36/06/17


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 10 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
مسألة ( 10 ):- تحرم ولا تصح المعاملة بالدراهم الخارجة عن السكة المعمولة لأجل غشّ الناس فلا يجوز جعلها عوضاً أو معوضاً عنه في المعاملة مع جهل من تدفع إليه أمّا مع علمه فيه إشكال والأظهر الجواز بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون إعلامه بأنّها مغشوشة وفي وجوب كسرها إشكالٌ والأظهر عدمه.[1]

وقبل أنّ نتعرّض إلى أحكام هذه المسألة نشير إلى قضايا جانبيّة ثلاث:-
القضية الأولى:- ذكرنا سابقاً أنّ المسألة الأولى من بداية كتاب التجارة إلى نهاية المسألة السابعة يتعرّض إلى القسم الأوّل من المعاملات المحرّمة وهي المعاملة التي تحرم لأجل كون متعلّقها وموضوعها هو من النجاسات، ثم في المسألة الثامنة والتاسعة شرع في القسم الثاني من المعاملات المحرّمة وهي ما تحرم لأجل أنّ الفائدة فيها منحصرة بالحرام، وفي هذه المسألة يتعرّض إلى العملة المزيّفة، إنّ هذه المسألة يمكن أن نعدّها من توابع ومصاديق النوع الثاني من المعاملات المحرّمة فإنّ النوع الثاني هو ما يحرم لكون الفائدة محرّمة لا غير وفي العملة المزيّفة الأمر كذلك فإنه تنحصر فائدتها بالمحرّم.
إذن هذا ليس شروعاً في نوعٍ ثالثٍ بل هو بَعدُ في النوع الثاني، وقد ذكرنا أنّ تقسيم هذه المعاملات المحرّمة إلى هذه الأقسام لا نعلم من أين بدايته فالمحقّق(قده) في الشرائع ذكره ولكن لا نعلم من ذكره قبله.
القضيّة الثانية:- كان من المناسب عقد المسالة لا بعنوان الدراهم المغشوشة فإنّ الدراهم ربما لا يكون لها وجودٌ في بعض البلدان، مضافاً إلى أنّه لماذا التخصيص بالدراهم فإنّ الدنانير كذلك فإنّ الغشّ كما يكون في الدراهم يكون في الدنانير أيضاً، على أنّ الغش قد لا ينحصر بالدراهم والدنانير بل يكون في عملاتٍ أخرى والحرمة أيضاً تسري هناك ولا تختصّ بالدينار والدرهم، فالمناسب إذن عقد المسألة بعنوان العملة المزيّفة حتى يشمل كلّ هذا وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها.
ولعل السبب الذي جعل الفقهاء يعقدون المسألة بعنوان الدراهم هي أنّ الروايات الواردة في الحرمة واردة في الدراهم فخصّصوا المسألة في الدراهم ولكن من الواضح أنّه ينبغي للفقيه أن يوسّع موضوع المسألة فيما إذا فرض أنّ النكتة لا تختصّ بمورد الروايات ولا يحتمل أحدٌ أنّ خصوص الدراهم المزيّفة لها خصوصيّة بل يعمّ كلّ عملة.
القضية الثالثة:- إنّ هذه الأحكام التي سوف تذكر في هذه المسألة تختصّ بما إذا كانت المعاملة شخصيّة يعني انصبّت على العوض المعيّن يعني على هذا الدينار أو هذا الدرهم وليس على الكلّي إذ لو كان على الكلّي فالمعاملة صحيحة ولكن التسليم والدفع يكون باطلاً ومحرّماً فلو فرض أنّا أجرينا المعاملة على الكلّي بكذا مقدار من الدنانير فأتى المشتري بالدنانير وسلّمها ثم بعد ذلك تبيّن أنّها مزيّفة فأصل المعاملة هنا ليست باطلة بل هي صحيحة لأنها وقعت على الكلّي والبطلان يكون في الدفع فلابد من أن يدفع الصحيح، نعم إذا فرض أنّه أخذ يماطل في التبديل فنتمكّن أن نفسخ المعاملة من باب الشرط الضمني لأنّه يوجد شرط ضمنيّ بأن يكون التسليم فوراً بالفوريّة المتعارفة وقد تخلّف هذا الشرط فلي خيار تخلّف التسليم - الذي هو من مصاديق تخلّف الشرط أو لروايات خاصّة - لا أنَّ أصل المعاملة باطلة، وقد ذكرت مراراً أنّه لو فرضنا أنّ شخصاً كان سارقاً ودعانا إلى بيته لتناول الطعام فهل يجوز لنا الأكل عنده ؟ نعم يجوز الأكل والشرب لأنّه قد اشترى الأكل بالكلّي، نعم هو قد دفع من المسروق فالدفع حرامٌ دون نفس الأكل، نعم مثلي ومثلك لا يجوز له الذهاب والأكل من باب العنوان الثانوي لأنَّ هذا يعدّ عرفاً نحو دعمٍ للانحراف والباطل.
