36/11/14


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

ذكرنا في المحاضرة السابقة كلاما للشيخ الإيرواني في حاشيته على المكاسب وكان مضمونه أنه يوجد احتمالان الأوّل أن نفترض أن كلّ جزءٍ من الأجزاء يكون رسمه محرّماً ، فلو فرض أنّ الشيء كانت له عشر أجزاء فسوف تصير له عشر حرمات ، والثاني أن نقول إنَّ الحرمة واحدة ولكن هذه الحرمة الواحدة ثابتة للجزء إن رسم وحده - يعني بشرط شيء - أمّا إذا انضمّت إليه بقيّة الأجزاء وصار كلّاً مركباً فالحرمة تثبت للمركب ، فإذن هي حرمة واحدة ولكنها تثبت للجزء إن لم تنضمّ إليه بقيّة الأجزاء ، وأمّا بعد انضمامها إليه فحينئذٍ تثبت الحرمة للمجموع بما هو مجموع ، ولكن بالتالي الحرمة واحدة وليست أكثر ، ونصّ عبارته:- ( مع أنّ من المحتمل قريباً حرمة كلّ جزءٍ جزء أو حرمة ما يعمّ الجزء والكلّ فنقش كلّ جزءٍ حرام مستقلّ إذا لم ينظمّ إليه نقش بقيّة الأجزاء وإلّا كان الكلّ مصداقاً واحداً للحرام )[1] .

وقلنا:- إنّ ما ذكره(قده) يتناسب مع الإطلاق الذي أشرنا إليه حيث قلنا أنّه لو أخذنا بكلّ الروايات ولم نقتصر على الثامنة - فنحن اقتصرنا على الرواية الثامنة لأنّ بقية الروايات ضعّفنا دلالتها - فيمكن أن يدّعى وجود إطلاقٍ حيث ورد في رواية الخصال ( إياكم وعمل الصور )[2] فقد يقال إنّ ( صوّر ) يصدق على رسم الجزء الأوّل وعلى رسم الجزء الثاني .... وهكذا ، فكلّ جزءٍ يصدق على رسمه أنه صورة ، وفي نفس الوقت يقال إنّ ( إياكم وعمل الصور ) يصدق على رسم كلّ جزءٍ إذا لم تنظمّ إليه بقيّة الأجزاء أمّا إذا انظمت إليه فيصدق على الكلّ رسم الصورة فالحرمة تكون ثابتة للكلّ إذا اجتمع الكلّ وللجزء إذا لم تجتمع بقيّة الأجزاء ، فالمقصود هو أنّه إذا أردنا أن نأخذ بالإطلاق في بقيّة الروايات فما ذكره(قده) ليس بالشيء البعيد ، نعم قد نرجّح أحد الاحتمالات على غيره ولكنّ هذا شيء آخر ، ولكن ما ذكره شيء يمكن أن يتفاعل مع الروايات فدعوى أنّ ما أفاده خالٍ من الشاهد مثلاً وأنّه مخالفٌ للظاهر لا معنى له.

نعم يمكن أن يناقش في أصل الإطلاق:-

إمّا بدعوى الانصراف ، فربّ قائل يقول إنَّ قوله عليه السلام ( إياكم وعمل الصور ) ينصرف إلى الصورة الكاملة ، فإنّ تم هذا الانصراف فتكون هناك حرمة واحدة ثابتة لرسم كلّ الأجزاء ، وتكون النتيجة نفس نتيجة الرواية الثامنة - رواية محمد بن مروان - ، يعني أنّ المحرّم هو رسم الصورة كاملة.

وإن رفضنا الانصراف فيمكن على مبنانا في باب الإطلاق أن يدّعى أنّه لا يوجد إطلاق باعتبار أنه لو كان مقصود المتكلّم واقعاً هو المقيّد - وأقصد من المقيّد هنا هو رسم الكلّ كاملاً - لما استهجن منه الإطلاق عرفاً ، يعني لا يقال له عرفاً لماذا لم تقيّد وتقول ( إياكم وعمل الصور كاملةً ) ، وإذا لم يستهجن الإطلاق فعلى هذا الأساس يمكن أن نقول إنَّ المراد هو المقيّد ولا مثبت لإرادة رسم كلّ جزءٍ لأنّ المثبت هو الإطلاق وقد قلنا أنّ الإطلاق لا يمكن الأخذ به لاحتمال إرادة المقيّد من دون استهجان.

إذن إذا أردنا أن نناقش هذا الرأي فسوف نناقشه بإنكار أصل الإطلاق ، أمّا إذا قبلنا الإطلاق فما ذكره حينئذٍ يكون شيئاً ليس بالبعيد.

النقطة الخامسة:- يجوز على كراهةٍ اقتناء الصور وبيعها ، فدمى الأطفال مثلاً وإن كان صنعها حراماً ولكن اقتناؤها وبيعها وشراؤها لا مشكلة فيه وإن كان الاقتناء شيء مكروه .

