37/01/17


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 19 .

القول الثاني: وهو أن الواجب أن يتصدق بما يطيق وقد استدل عليه بالرواية الثالثة والرابعة مما تقدم .

الرواية الثالثة: عبدالله بن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر ، قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا ، فان لم يقدر تصدق بما يطيق .)[1]

والرواية تامة سنداً وهي دالة على وجوب التصدق وانه هو البدل عند العجز عن الخصال الثلاث.

الرواية الرابعة: صحيحة عبدالله بن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا ، قال : يتصدق بقدر ما يطيق)[2] .

وهي تامة سنداً ايضاً, وقد رتبت وجوب التصدق بما يطيق عندما لا يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا ً (احدى الخصال) والرواية السابقة جعلته بدلاً عند العجز عن كل الخصال الثلاث, والظاهر أن المقصود في هذه الرواية هو ليس العجز عن هذه الخصلة والتمكن من الخصال الاخرى لوضوح أنه في هذه الحالة يجب عليه الاتيان بالبدل التخييري (عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين) فالانتقال إلى التصدق بما يطيق لا يكون الا عند العجز عن اطراف التخيير كلها, فكأن العجز عن التصدق على ستين مسكيناً افترض فيه العجز عن سائر الخصال ايضاً, فتؤدي إلى نفس النتيجة للرواية الاولى وهي وجوب التصدق بما يطيق عند العجز عن الخصال الثلاث.

ومن هنا نقول تبين من هذا الكلام ومما تقدم أن الادلة تامة في كلا القولين فيقع الكلام في مقامين:

المقام الاول: هل هناك تعارض بين الطائفتين؟ أو لا؟

المقام الثاني: على فرض وجود التعارض بين الطائفين فكيف يمكن الجمع بينهما؟

أما بالنسبة إلى المقام الاول فقد يقال بعدم وجود التعارض بين الطائفتين وذلك لأنه من ناحية فنية يكون التعارض في امثال المقام يحصل في احدى حالتين(على سبيل منع الخلو) فإذا خلا المورد من كلتا الحالتين فهذا يعني عدم التعارض.

الحالة الاولى: التي يحصل فيها التعارض هو أن نعلم من الخارج وحدة المطلوب عند العجز عن الخصال الثلاث , فحينئذ لا محالة يقع التعارض لأن الطائفة الاولى تقول أن المطلوب هو صيام ثمانية عشر يوماً والطائفة الثانية تقول بأن المطلوب هو التصدق بما يطيق.

والحالة الثانية: هو أن نفترض بأن كل طائفة لها مفهوم تنفي به وجوب ما عدا ما ذكر فيها, فالطائفة الاولى تدل على وجوب صيام ثمانية عشر يوماً وتنفي وجوب ما عداه, والطائفة الثانية تدل على وجوب التصدق بما يطيق وتنفي وجوب ما عداه بالمفهوم, فيقع التعارض حينئذ بين الطائفتين.

فيقال في محل الكلام (لنفي التعارض) أن ما نحن فيه خالٍ من كلتا الحالتين, فلا الحالة الاولى موجودة لعدم الدليل على أن المطلوب شيء واحد لأحتمال أن المطلوب كلا الامرين, ولا الحالة الثانية متحققة في المقام لعدم المفهوم لكل من الطائفتين في نفي وجوب ما عدا الوارد فيها.

وحينئذ لا تعارض بين الدليلين فيعمل بهما كلاهما فنقول بأن العاجز عن الخصال الثلاث يجب عليه امران التصدق بما يطيق وصيام ثمانية عشر يوماً, وهذا هو رأي السيد الخوئي (قد) على تقدير تمامية الطائفتين سنداً ودلالة _لأنه لديه كلام في السند والدلالة_ كما نراه نحن.

وللعلامة عبارة في المختلف عبارة قد يفهم منها انطباق الحالة الاولى في محل الكلام (أي أن الواجب شيء واحد) فيقع التنافي حيث قال(إنهما وردا معا ، وليس الجمع مرادا)[3] .

فيمكن أن يكون هذا الكلام اشارة إلى الحالة الاولى في محل الكلام لكن ذلك ليس واضحاً, فما هو الدليل على أن الجمع ليس مراداً؟

فلعل الجمع يكون مراداً كما سيأتي بأن احد الاحتمالات في المقام هو وجوب الجمع, بل طُبق هذا على ما سيأتي في الاستغفار فقيل بأنه يجب عليه الجمع بين التصدق بما يطيق والاستغفار أو بين صيام ثمانية عشر يوماً والاستغفار, فلا يوجد جزم بأن الجمع ليس مراداً فأن هذا الاحتمال وارد في المقام ولذا لا يتحقق التعارض بين الدليلين.

نعم يمكن دعوى انطباق الحالة الثانية (بأن يدّعى بأن لكل منهما مفهوماً ينفي ما تضمنته الطائفة الاخرى) بأعتبار أن كل واحد من الدليلين يدّعى بأن له ظهورين الاول في تعيين مفاده ومضمونه والثاني في نفي وجوب ما عداه, وينشأ هذان الظهوران من أن المتكلم في هذه الادلة في مقام بيان ما يجب على المكلف العاجز عن الخصال الثلاث, والامام عليه السلام عندما يقول يجب عليه صيام ثمانية عشر يوماً يكون ظاهر الكلام أن الواجب عليه هو هذا (وهذا هو الظهور الاول) ولا يجب عليه ما عدا هذا ( وهذا هو الظهور الثاني(المفهوم))

ولو قال عليك صيام ثمانية عشر يوماً وسكت(أو قال يجب عليك التصدق بما تطيق وسكت كما في الطائفة الثانية) وكان الواجب في الواقع هو هذا وشيء آخر لكان المتكلم مخلاً بالغرض, والمتكلم الحكيم منزه عن ذلك.