ففي موردنا هذه الأحكام التي سوف نذكرها كلّها تثبت فيما إذا فرض أنّ المعاوضة كانت على العوض الشخصي، وأمّا إذا كان على الكلّي فهذه الأحكام لا تأتي وكان من المناسب في المسألة بيان ذلك.
أمّا المسألة فهي قد تعرّضت إلى مجموعة أحكام:-
الحكم الأوّل:- إنّ المعاملة التي يكون فيها العملة المزيّفة بنحو العوض أو المعوّض الشخصي محرّمة تكليفاً، والوجه في ذلك واضح فإنّ هذه المعاملة معاملة على الغش والغش حرام تكليفاً.
أمّا بالنسبة إلى الصغرى:- فهي واضحة لأنّ المفروض أنّ العوض أو المعوّض هو عملة مغشوشة والتعامل عليها معاملة على الغش.
وأما الكبرى -يعني أن الغش حرام -:- فقد يستدلّ عليه بالوجهين التاليين:-
وقبل أن أذكر الوجهين أقول:- ادعى صاحب الجواهر(قده) ادعى عدم الخلاف في حرمة الغش حيث قال:- ( بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه كما أن النصوص مستفيضة أو متواترة فيه )[2]، وقريبٌ من ذلك ذكر الشيخ النراقي(قده)[3] . إذن حرمة الغش ثابتة بلا كلام وإنما الكلام في التوجيه الفني لذلك.
وقد يتمسّك لذلك بالوجهين التاليين:-
الوجه الأوّل:- الروايات الواردة بمضمون من غشنا فليس منا، من قبيل صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( ليس منا من غشنا )[4].
وعلى هذا المنوال صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجلٍ يبيع التمر:-يا فلان أما علمت أنّه ليس من المسلمين من غشهم )[5] إلى غير ذلك ممّا هو بهذا المضمون.
هذا ويمكن أن يقال:- عن لسان هذه الأخبار هو لسان آدابٍ وأخلاقٍ وليس هناك ظهورٌ في الحرمة التكليفيّة ولا نريد أن ندّعي ظهورها في الأدب والسلوك والأخلاق التي هي أوسع من الحرمة التكليفيّة بل نقول إنّ لسانها يلتئم مع ذلك ولا ظهور لها في الحرمة التكليفيّة فيشكل التمسّك بها.
الوجه الثاني:- ما ذكره صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( بل العقل حاكم بقبحه لاعتبار ما فيه من الاغراء المترتّب عليه الفساد )[6]، فإذن هو(قده) تمسّك بحكم العقل.
ويرد عليه:- إنّه ماذا يقصد من وراء هذا الكلام فهل يقصد أنّه مجرّد أنّ العقل يقول هذا قبيحٌ فقط ولا يريد أن يتكلّم بشيءٍ آخر ؟ فإنّ هذا المقدار لا ينفع بيانه، وإذا كان يقصد تتمةً وهي أنّه إذا قَبُحَ بحكم العقل حَرُمَ بحكم الشرع فيرد عليه أنّ هذا يتم إذا تمّ أمران:-
الأوّل:- البناء على الملازمة وأنّ كلّ ما حكم العقل بقبحه حكم الشرع بحرمته، ونحن لا نرى أنّ الملازمة ضروريّة ولا أنّ عدمها ضرريّ، خلافاً لبعضٍ فإنّ البعض قال إنَّ الملازمة ضروريّة فإنّ الشارع سيّد العقلاء وينبغي أن يحكم كما يحكمون، وهذا لا نسلّم به إذ بما أنّه سيد العقلاء فلعله التفت إلى شيء لم يلتفتوا إليه.