إذن لنا دعويان الأولى هي أن اقتناؤها وبيعها جائز ، والثانية أنّ الاقتناء مكروه.

أمّا بالنسبة إلى الدعوى الأولى:-

فأولاً:- للتمسّك بالبراءة بعد قصور دليل التحريم ، فإنّ الدليل دلّ على حرمة الصنع ، فمثل رواية محمد بن مروان التي قالت:- ( ثلاثة يعذّبون يوم القيامة ، الأوّل من صوّر صورة حيوان )[3] هي ناظرة إلى الايجاد أمّا الإبقاء والبيع فهي ليست شاملةً له فنتمسّك بالبراءة.

وثانياً:- إنّ الروايات الدالّة على أنّ من يصلّي في مكانٍ فيه تماثيل يلقي عليها شيئاً ويصلي ، والإمام عليه السلام في بعض الروايات يقول ربما أنا فعلت ذلك ، وهذا يفهم منه جواز الإبقاء إذ لو لم يجز الإبقاء والاقتناء كيف يُبقيها الإمام ويلقي عليها ثوباً ؟!!

من قبيل صحيحة محمد بن مسلم:- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام:- أصلّي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها ؟ قال:- لا ، اطرح عليها ثوباً ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوباً وصلِّ )[4] ، فإنّه عليه السلام سكت عن بيان لزوم إعدامها وإزالتها ونفس هذا السكوت يدلّ على جواز إبقائها ، والروايات في هذا المجال متعدّدة وقد عقد صاحب الوسائل(قده) باباً مستقلاً[5] ولعله ذكر فيه أكثر من عشر روايات.

والخلاصة:- أنّ هذه الروايات قد يستفاد منها جواز الإبقاء أيضاً.

وأمّا الدعوى الثانية:- فلوجود بعض الروايات التي تدلّ على أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً[6] فيه هذه الأمور ، ونصّ الرواية:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- قال جبرئيل عليه السلام يا رسول الله إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ولا بيتاً يبال فيه ولا بيتاً فيه كلب )[7] ، وتقريب الدلالة هو أنّ الرواية قالت ( إنّا لا ندخل ) وهذا لا يستفاد منه التحريم بل غاية ما يستفاد هو مرجوحيّة وغضاضة هذه الأشياء لأنها تمنع من دخول الملائكة ، وهذا كلّه شيء واضح.

ونقل الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[8] عن الشيخ الأردبيلي والمحقق الثاني(قده) أنهما جوّزا الاقتناء وزاد على ذلك وقال ( بل إنّ جامع المقاصد قال " إذا جاز الاقتناء جاز البيع ") ، إنّ تعبيره بقوله ( جوّزا الاقتناء ) يظهر منه أنّ مسألة جواز الاقتناء ليست من المسائل الواضحة المتّفق عليها ولذلك نسبها إلى هذين العلمين فانتظر قليلاً.

وأمّا ما نقلة عن جامع المقاصد من أنّه إذا جاز الاقتناء جاز البيع فما هو وجه الملازمة ؟

إذا أردنا أن نصوغ هذا الكلام صياغةً علمية فنقول إنّه ( لوجود المقتضي وفقدان المانع ).

أمّا وجود المقتضي فلقوله تعالى ﴿ أحلّ الله البيع ﴾[9] أو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[10] فإنّه يشمل المقام فالمقتضي لصحّة البيع موجودٌ.

وأما المانع فليس إلّا أنّه لا ينتفع به والمفروض أنّه يجوز اقتناؤه ، يعني يمكن أن نجعل الطفلة تلعب بهذه الدمية وغير ذلك ، فاقتناؤه يجوز ومادام يجوز الاقتناء فتكون هذه منفعة مقصودة والمفروض أنّها محلّلة ، وإذا كانت هناك منفعة محلّلة مقصودة فلا مانع آنذاك من تأثير المقتضي ، لكنه (قده) اكتفى بنفي المانع حيث قال ( إذا جاز الاقتناء جاز البيع ) فهو يريد أنّ يبيّن أنّه إذا جاز الاقتناء يعني انتفى المانع وإذا انتفى المانع جاز البيع ولكنه سكت عن تماميّة المقتضي لوضوحه وأشار فقط إلى أنه إذا جاز الانتفاع فحينئذٍ انتفى المانع لأنّه توجد منفعة مقصودة محلّلة فيجوز البيع آنذاك.

ولا يشكل على ذلك ويقال:- بأنّه يلزم من ذلك جواز بيع الخمر فإنه إذا جاز الاقتناء جاز البيع ؟ فنقول لجامع المقاصد:- إن الخمر يجوز اقتناؤه للتخليل ومادام يجوز اقتناؤه لذلك فيلزم جواز بيعه وهل تلتزم بذلك ؟ ومن أين لك هذه القاعدة ؟!

