36/03/22


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) – المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
ثانياً:- قال(قده):- لا يقال بأنّ استصحاب عدم ترتّب الأثر معارضٌ للبراءة عن الشرطيّة المشكوكة إذ يقال إنّ البراءة عن الشرطيّة المشكوكة هي أصلٌ سببيٌّ وذاك أصلٌ مسبّبيٌّ والسببي حاكمٌ على المسبّبي.
ونحن نقول:- هذا وجيهٌ ولكن نقول إنّ شرط تحقّق الحكومة هو أن تكون السببيّة شرعيّة وإلا كان المورد من الأصل المثبت، وفي المقام نقول إنَّ البراءة وإن نفت الشرطيّة المشكوكة ولكن لا يوجد نصٌّ شرعيٌّ يقول ( إذن ثبتت شرطيّة المشكوك - مثل العربية - ) فالأثر لا يترتّب من دونه وإذا لم تكن الشرطيّة ثابتةٌ فالأثر - أي الملكيّة - ثابتٌ من دونه، إنَّ هذا مطلبٌ يحكم به العقل دون الشرع، فالسببيّة سببيّة عقليّة لا شرعيّة والأصل كلّما جرى لإثبات الآثار غير الشرعيّة فهو مثبتٌ.
ثالثاً:- ذكر(قده) أنّ صحيحة البزنطي وصفوان تنفي الصحة - أي صحّة اليمين المكره عليه - والصحة حكمٌ وضعيٌّ، ونحن نقول:- نسلّم أنّ الصحّة حكمٌ وضعيٌّ لكن من قال أنَّ الإمام طبّق الحديث لإفادة نفي الصحّة التي هي حكمٌ وضعيٌّ فإنَّ الوارد فيها ( أيلزمه شيء ؟ ) يعني هل تجب عليه الكفّارة وهل يلزمه الوفاء به فقال الإمام ( لا ) - للحديث المذكور - ولعلّ المقصود هو إفادة نفي وجوب الكفارة ووجوب الوفاء لا نفي الصحّة فكيف تستفيد أنَّ الإمام حينما طبّق الحديث قد طبّقه لنفي الصحّة - أي للحكم الوضعي - ؟!!
إن قلت:- إنّ الحديث نفى الصحّة شئت أم أبيت.
قلت:- صحيحٌ هو نفى الصحّة ولكن ابتداءً لم يطبّق لنفي الصحّة وإنما طُبّق لنفي الوجوب - أي وجوب الكفارة ووجوب الوفاء - ونحن ننتزع ونقول ( إذن ليس هو بصحيحٍ ) لا أنَّ الإمام قد طبّقه.
وألفت النظر إلى أنني لا أريد أن أدّعي الجزم بهذا المطلب - يعني أن الإمام حتماً طبقه لنفي الوجوب التكليفي - حتى يقول قائل من أين لك هذا الجزم بل أدّعي الاحتمال، فمن المحتمل أنّ الامام قد طبّقه لذلك، ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن أن نثبت أن المستفاد من هذه الرواية أنَّ حديث الرفع يشمل الحكم الوضعي وينفيه، فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية بعد وجود هذا الاحتمال.
والخلاصة:- هي أن الحديث مجملٌ من هذه الناحية.
وأقول شيئاً:- وهو إنَّ هذه المناقشة مناقشة فنّية لا تؤثر عليه لأننا سوف نقول له(قده) إنّه بالتالي يوجد عندك الاطلاق فتمسّك به فإنه يكون أفضل، فمن هذه الناحية سوف يتضعضع ما سعى إليه ولكن يتمكن أن يقول إنَّ حديث الرفع يشمل الأحكام الوضعية ولكن بالاطلاق لا بهذه الرواية فإنَّ هذه الرواية حمّالة وجوهٍ فيحتمل أنّها تنفي الصحّة ويتحمل أنّها تنفي الوجوب التكليفي فقط ونحن ننتزع من رواء ذلك نفي الصحّة.
والخلاصة من كلّ ما ذكرنا:- أنّ الأصل العملي يقتضي ثبوت الشرطيّة المشكوكة لا نفيها وفاقاً للشيخ الأعظم(قده) وذلك لأجل استصحاب عدم ترتّب الأثر وما أفاده الشيخ الايرواني(قده) قابلٌ للمناقشة.