وبعبارة اخرى أن لكل من الطائفتين اطلاقين الاول يقابل التقييد ب(أو) وهو ينتج التعيين في مقابل التقييد ب(أو) الذي ينتج التخيير, والاطلاق الثاني في مقابل التقييد ب(الواو) وهو يقتضي نفي وجوب ما عدا ما تضمنه الخبر والتقييد بالواو يثبت الشيء الاضافي.

وبمقتضى هذا الاطلاق الموجود في كلتا الطائفتين يتحقق التعارض بينهما لأن مقتضى اطلاق الطائفة الاولى في مقابل التقييد ب(الواو) نفي وجوب ما عدا صيام ثمانية عشر يوماً ومقتضى اطلاق الطائفة الثانية هو نفي وجوب ما عدا التصدق بما يطيق وبهذا يتحقق التعارض بين الدليلين.

قد يقال بإمكان تقييد اطلاق كل منهما بالآخر, فمثلاً الطائفة الاولى التي تقول بوجوب صيام ثمانية عشر يوماً ومقتضى اطلاقها عدم وجوب ما عدا ذلك, نرفع اليد عن هذا الاطلاق بمقدار ما تدل عليه الطائفة الثانية وهكذا نعمل في الطائفة الثانية فنرفع اليد بمقدار ما تدل عليه الطائفة الاولى, فتكون النتيجة هي وجوب الجمع بينهما والاتيان بكل منهما.

اقول أننا نتكلم في المقام الاول لا في المقام الثاني وهذا الذي ذُكر هو من وجوه الجمع بين الطائفتين بعد فرض التعارض والتنافي وكلامنا في اصل التعارض والتنافي.

والذي نقوله هو وجود التعارض بين الطائفتين على اساس الحالة الثانية لا الحالة الاولى (وحدة المطلوب).

المقام الثاني:

هناك وجوه للجمع بين هذين الدليلين:

الوجه الاول: يقترح رفع اليد عن ظهور كل واحد منهما في التعيين, وحمله على بيان ما يكون مجزياً, فالدليل الاول له ظهور في التعيين أي أن هذا هو الواجب المعين ولا شيء آخر يقوم مقامه (وهذا هو مقتضى الاطلاق المقابل للتقييد ب أو ) وهذا الوجه يقول برفع اليد عن هذا الظهور ونحمله على كونه في مقام بيان ما يكون مجزياً, ولا اشكال في أنه على تقدير التخيير بينه وبين الاخر يكون مجزياً لأنه احد فردي التخيير, فلا اشكال في أن يبين احد افراد التخيير والسكوت عن بيان الافراد الاخرى.

وذهب إلى هذا الوجه العلامة في المختلف والشهيد الاول في الدروس والشهيد الثاني في المسالك ومن المتأخرين صاحب الحدائق والسيد الماتن.

الوجه الثاني: رفع اليد عن ظهور كل منهما في عدم وجوب غير ما ذكر فيه (أي رفع اليد عن الظهور في المفهوم) لأنه إنما يدل على نفي وجوب عدا ما ذكر فيه بالمفهوم, فنقول بأن هذا الدليل (الاول مثلاً) يدل على نفي وجوب ما عدا صيام ثمانية عشر يوماً لكن بلحاظ الامور الاخرى لا بلحاظ التصدق بما يطيق, ونتيجة ذلك الجمع بينهما لا التخيير لأن هذا الاطلاق هو المقابل للتقييد ب(الواو).

الوجه الثالث: هو أن تحمل روايات الطائفة الاولى _ الدالة على وجوب صيام ثمانية عشر يوماً_ على الاستحباب فالواجب هو التصدق بما يطيق ويستحب له أن يصوم ثمانية عشر يوماً وقالوا بأن هذا نظير ما اذا قام دليل على وجوب ذبح رأس غنم وقام دليل آخر في نفس القضية دل على وجوب ذبح بقرة, فأن الفقهاء جمعوا بينهما بحمل ما دل على وجوب ذبح البقرة على الاستحباب, وان الواجب هو ذبح رأس غنم فقط , وما نحن فيه من هذا القبيل بأن يقال بأن الدليل الدال على وجوب صيام ثمانية عشر يوماً محمول على الاستحباب والواجب هو التصدق بما يطيق.

والاقرب من هذه الوجوه هو الوجه الاول, لعدم المخالفة الواضحة فيه الا بمقدار أن الامام عليه السلام سكت عن بيان افراد التخيير الاخرى, ولا مشكلة في بيان فرد من افراد التخيير فهو متعارف بين الادلة, وليس فيه نقض للغرض, نعم سكوته عن بيان افراد التخيير الاخرى تكون فيه مخالفة من هذه الجهة.

وبناءً على هذا الوجه يقال بأن الطائفة الاولى تقول بوجوب صيام ثمانية عشر يوماً ونرفع اليد عن ظهورها في التعيين بالقياس إلى ما دلت عليه الطائفة الثانية.

وهذا بخلاف الوجه الثاني الذي فيه اخلال بالغرض حيث أنه يقول بأن الواجب هو الصيام ثمانية عشر يوماً والتصدق بما يطيق, فيقال بأنه كيف سكت عن التصدق بما يطيق في الطائفة الاولى عندما سأله السائل؟؟

فأن المتكلم في مقام بيان ما يجب على المكلف في هذه الحالة فإذا كان الواجب عليه هو الجمع بينهما لابد من بيانه, فإذا اقتصر على احدهما يكون اخلالاً بالغرض, ومن هنا يكون الوجه الثاني ابعد من الوجه الاول.