والجواب:-

إمّا أن نقول:- إنّ هذه المنفعة ليست منفعة مقصودة للعقلاء وتعدّ منفعة نادرة فهي لا تجوّز البيع ، وإنما المنفعة التي تجوّز البيع هي المنفعة المباحة المقصودة للعقلاء.

أو نقول:- توجد نصوصٌ خاصّة تدلّ على حرمة بيع الخمر وبعد وجود النصّ لا يمكن إعمال هذه الملازمة.

إذن العلمان الأردبيلي والمحقق الثاني جوّزا الاقتناء ، بل جوّز الثاني البيع إضافةً الى جواز الاقتناء.

هذا ولكن صاحب الجواهر(قده) نسب إلى الأردبيلي أنّه لا يجوّز الاقتناء ثم قال:- ( وهو مخالف لما هو المجمع عليه ).

ونستفيد من كلام صاحب الجواهر(قده) مطلبين:-

الأول:- إنّ الأردبيلي لا يجوّز الاقتناء.

الثاني:- إنّ عدم تجويز الاقتناء مخالفٌ لما هو المجمع عليه.

ونصّ عبارته هي:- ( أمّا بيعها واقناؤها واستعمالها والانتفاع بها والنظر إليها ونحو ذلك فالأصل والعمومات والاطلاقات يقتضي جوازه مع أنا لم نجد من أفتى بذلك عدى ما يحكى عن الأردبيلي من حرمة الابقاء ويمكن دعوى الاجماع على خلافه )[11] .

إذن عبارته واضحة في أنّه نسب إلى الأردبيلي حرمة الابقاء وأيضاً نسب إلى الفقهاء الإجماع على جواز الاقتناء.

وكلا المطلبين اللذين صدرا من صاحب الجواهر(قده) قد يناقش فيهما:-

أمّا الأوّل- يعني نسبة حرمة الاقتناء إلى الأردبيلي -:- فهو خلاف ما نسبه الشيخ الأعظم للأردبيلي من أنّه جوّز ذلك.

وهل المشتبه هو الشيخ الانصاري أو صاحب الجواهر ؟

والجواب:- إنّه توجد للأردبيلي عبارتان إحداهما في كتاب الصلاة في أبواب لباس المصلّي ذكر فيها أنّ الإبقاء يجوز - يعني أنّ هذا سوف يصير موافقاً للشيخ الانصاري - ، أمّا في كتاب التجارة فيظهر منه عدم الجواز - وهذا سوف يصير موافقاً إلى صاحب الجواهر - ، أما العبارة الواردة في كتاب التجارة فهي:- ( وبعد ثبوت التحريم فيما ثبت[12] يشكل جواز الابقاء لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحريم عدم خلقِ شيءٍ يشبه خلق الله وبقائه لا مجرد التصوير )[13] وعبارته واضحة في أنّ البقاء لا يجوز ، وأما عبارته الواردة في باب لباس المصلّي فهي:- ( ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة وكذا الصورة في الخاتم )[14] وهذه العبارة توافق الشيخ الأنصاري.

وبالتالي انحل التنافي بين قولي العلمين ، ولكنّه بقي بالنسبة إلى الشيخ الأردبيلي.

وأما الثاني:- هو أنّ صاحب الجواهر(قده) نسب إلى الأصحاب أنهم قالوا بحلّية الاقتناء خلافاً للأردبيلي حيث قال:- ( ويمكن دعوى الإجماع على خلافه )[15] - فنعلّق ونقول:- إنّ الشيخ الأنصاري نقل في المكاسب[16] عبارة للشيخ الطوسي(قده) تدلّ على تحريم الإبقاء وكلٍّ تصرفٍ فيه بعد إيجاده فالإيجاد وكلّ تصرّفٍ حرام ، وهكذا عبارة ابن إدريس الحلّي(قده) ، بل ربما تضاف عبارة المفيد(قده).

إذن كيف تدّعي الإجماع مع مخالفة الشيخ الطوسي ؟!!

بقي شيء:- وهو أنّه إذا اردنا أن نستدلّ على حرمة الإبقاء - كما ذهب إليه الأردبيلي في أحد رأييه وكذلك الطوسي وصاحب السرائر - فما هي الأدلّة على الحرمة وهل الأدلّة صالحة أو لا ؟ فإن كانت صالحة أخذنا بها وإن لم تكن صالحة يبقى الدليل الذي ذكرناه وهو ثبوت المقتضي وفقدان المانع يكون في محلّه.


[1] الحاشية على المكاسب، علي الايرواني، ج1، ص132.
[5] وهو باب32 من مكان المصلي.
[6] والمقصود من البيت هو الحجرة.
[12] أي لرسم ذي الروح بنحو التجسيم مثلاً.