وبقطع النظر عن هذا نقول:- يمكن للشارع أن يكتفي بحكم العقل فإنّه لا ضرورة لحكمه هنا فهو قد يحكم وقد لا يحكم لأنّه لا توجد ضرورة.
وقال البعض بضرورة العدم:- من باب أنّه إذا حكم العقل وحصل التحريك فلا يحتاج حينئذٍ إلى الشرع لأنّه يصير من تحصيل الحاصل.
ولكن جوابه واضح:- فإنّ بعض الناس لا يكتفي بحكم العقل فإنّ حكم العقل لا يحركه بل يوجد بعض الناس لا يتحرّك من التحريك مرّةً واحدةً فعله الشرع كذلك أيضاً، فصحيحٌ أنَّ العقل حكم ولكن محرّكيته هي بدرجة النصف فحينما يحكم الشارع يحصل التحريك بالدرجة الكاملة فلا يلزم من ذلك محذور اللغوية وتحصيل الحاصل.
وعلى أيّ حال كِلا المطلبين - يعني ضرورة الملازمة وضرورة عدم الملازمة - ليس بمقبولٍ.
والصحيح:- هو أنّه قد يحكم الشرع وقد لا يحكم، فإذن لا مثبت لحكم الشارع حتى نقول إذا حكم العقل بالقبح حتماً حكم الشرع بالحرمة بل قد يحكم وقد لا يحكم.
هذا مضافاً إلى أنّ الملازمة لو قلنا بها فهي تتمّ فيما إذا فرض أنّ القبح كان فعلياً لا فاعلياً ومن المحتمل في المقام أن يكون القبح فاعلياً، والمقصود أنّه تارةً نبني على أنّ الفعل يصير قبيحاً وهذا ما يعبّر عنه بالقبح الفعلي نسبة إلى الفعل يعني أنّ الفعل صار قبيحاً، وأخرى نقول الفعل لا يصير قبيحاً وإنما القبح يكون للشخص وأنَّ الصدور قبيح من هذا الشخص من قبيل ما نقول لبعضٍ ( هذا قبيحٌ منك ) أي أنَّ صدور هذا الفعل منك قبيح لا أنّ نفس الفعل قبيحٌ بل حيثية الصدور منك قبيحٌ، فهنا سوف يصير القبح فاعلياً، يعني أنَّ الفاعل يتّصف بالقبح وفاعليته تتصف بالقبح لا أن نفس الفعل قبيح.
وهذا الكلام قد قيل في باب التجرّي حيث وقع كلامٌ في أنّه لو تجرأ شخصٌ وشرب ما يقطع بكونه خمراً ولكنّه في الواقع ليس خمراً فقد قال صاحب الكفاية(قده) إنّ نفس الفعل يصير قبيحاً، وأما الشيخ الانصاري(قده) فقد قال إنّ نفس الفعل لا يكون قبيحاً وإنما القبح هو من الفاعل فأَرجَعَ السوء إلى الفاعل دون الفعل.
وأنا أريد أن أقول:- إنّ مسألة الملازمة تنفعنا فيما إذا قلنا إنّ القبح قبحٌ فعليّ، يعني أنّ نفس هذه المعاملة تكون قبيحة فإذا صارت كذلك فبضمّ الملازمة تصير محرّمة، أما ّإذا قلنا أنّ القبح فاعليٌّ لا فعليّ فالمعاملة لا تتّصف بالحرمة لأنّها لم تتّصف بالقبح حتى تتّصف بالحرمة.
إذن فكرة الملازمة تنفعنا فيما إذا فرض أنّ القبح كان فعلياً لا فاعلياً.
وفي مقامنا يحتمل أنّ القبح فاعليّ وليس بفعليّ . وعلى أيّ حال ما أفاده صاحب الجواهر(قده) مبنيٌّ على أمرين على التسليم بالملازمة وعلى كون القبح فعلياً لا فاعلياً فكلا الوجهين إذن قابلان للمناقشة.
والأجدر لإثبات حرمة الغش التمسّك بصحيحة هشام بن الحكم:- ( كنت أبيع السابري[7]في الظلال فمرّ بي أبو الحسن الأوّل موسى عليه السلام فقال لي:- يا هشام إنّ البيع في الظلال غشٌّ والغشُّ لا يحلّ )[8].