36/12/23


تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 19 .
أن قول الرواية (كان عليه صيام شهرين متتابعين)[1] فيه احتمالان:
الاول: أنه ظاهر في الوجوب التعييني, وهو يستلزم افتراض العجز عن العتق والاطعام في زمان سابق في الكفارة المخيرة والمرتبة, غاية الأمر أنه في الكفارة المرتبة لا نشترط في وجوب صيام شهرين متتابعين تعييناً الا العجز عن العتق, بينما في الكفارة المخيرة يكون مشروطاً بالعجز عن كل من القسمين الاخرين.
وحينئذ يكون قوله في الرواية (ولم يقدر على العتق)( ولم يقدر علىالصدقة) اشارة إلى هذا العجز كما هو الظاهر فيكون معنى الرواية أن هذا رجل لم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة فتعين عليه صيام شهرين متتابعين ثم عجز عن الصيام, وعلى هذا التفسير تكون الرواية مختصة بالكفارة المخيرة, لأن العجز عن الصدقة ليس معتبراً في تعين وجوب صيام شهرين متتابعين في الكفارة المرتبة, وإنما هو معتبر في تعين وجوب صيام شهرين متتابعين في الكفارة المخيرة, وحينئذ لابد من حمل الرواية على الكفارة المخيرة, فيصح الاستدلال بها على القول الاول في محل الكلام.
الثاني: اذا قلنا بظهور الرواية في الاعم من الوجوب التعييني والتخييري, وموضوع الحكم فيها هو (كل من وجب عليه الصيام ولو تخييراً ) فتشمل الرواية الكفارة المخيرة والمرتبة بل تشمل حتى كفارة الجمع, لأن صيام شهرين متتابعين وجب عليه والمفروض أن المفهوم منها هو الوجوب الاعم وليس الوجوب التعييني فقط, وحينئذ يصح الاستدلال بها ايضاً لأن موضوع الحكم لصوم ثمانية عشر يوماً هو كل من وجب عليه صيام شهرين متتابعين ولو تخييراً وعجز عنه وعن الخصال الاخرى, وهو بأطلاقه يشمل الكفارة المخيرة والمرتبة, ونفس الكلام (الشمول للكفارتين) نقوله عند انكار كون عبارة (عليه صيام شهرين متتابعين) ظاهرة في الوجوب اصلاً, وإنما قلنا بأنها ظاهرة في الحكم الوضعي, أي الثبوت في الذمة, فقوله عليه صيام شهرين متتابعين يعني ثبت في ذمته صيام شهرين متتابعين, وحينئذ يكون شموله لمحل الكلام واضحاً, فتشمل الكفارة المخيرة والمرتبة, لأنه على كلا التقديرين نستطيع القول أنه ثبت في عهدته صيام شهرين متتابعين ولو على نحو التخيير , فالثبوت في العهدة لا يتوقف على أن يكون الواجب تعيينياً.
وحينئذ يتضح صحة الاستدلال بالرواية في محل الكلام على جميع التقادير.
ذُكر مطلب في محل الكلام لغرض اثبات أن الوجوب في الرواية وجوب تعييني لا تخييري, في مقابل الترديد المتقدم, وذلك لأن القاعدة عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير تقتضي الحمل على التعيين, بأعتبار أن التخيير يحتاج إلى مؤنة زائدة وهي العطف ب(أو), فإذا ورد صلِ واطعم واكرم من دون العطف ب(أو) نستفيد من ذلك أن الواجب واجب تعييني وكذلك في محل الكلام ايضاً يقال اننا اذا استفدنا من (عليه صيام شهرين متتابعين) الوجوب فلابد أن يكون وجوباً تعيينياً لا تخييرياً, قياساً له بما اذا قال اعتق رقبة ولم يقل (أو اطعم ستيناً مسكيناً) فمقتضى القاعدة أنه واجب تعييني.
اقول هذا الكلام لا معنى له في المقام فأنه يصح في مثال اعتق رقبة ومثال صلِ أي عندما يأمر المكلف بعتق رقبة لكي يقال بأنه اُمر بعتق رقبة من دون العطف ب(أو) ولو كان عتق الرقبة واجباً تخييرياً لكان على المتكلم البيان في العطف ب(أو), واذا لم يعطف فأن هذا يعني أن الواجب ليس تخييرياً بل هو واجب تعييني .
وفي محل الكلام لا يوجد طلب للصوم_ لم يقل صم_ لكي يقال بأن هذا الواجب تعييني لأنه لم يعطف ب(أو) وإنما هو اخبار عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين, ولا معنى لتطبيق القاعدة السابقة عليه, فهي إنما تطبق عند الأمر بالفعل لا عند الاخبار كما في المقام, فالكلام في أن هذا الرجل الذي عليه صيام شهرين متتابعين وقع موضوعاً للحكم بأنه اذا عجز عن الصيام والخصال الاخرى عليه أن يصوم ثمانية عشر يوماً.
