غناء ، وإن كانت في مادّةٍ صحيحةٍ كالقرآن الكريم ومراثي أهل البيت عليهم السلام فهذا غناء مادامت الكيفية بتلك الدرجة الأعلائية - إنّ صحّ التعبير - ، وتكون الحرمة أشد لأنك استعملت هذه الكيفية المطربة في القرآن والأدعية ، أمّا إذا لم تكن الكيفية بهذا الشكل فصدق الغناء حينئذٍ يتوقّف على ضمّ بطلان المادّة.

نقول:- لا ندري من أين هذا ؟ بل الذي نحسّه بوجداننا - وكما ذكر الشيخ الأعظم(قده) - أنّ الكيفية إذا كانت باطلة وموجبة للطرب مثلاً ولو شأناً فهذا غناءٌ وهو حرام سواء فرض في مادّة باطلٍ أو صحيحةٍ ، وإذا لم تكن الكيفية كذلك فلا غناءَ حتى لو كانت المادّة باطلة ، فإدخال بطلان المادّة في الحساب وأنّ صدق الغناء على اللحن يتوقّف على بطلان المادّة أحياناً بهذا الشكل الذي فصّله لا نعرف له وجهاً ، فالمدار هو على بطلان الكيفيّة فقط.

الرأي الثالث:- المدار على بطلان الكيفيّة والمادّة لا مدخليّة لها.

وهذا ما ذهب إليه في صراط النجاة ، فإنّه ذكر في أكثر من مورد أنّ المدار على أن تكون الكيفية واللحن مناسباً لمجالس أهل الفجور والفسوق من دون أن يأخذ بطلان المادّة بعين الاعتبار[7] .

وأوضح من ذلك عبارة المنهاج فإنّه بنى فيه بصراحة على ذلك حيث قال:- ( الغناء حرامٌ إذا وقع على وجه اللهو والباطل بمعنى أن تكون الكيفية كيفيةً لهويةً والعبرة في ذلك الصدق العرفي ).

إذن نتمكّن أن نقول:- إنّ الرأي الأخير للسيد الخوئي(قده) هو هذا ، والذي هو رأي الشيخ الأعظم(قده) ، وقد قلنا إنّه الرأي المناسب وشاهده العرفي ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده).

السؤال الثالث:- هل اللهو بعنوانه من المحرّمات ؟

والجواب:- تعرّض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه القضيّة في المكاسب[8] ، وقد نقل مرةً عبائر الفقهاء ، وأخرى نقل الروايات[9] .

أمّا كلمات الفقهاء:- فقد استشهد بمن سافر سفر الصيد فإنّ الفقهاء قالوا يتمّ صلاته ، وعلّلوا بأنّ سفره سفر معصيةٍ لأنّه لهويٌّ ، ومن هذا التعليل يظهر أن اللهو بشكلٍ مطلقٍ هو من المحرّمات.

وأمّا من حيث الروايات:- فقد نقل عدداً من الروايات التي قد يستفاد منها أنّ عنوان اللهو من المحرّمات:-

الرواية الأولى:- رواية تحف العقول ، حيث ورد فيها:- ( ما يكون منه وفيه الفساد محضاً وما يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح فحرامٌ تعليمة وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه ).

وتقريب الدلالة:- هو أنه إذا كان لهواً فاللهو لا يأتي منه إلا الفساد ، وليس فيه وجهٌ من وجوه الصلاح فيكون مشمولاً لقاعدة ( ما يكون فيه الفساد ولا يكون فيه وجه من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به ).

الرواية الثانية:- رواية الأعمش ، حيث ذكرت من جملة الكبائر:- ( الاشتغال بالملاهي التي تصدّ عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار ).

وتقريب الدلالة:- هو أنّ كلّ ما يلهي محرّم ، وضرب الأوتار والغناء قد ذكر من باب المصداق وإلا فالمدار علىّ كلّ ما يلهي.

الرواية الثالثة:- ما جاء في روايات القمار:- ( كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو الميسر[10] ).

الرواية الرابعة:- ما دلّ على أنّ من خرج إلى الصيد يتمّ ولا يقصّر لنكتة أنّه خرج للهو.

إلى غير ذلك من الروايات ، ولعلّه ذكر ست أو سبع طوائف في هذا المجال.

وبعد أن استعرض هذه قال:- ماذا يقصد من اللهو ؟ هل يقصد منه كلّ لهوٍ ، وأنّه يحرم كلّ ما يلهي ؟

أجاب وقال:- إنّ هذا مخالفٌ للسيرة وللمشهور.

أقول:- إذا كان كلّ لهوٍ حرام فلازمه أنّ عبث الانسان بلحيته أو ذهابه إلى مكانٍ والعودة منه مراراً من دون داعٍ وما شاكل ذلك كلّه حرامٌ ، وهل يمكن الالتزام بأن كلّ هذا حرام ؟!! إنّه لا يمكن الالتزام بأنّ كلّ ما يلهي هو حرام.

فإنّ كان المقصود هو أنّ كلّ ما يلهي حرامٌ فهذا لا يمكن الالتزام به لأنّه مخالفٌ للمشهور ومخالف للسيرة ، وإن كان المقصود من ذلك ما ينشأ من البطر - والبطر هو شدّة الفرح بحيث تجعل الشخص يتصرّف تصرفات غير محببّة وغير عقلائية ويخرج عن الحدّ - فلا بأس بحرمته.

وعلى هذا الأساس نتمكن أن نقول:- يحرم الرقص والتصفيق - غير التصفيق العقلائي في الذكريات الطيبة لأهل البيت عليهم السلام فإن هذا لم ينشأ من البطر - ، ويدخل في ذلك الضرب بالطشت ، وهنا لابد وأن نقيّد كلام الشيخ الأعظم ونقول إنّ÷ إذا كان هناك رجالٌ أو نساءٌ يضربون بشكلٍ عقلائيٍّ على الطشت فهذا ليس ناشئاً من شدّة الطرب ، فلا ينبغي أن نفهم من كلامه أنّ الضرب على الطشت بجميع أنواعه محرّمٌ.


[1] الحاشية على المكاسب، على الايرواني، ج1، ص181، تعليقة342، و ص182، تعليقة345.
[2] وهذا هو نفس كلام الفيض الكاشاني.
[3] وقال:- إنَّ هذا هو نفس ما ذهب إليه الفيض الكاشاني غايته هو لم يتمسّك بفكرة القدر المتيقن وإنما تمسّك بفكرة الانصراف وأنّ الأدلّة منصرفة إلى الغناء المتداول في تلك الفترة والذي كان يدخل فيه الرجال على النساء.
[4] الحاشية على المكاسب، علي الايرواني، ج1، ص179، تعليقة336.
[5] - أي بنفس ما أشار إليه الشيخ الأعظم(قده).
[6] موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الفقاهة )، الخوئي، تسلسل35، ص408.
[7] صراط النجاة، الخوئي، ج2، ص60، سؤال162، سؤال164، ولعله يمكن ملاحظة ذلك في موارد أخرى من هذا الكتاب.
[9] بهدف إثبات الحرمة وهو أنّ عنوان اللهو من المحرّمات.
[10] ليس الميسر إلا موضوعاً بل هو الميسر ولو حكماً.