36/11/14


تحمیل
الموضوع: الصوم, تكرر الكفارة وعدمه.
يضاف إلى ما تقدم أن الموضوع في هذه النصوص هو الصائم وقد صرح به في بعض الروايات ويفهم من الروايات التي لم تذكره صريحاً وكأن الرواية تقول من جامع وهو صائم فعليه كفارة فنقول بأن موضوع الكفارة وان كان (من جامع) لكن الرواية تذكر قيد (وهو صائم) ايضاً, وحينئذ لا تجب الكفارة الا عندما يكون قد جامع وهو صائم, وهو ليس كذلك في المرة الثانية لأنه جامع ولم يكن صائماً.
والروايات التي تصرح بذلك هي:
الرواية الاولى:عبد المؤمن بن الهيثم الانصاري (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت وأهلكت ! فقال : وما أهلكك ؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتق رقبة، قال : لا أجد، قال فصمشهرين متتابعين، قال : لا اطيق، قال، تصدق على ستين مسكينا، قال : لا أجد، فأتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا فتصدق بها، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فقال : خذه وكله أنت وأهلك فانه كفارة لك)[1]
الرواية الثانية:علي بن جعفر في كتابه (عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان، ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فان لم يجد فليستغفر الله)[2]
والروايات التي لم تذكر عنوان الصائم وقيدت بشهر رمضان ويفهم منها عنوان الصائم هي:
الرواية الاولى: رواية إدريس بن هلال (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، قال عليه عشرون صاعا من تمر، فبذلك أمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك)[3]
فالرواية وان لم تذكر عنوان (الصائم) لكن ذلك يفهم من قوله (أتى أهله في شهر رمضان).
الرواية الثانية:رواية سماعة (قال : سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا ؟ قال : عليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم)[4].
وهذه الرواية كالسابقة حيث لا يفهم منها أنه اتى اهله وهو غير صائم وان كان ذلك موجوداً في حرفية النص لأنها مطلقة تشمل من اتى اهله صائماً أو غير صائم, ليلاً أو نهاراً, لكن لا احد يلتزم بذلك ولذا لا تجب الكفارة على من اتى اهله في الليل في شهر رمضان.
بل هذا الكلام يقال في الرواية التي لم يرد فيها عنوان الصائم ولا عنوان رمضان.
رواية سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا، مد لكل مسكين)[5]
فلا يمكن الاخذ بأطلاق هذه الرواية, وهي مقيدة بشهر رمضان قطعاً كما فهمها العلماء عندما ادرجوها في هذه الابواب.
السيد الخوئي (قد) يقيد هذه الرواية (بمن هو مكلف بالصوم), لكي يتحقق موضوع الكفارة في المرة الثانية لأنه مكلف بالصوم وان ابطل صومه بالمرة الاولى, فتتكرر الكفارة عليه وان لم يكن صائماً.
اقول أن تقييد هذه الرواية _التي لا يمكن الاخذ بأطلاقها_ بالصائم اولى واوضح عرفاً من تقييدها بمن هو مكلف بالصوم وان لم يكن صائماً, لأن هذا التقييد لا شاهد عليه وهو يرجع إلى الدليل الثاني الذي استدل به للقول الثاني(وهو أن موضوع الكفارة مخالفة وجوب الامساك).
واذا تنزلنا عن جميع ما ذكرنا وقلنا بأن الموجود في المقام طائفتان من الروايات:
الاولى: تتضمن تعليق الكفارة على عنوان الافطار.
والثانية: تتضمن تعليق الكفارة على فعل المفطر كالجماع.
وفي هذه الحالة لابد من التصرف بإحدى الطائفتين لعدم امكان العمل بظاهر كل منهما لأنه يستلزم لازم باطل لا يمكن الالتزام به وهو تعدد الكفارة بفعل الموجب مرة واحدة, لأن الطائفة الاولى تقول اذا افطرت تجب عليك الكفارة والطائفة الثانية تقول اذا جامعت تجب عليك الكفارة ومع عدم التصرف بأحدهما يتحقق الافطار والجماع ومقتضى القاعدة تجب عليه الكفارة مرتين, وللفرار من هذا المحذور الباطل لابد من التصرف بظاهر احداهما.