ومن الواضح بأنه اذا وقع موضوعاً لهذا الحكم فمقتضى اطلاقه شموله للكفارة المخيرة والكفارة المرتبة ففي كل منهما يصح أن نقول رجل عليه صيام شهرين متتابعين, فتبين أن الاستدلال بالحديث الاول في محل الكلام تام.
ملاحظة
الموجود في ذيل هذه الرواية في الاستبصار (فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة أيام ثلاثة أيام) [2] وليس عن كل عشرة مساكين ثلاثة ايام, والظاهر أنه اشتباه في الاستبصار بقرينة المصادر الاخرى لهذا الحديث فأنها مجمعة على عبارة (عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) وكذلك في الروايات الاخرى التي تقدمت.
الرواية الثانية: رواية أبي بصير ( قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل ظاهر من امرأته، فلم يجد ما يعتق، ولا ما يتصدق، ولا يقوى على الصيام، قال : يصوم ثمّانية عشر يوما، لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام) [3]
والرواية تامة سنداً وهي صريحة في انها واردة في الكفارة المرتبة ومحل كلامنا هو الكفارة المخيرة, والاستدلال بها في محل الكلام مبني على الغاء خصوصية الظهار والكفارة المرتبة لكي يمكن التعدي إلى الكفارة المخيرة, وهذا يتم بدعوى أن المستفاد من الرواية الشريفة بيان ضابطة كلية, ولا تختص بباب الظهار, أي كلما وجب على المكلف اطعام ستين مسكيناً يبدل عند العجز عنه بالصيام ثمانية عشر يوماً سواء كان ذلك في الكفارة المرتبة أو في الكفارة المخيرة.
وقد يتوقف في هذه الدعوى لأحتمال اختصاص هذه القضية بما اذا كان الاطعام واجباً تعييناً كما هو الحال في الظهار عند العجز عن العتق وانتقال الحكم إلى صيام الشهرين المتتابعين ثم عجز عن ذلك وانتقل الحكم إلى الاطعام ثم عجز عنه فأن حكمه يكون صيام ثمانية عشر يوماً عن اطعام ستين مسكيناً الذي هو واجب تعييناً, أما اذا كان الاطعام واجباً تخييرياً وعجز عن العتق والصوم فليس معلوماً بشمول الرواية له, وهذا الاحتمال يبرز في المقام لمنع التعدي.
ولكن يمكن أن يقال بأن الرواية يستظهر منها عدم الاختصاص بأعتبار انها لم تصرح بالوجوب التعييني فلو انها صرحت به وافترضت العجز عن العتق والصيام ثم قالت اذا عجز عن ذلك يجب عليه الاطعام فأن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً, أي أن الرواية فرضت وجوب الاطعام تعييناً ثم فرضت العجز عنه وانتقلت إلى صيام ثمانية عشر يوماً فحينئذ يمكن أن يقال بأن الوجوب التعييني للإطعام دخيل في الانتقال إلى هذا البدل لكن الرواية ليس فيها تصريح بالوجوب التعييني خصوصاً انها لم تراعي التسلسل في كفارة الظهار حيث قالت (فلم يجد ما يعتق، ولا ما يتصدق، ولا يقوى على الصيام) فالمناسب _لو كان هذا ملحوظاً _أن تقول الرواية (فلم يجد ما يعتق ولا يقوى على الصيام ولا يجد ما يتصدق به) فعدم رعاية السياق في التعبير مع عدم التصريح بالوجوب التعييني للإطعام يمكن أن يُجعل قرينة ويستظهر على اساسه أن موضوع الحكم بالصيام ثمانية عشر يوماً هو عبارة عن (العجز عن الخصال الثلاثة) ولذا لم تلاحظ الرواية الترتيب فكأنها تريد أن تقول اذا عجز عن الخصال الثلاثة ينتقل إلى صيام ثمانية عشر يوماً, وهذا المعنى يمكن تطبيقه حتى في الكفارة المخيرة, فيقال بأن الكفارة المخيرة اذا عجز عن الخصال الثلاثة فيها ينتقل حكمه إلى صيام ثمانية عشر يوماً, ومن هنا يظهر أن الاستدلال بهذه الرواية على القول الاول لابأس به ومنه يظهر أن ما احتمله بعض المحققين من اتحاد الروايتين (الاولى والثانية) _ حيث يتحد فيه الراوي وهو ابو بصير والمروي عنه وهو الامام الصادق عليه السلام والفاظ الروايتين_ لو تم لابد من حمل الرواية الاولى على الظهار لأن الرواية الثانية صريحة فيه. ولكن حتى لو صح ذلك وحملنا الرواية الاولى على الظهار يتبين عدم المانع من الاستدلال بها في المقام بعد الغاء خصوصية الظهار