36/08/20


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الرواية السادسة:- رواية - أو موثقة السكوني - عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال أمير المؤمنين عليه السلام:- بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة فقال:- لا تدع صورة إلا محوتها ولا قبراً إلا سويته ولا كلباً إلا قتلته ) [1]، فقوله صلى الله عليه وآله ( لا تدع صورة الا محوتها) نهيٌ وهو دالٌّ على التحريم ولزوم محو كلّ صورة.
وفيه:- إنّ هذه قضيّة في واقعة ومعه لا ينعقد الاطلاق للرواية.
وبكلمة أخرى:- هي قضيّة خاّصة لا نعرف ملابساتها، فلعلّ الصور التي كانت موجودة هي للأصنام ورموز الشرك فحينما قال صلى الله عليه وآله:- ( لا تدع صورة إلا محوتها ) يعني صور الشرك التي كانت موجودة في ذلك الزمان.
وهكذا بالنسبة إلى القبر، فلعلّ قبورهم كانت مسنّمة وهو شيءٌ مبغوضٌ في الإسلام . وهكذا بالنسبة إلى الكلب إذ لعلّها كانت مصابة بداء( الكَلَب ).
إذن لا يمكن التمسّك بإطلاق الرواية لما قلنا من أنها قضيّة في واقعة.
وهذا الذي ذكرناه أولى مما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب فإنّه ذكر أنّ السياق ظاهر في الكراهة لأنّ الأمر بقتل الكلب مطلقٌ وهو لا يمكن أن يحمل على اللزوم . إذن لابدّ من حمله على الكراهة.
وهكذا بالنسبة إلى القبر فهو مطلقٌ يحمل على كراهة مثل الامر، وبالتالي فالنهي ليس الزاميّاً، وعليه إذا كان الأمر هكذا بالنسبة إلى الفقرتين فلابد وأن يكون المراد من فقرة ( لا تدع صورة ) هو الكراهة أيضاً، كلّ ذلك لقرينة السياق.
ويرد عليه:- إنّنا ما دمنا قد قلنا إنها قضيّة في واقعة فلا تصل النوبة إلى ما ذكره من أنّ ظاهر السياق هو الحمل على الكراهة إذ لا ينعقد الإطلاق أصلا حتى يكون موجباً لحمل السياق على الكراهة. هذا كلّه من حيث الدلالة.
وأما من حيث السند:- فقد ردّدنا بين كونها رواية أو موثقة لورود النوفلي في سندها، فإنها رويت عن ( عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني )، والسكوني قد قال عنه الشيخ الطوسي ( عملت الطائفة برواياته ) [2]، وأمّا الحسين بن يزيد النوفلي فلم يرد فيه توثيقٌ كما قلنا، نعم لو قلنا بأنّ توثيق السكوني يدلّ على توثيق النوفلي بالملازمة إذ في كثيرٍ من الاحيان يرد النوفلي في طريق السكوني وهذا يدلّ بالالتزام على أنهم يعملون بروايات النوفلي، وإذا قلنا - كما صرنا إليه أخيراً - أنّ المراد من عمل الطائفة هو عملها بروايات السكوني من ناحيته هو أما أنّه لو وجد مانعٌ من جهةٍ أخرى غير جهة السكوني فهذا ليس منظوراً اليه وهذا كاحتمالٍ - وإن لم نقل هو الظاهر – هو موجود فعلى هذا الأساس يشكل توثيق النوفلي.
الرواية السابعة:- عن أمير المؤمنين عليه السلام - كما في رواية الخصال-:- ( إيّاكم وعمل الصور فإنكم تسألون عنها يوم القيامة )[3]، وإذا رجعنا إلى الخصال نفسه نجد الرواية بهذا الشكل:- ( إياكم وعمل الصور فتسألوا عنها يوم القيامة ) . ولعلّ النقل الأوّل هو الأولى.
والكلام تارة يقع في دلالتها وأخرى في سندها:-
أمّا الدلالة:- فيمكن أن تناقش بمناقشتين:_
الأولى:- إنّهيصعب استفادة التحريم من لسانها ن فإنّ التحذير بكلمة ( إياكم ) و ( السؤال ) لا يستفاد منهما التحريم فإنهما يتناسبان مع الكراهة والحزازة الشديدة لا أنه يتلاءم فقط وفقط مع التحريم.
الثانية:- لو تنزّلنا وقلنا هي ظاهرة في التحريم ولكن نقول هي لا تنفع لبيانين:-
البيان الأوّل:- إن الأمر يدور بين الحفاظ على ظاهرها في التحريم فيلزم تقييد المتعلّق، فصورة الشجرة مثلاً لا يحتمل أن أُسأل عنها يوم القيامة. إذن أن نبقي ظاهر التحريم على حاله فيلزم رفع اليد عن الإطلاق، ومع عدمه لا يمكن الاستفادة من الرواية آنذاك لاحتمال أّن المقصود هو صور الأصنام ورموز الشرك.