وحينئذ أما أن نتصرف بالطائفة الاولى فيقال بأن الافطار الواقع موضوعاً لوجوب الكفارة يراد به فعل المفطر, وحينئذ يتحد مضمون الطائفتين ويندفع المحذور ولا تجب عليه اكثر من كفارة واحدة.
وأما أن نتصرف في الطائفة الثانية فنقول بأن الجماع وان وقع موضوعاً لوجوب الكفارة لكنه ليس بما هو هو وإنما اخذ موضوعاً بما هو مفطر ومبطل للصوم, فيتحد مضمون الطائفتين ويندفع المحذور ايضاً.
والاولى عرفاً واستظهاراً في المقام أن يقال بأن الجماع وقع موضوعاً لوجوب الكفارة بما هو مفطر.
نعم هناك روايات دلت على تكرار الكفارة بتكرار الجماع _لكنها كلها غير تامة سنداً_ وهي :
الرواية الاولى: الفتح بن يزيد الجرجاني (أنه كتب إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) يسأله عن رجل واقع أمرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات ؟ قال : عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة، فان أكل أو شرب فكفارة يوم واحد)[6]
فالرواية تفصل بين الجماع وبين غيره.
الرواية الثانية: وروى ان أبي عقيل على ما نقله العلامة عنه قال : ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى صاحب كتاب ( شمس المذهب ) (عنهم ( عليهمالسلام ) أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة، فان عاود إلى المجامعة في يومه ذلك مرة اخرى فعليه في كل مرة كفارة)[7]
وهي صريحة في تكرار الكفارة.
الرواية الثالثة: قال العلامة (وروي عن الرضا ( عليه السلام ) أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطء)[8]
ولا يمكن التعويل على هذه الروايات لضعف سندها ولم يعول عليها السيد الخوئي (قد) وإنما استفاد ذلك من ادلة اخرى كما اوضحنا.
ومن هنا يظهر أن القول السادس غير تام, وكذلك يظهر أن القول الثاني غير تام, لأنه يبتني على افتراض أن الموضوع هو الفعل وان لم يكن جماعاً, ومنه يظهر أن سائر التفاصيل الاخرى لا شاهد عليها , والظاهر أن الصحيح هو القول الاول وهو عدم تكرر الكفارة مطلقا.
قال الماتن
مسألة 3 ) : (لا فرق في الإفطار بالمحرم الموجب لكفارة الجمع بين أن يكون الحرمة أصلية كالزنا وشرب الخمر، أو عارضية كالوطئ حال الحيض أو تناول ما يضره)[9]
ويستدل على ذلك بأطلاق الدليل حيث يشمل كل من افطر على حرام والافطار على حرام يشمل من ارتكب حرمة اصلية ومن ارتكب حرمة عارضية.
والمراد بتناول ما يضره في المقام هو ما يصل إلى حد الضرر البليغ الذي يحرم تناوله, لا الضرر البسيط.

قال الماتن
مسألة 4 : (من الإفطار بالمحرم الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث لكنه مشكل)[10]
لعل الاشكال في تحريم النخامة عدم الدليل الواضح على ذلك, لأن ما يستدل به عليها هو (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)[11]
وقد تقدم الاشارة إلى أن المقصود بالخبائث في الآية الشريفة هو الخبائث من الاعمال في قبال الاعمال الطيبة, لا الاعيان الخارجية لكي تطبق على النخامة وامثالها, فالآية اجنبية عن محل الكلام بالمرة.
هذا من جهة (الكبرى) ومن جهة اخرى(الصغرى).
أن تطبيقها على النخامة _ على فرض تسليم الكبرى وان الخبائث محرمة _ غير واضح, لأن الخبيث بناءً على هذه الكبرى يراد به ما تستقذره النفس ويشمئز منه الطبع وهو غير حاصل في نخامة نفس الشخص, وهذا هو المتعارف, ويذكر السيد الخوئي (قد) في المقام (ومنع الصغرى ثانيا فإن الخبيث هو ما يتنفر منه الطبع، والنخامة ما لم تخرج عن فضاء الفم مما يقبله الطبع ولا يتنفره لتعارف ابتلاعه كثيرا من غير أي اشمئزاز فنخامة كل أحد غير خبيثة بالإضافة إليه، ما لم تخرج عن فضاء فمه ولأجله كان الافطار به افطارا بالحلال لا بالحرام)[12]
ومن هنا يظهر أن اشكال السيد الماتن في النخامة في محله.