الأصل اللفظي:-
وأمّا الأصل اللفظي فقد ذكرت له عدّة نصوصٍ قرآنيّة وغير قرآنية كما جاء في المكاسب، ونضيف إلى ذلك وجهاً آخر وهو ظريفٌ إن تمَّ، والتقريبات هي كالتالي:-
التقريب الأوّل:- التمسّك بالسيرة والبناء العقلائي، وذلك بأن يقال:- إنّ كلّ معاملة إذا كانت عقلائيّة وانعقد الارتكاز العقلائي عليها - مثل معاملة البيع والاجارة وما شاكل ذلك - فحينئذٍ نقول إنّه لو لم يرتضِ الشارع بهذه المعاملة أو ببعض تفاصيلها العقلائيّة يلزم أن يردع عنها وحيث لم يردع فيكون ذلك دليلاً على الامضاء.
إذن لا نحتاج بهذا التقريب إلى التمسّك بآيةٍ أو رويةٍ بل يكفينا هذا المقدار، فمثلاً معاملة الاجارة قد يصعب أن نُحصّل على إطلاقٍ يثبت صحّتها بعمومها في كلّ المجالات فإذا تعذّر ذلك يمكن التمسّك بهذا البيان بأن يقال هي معاملةٌ عقلائيّةٌ فإذا شككنا أنّه هل يعتبر فيها هذا الشرط أو لا ؟ فسكوت الشارع يكشف عن إمضائها، وواضحٌ أنَّ شرط هذا البيان هو أن تكون المعاملة عقلائيّة وقد ثبتت عقلائيّتها في عصر المعصوم وإلا فالمعاملات المستحدثة يشكل التمسّك فيها بهذا البيان كمعاملة التأمين على الحياة وغيرها لأنّ هذه المعاملة لم تكن ثابتة في عهد النصّ وعقلائيّتها لم تكن واضحة حتى يقال إنّه لو لم يرتضِ الشارع بها لردع عنها . إذن هذه الطريقة سوف تنفعنا ولو في مساحةٍ ضيّقة في المعاملات العقلائيّة.
إن قلت:- إنّ المعاملة إذا كانت عقلائيّة وقد جرت عليها السيرة فسوف يثبت الإمضاء من باب وجود السيرة العقلائيّة الممضاة، ولكن هذا ينفعنا في خصوص ما جرى عليه العقلاء بالفعل فسكوت الشارع يكشف عن الإمضاء وهذا المقدار ليس بتلك الأهميّة والنفع ؟
قلت:- إنّه يمكن بهذه الطريقة أن نثبت إمضاء الشروط التي لم تجرِ عليها السيرة بالفعل من قبيل أنّ المتداول بين العقلاء هو العقد بالماضي مثلاً أمّا العقد بالمضارع فلم يكن متداولاً ولكن رغم عدم تداوله يمكن أن نتمسّك بهذا الطريق لإثبات الامضاء بأن نقول إنَّ الحيثية العقلائيّة في أذهان العقلاء لا تحدد العقد بخصوص الماضي، نعم اتفاقاً هم يجرونه بالماضي إلّا أنّ النكات العقلائيّة المرتكزة في أذهانهم هي أنه لا خصوصيّة للماضويّة، ففي مثل هذا المورد أيضاً نستكشف من سكوت الشارع الامضاء باعتبار أنّه من المحتمل أنّ العقلاء لهذه النكتة العقلائية المركوزة في أذهانهم يجرون العقد في يوم من الأيام بغير الماضي وفلا بدَّ من باب الحذر المسبق من قبل الشارع أنّ يردع.
إذن هذه الطريقة ذات مساحة ليست بالمساحة الواسعة جداً ولا بالضيّقة جداً فلا نستفيد منها في مطلق المعاملات بل العقلائية الثابتة في عهد النصّ فقط فمن هذه الناحية ليست وسيعة جداً، كما أنها ليست ضيّقة جداً إذ هي لا تختصّ بالشروط والأمور التي جرت عليها السيرة، يعني نقول إنّه مادام قد جرى العقد بالماضي فالإمضاء ينحصر بالماضي، كلّا بل نعمّم للمضارع مادامت النكتة العقلائيّة من هذه الناحية قابلة لشمول العقد بغير الماضي فمن باب الحذّر المسبق لابد وأن يردع الشارع.
التقريب الثاني:- التمسّك بإطلاق قوله تعالى:- ﴿ أوفوا بالعقود ﴾[1]، بتقريب:- أنَّ الآية الكريمة تدلّ بالمطابقة على وجوب الوفاء بكلّ عقدٍ وتدلُّ بالالتزام على شرعيّته وإمضائه فيثبت بذلك أنّ كلّ عقدٍ هو مشروعٌ وممضىً من قبل الشرع تمسّكاً بالدلالة الالتزاميّة.