إذن بعد فرض رفع اليد عن الإطلاق بقرينة التحريم يحتمل أن يكون المراد هو صور الشرك والإلحاد . أو أن نعكس بأن نحافظ على الإطلاق ويلزم حمل التحذير- ( إيّاكم) - على الكراهة، وآنذاك لا ننتفع منها أيضاً.
إذن لا ننتفع من الرواية على كِلا الاحتمالين.
البيان الثاني:- ولعلّه روحاً عين البيان الأوّل وهو أن نقول:- إنّ الإطلاق بعرضه العريض في كلمة الصور لا يمكن الأخذ به بل لابد من رفع اليد عنه لما أشرنا اليه من عدم احتمال حرمة أيّ صورةٍ من الصور كصورة الجدار أو الشجرة فإنها لا يحتمل أن نُسأل عنها يوم القيامة، وبعد رفع اليد عن الإطلاق - وهذه المسألة لم تذكر في علم الأصول - فهل نرفع اليد عنه بمقدار الضرورة ونلتزم به في المقدار الممكن أو أنّ الإطلاق ينهدم رأساً ونقتصر على القدر المتيقن؟ المناسب هو الثاني، باعتبار أنّ مدرك حجيّة الإطلاق هو السيرة العقلائيّة وهي لا يجزم بانعقادها على المحافظة على الإطلاق بالمقدار الممكن، وعلى هذا الاساس ينهدم الإطلاق ولا يمكن التمسك به فنقتصر على القدر المتيقّن، والقدر المتيقّن في مسألتنا هو صور الشرك والإلحاد.
وأمّا سنداً:- فقد نقلها الصدوق(قده) في الخصال وهي جزءٌ من حديث الأربعمائة، فإن الشيخ الصدوق نقل في خصاله أنّ أمير المؤمنين عليه السلام علّم أصحابه - في مجلسٍ واحدٍ - أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه وإحدى تلك الفقرات هي هذه . أما سند حديث الأربعمائة فهو:- ( الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام )، ولا توجد مشكلة في هذا السند إلا من جهة حفيد الحسن بن راشد - أي القاسم بن يحيى - فهو لم يذكر بتوثيق.
نعم نقل السيد الخوئي(قده) في المعجم في ترجمة القاسم بن يحيى أنّ الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه روى زيارةً للإمام الحسين عليه السلام وقال:- ( إني اخترت هذه لأنّها أصحّ الزيارات عندي من طريق الرواية )[4]، وإذا رجعنا إلى الزيارة لوجدنا الشيخ الصدوق ينقلها عن القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير عن الصادق عليه السلام.
إذن تعبير الشيخ الصدوق بأنها أصحّ الروايات مع كون السند مشتمل على القاسم بن يحيى قد يستفاد منه التوثيق.
ولكن يرد عليه:- إنّ التعبير بــ( أصحّ ) لا يدلّ على وثاقة القاسم، بل لعلّه حصل على قرائن أورثت له الاطمئنان والوثوق فعبّر عنها بأصحّ الروايات، نظير ما ذكره في مقدّمة الفقيه حيث قال:- ( إني لا أروي في هذا الكتاب إلا ما أفتي به وأحكم بصحته وهو حجّة بيني وبين ربي )[5]فيقال إنّ كلّ ما هو موجود في الفقيه صحيحٌ ويؤخذ به.
ولكنّنا نقول:- إنّ الحكم بالصحّة لا يدلّ على وثاقة الرواة بل لعلّه حصل على قرائن أورثت له الاطمئنان والوثوق فعبّر بذلك بحيث اطلعنا على تلك القرائن لم يحصل عندنا الاطمئنان والوثوق فتكون حجّة عليه وليس علينا، وفي مقامنا يقال نفس الشيء . هذا ما قاله السيد الخوئي(قده).
ولكن لو رجعنا إلى الفقيه لوجدنا ما نصّه:- ( هذه الزيارة رواية الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير عن الصادق عليه السلام )، وقال في الرواية الأخرى:- ( وقد أخرجت في كتاب الزيارات وفي كتاب مقتل الحسين عليه السلام أنواعاً من الزيارات واخترت هذه لهذا الكتاب لأنّها أصحّ الزيارات عندي من طريق الرواية )[6].
والذي أريد قوله:- هو أنّ القاسم بن يحيى لم يذكره الشيخ الصدوق(قده) فكيف يقول السيد الخوئي(قده) إنّ القاسم بن يحيى قد ورد في السند؟! إلّا أن يقال باختلاف نسخ الفقيه والله العالم.