36/06/07


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
آلات اللهو.
ويقصد بها الآلات التي يستفاد منها لإيجاد الأصوات والألحان المحرّمة كالوسائل التي يستعملها أهل الغناء - وواضحٌ أنّ بعض تلك الوسائل مشتركة بين الاستفادة منها في المجال المحرّم والمجال المحلّل وبعضها لا يستفاد منه إلّا في المجال المحرّم ومحلّ كلامنا هو في التي لا يستفاد منه إلّا في المجال المحرّم -.
وقبل أن نتعرّض إلى حكم المعاملة عليها نتعرّض إلى حكم استعمالها:-
أما بالنسبة إلى حرمة الاستعمال:- فالمعروف بين الفقهاء حرمة الاستعمال ولم ينقل خلاف في ذلك.
ولكن ما هو وجه الحرمة ؟
والجواب:- قد يتمسّك بالروايات التي ذكرها صاحب الوسائل(قده) والتي عقد لها باباً مستقلاً[1] فإنه ذكر في هذا الباب الروايات التي قد يستفاد منها حرمة استعمال والتكسّب بآلات اللهو وأنهاها إلى خمسة عشر وراية، وربما توجد روايات في أبوابٍ أخرى يمكن الاستفادة منها، ونذكر بعض هذه الروايات من باب المثال:-
الرواية الأولى:- رواية سماعة:- ( قال:- قال أبو عبد الله عليه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتةً بآدم عليه السلام فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك )[2].
ودلالتها كما ترى فإنها تتوقّف على ضمّ مقدّمةٍ وهي أنّ كلّ ما جعله إبليس يكون استعماله حراماً وهذه المقدّمة ليست ثابتة.
الرواية الثانية:- رواية كليب الصيداوي:- ( قال:-سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة )[3].
ودلالتها كما ترى فإنّها موقوفةٌ على أنّ كلّ ما بُنبِتُ النفاق في القلب يكون استعماله محرّماً، والمقصود من النفاق هنا ليس ذلك النفاق بالمعنى المعروف - وهو أنّه يبطن الكفر ويظهر الإسلام في اللسان - وإنما هو بمعناه الأوسع ونلتزم أنّ كلّ ما يولّد المعنى الوسيع للنفاق يكون محرّماً، وعلى أيّ حال دلالتها واضحة الضعف.
الرواية الثالثة:- رواية السكوني أو موثقته - إذ قد ورد فيها النوفلي فإن بنينا على وثاقته فهي موثقة وإلا فهي وراية - :- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- أنهاكم عن الزفن والمزمار وعن الكوبات والكضرات )[4]، والزفن هو بمعنى الرقص أو بإضافة اللعب[5][6]، والكوبات هي جمع كوبة وهي النرد على ما قيل وقيل هي الطبل وقد ورد في نفس هذا الباب[7] تفسير الكوبة بالطبل، والكضرات جمع كضر وهو الطبل له وجهٌ واحد وجمعة كِضار كجبل وجِبال[8].
ودلالة هذه الرواية على المطلوب تحتاج إلى ضمّ قضيتين:-
الأولى:- إنّ المورد وإن كان هو المزمار والطبل لكن بعد ضمّ عدم الفصل يتعدّى إلى سائر آلات اللهو فلا يقال إنّ هذا أخصّ من المدّعى لأنّه يختصّ بالمزمار الطبل.
الثانية:- لابد من تقييد المزمار والطبل بما كان يستعمل في الحرام وإلا فلا يحتمل حرمة كلّ مزمارٍ كمزمار الأطفال مثلاً فإنّه لا يحتمل حرمته، فلابد إذن من هذا التقييد إما من باب عدم احتمال حرمة كلّ مزمار وطبل أو لأجل مناسبات الحكم والموضوع باعتبار أنّ الحرمة تتناسب مع هذا النحو من الطبل والمزمار.
وعلى أيّ حال لابد من ضمّ هاتين المقدمتين مقدمة موسّعة ومقدمة مضيّقة، فالأولى موسّعة حيث نتعدّى إلى سائر آلات اللهو ونلغي خصوصّية المورد، والثانية مضيّقة بخصوص المزمار والكوبة اللتان تستعملان في المجال المحرّم.
وقد يقال:- إنكم ذكرتم أكثر من مرّة أنّ التعبير بــ ( نهى النبي ) لا يستفاد منه الحرمة لأنّ هذا التعبير يتلاءم مع كون الصادر صيغة نهيٍ تفيد التنزيه دون التحريم فلو كان الصادر من النبي صلى الله عليه وآله ذلك فيصدق أنّه ( نهى النبي عن كذا )، فإذن هذا التعبير لا يستفاد منه التحريم وهنا قد يطبّق هذا المطلب.
والجواب:- إنّ هذا المطلب لا نعمّمه للمورد لأنّ الوارد هنا هو أنّ النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يقول ( أنهاكم ) ولم يقل الإمام عليه السلام ( نهى النبي ) وهذا إنشاءٌ وليس إخباراً.
إذن لابد من التفرقة بني هذين المطلبين بين التعبير بــ ( نهى ) وبين التعبير بــ ( أنهاكم )، وحيث إنّ الوارد هو تعبير ( أنهاكم ) فلا مشكلة.
نعم هناك مشكلة أخرى:- وهي أنّ متعلّق النهي ليس بمعلومٍ فما هو متعلقه ؟
وبكلمة أخرى:- أمّا بالنسبة إلى الزفن فالزفن فعلٌ فحينما قال النبي صلى الله عليه وآله ( أنهاكم عن الزفن ) فهنا نهيٌ عن الفعل فيثبت المطلوب وهو ثبوت الحرمة، أمّا المزمار فهو آلة واسمُ ذاتٍ وليس اسم فعلٍ فعلى هذا الأساس يكون النهي عن المزمار نهيٌ عن الذّات وليس نهياً عن الاستعمال أو عن المعاملة فكيف نثبت المطلوب ؟! وواضح أنّ من يقول إنّ النهي عن الذات يستفاد منه التعميم هو في راحةٍ ولكن نحن الذين لا نرتضي ذلك ماذا نصنع ؟
والجواب:- نقول أنّ المقدّر إما هو الأثر الظاهر والأثر الظاهر في المقام هو الاستعمال والمعاملة فكلاهما أثران ظاهران لوسائل اللهو هذه فيثبت بذلك المطلوب.
وإذا تنزّلنا وقلنا إنّه لم يثبت أنّ كِلا هذين هو الأثر الظاهر فنستعين بفكرة العلم الإجمالي فنقول إنَّ المقدّر هنا نحتمل أن يكون هو الاستعمال ونحتمل أن يكون هو المعاملة وبذلك يثبت حرمة هذين معاً من باب منجّزية العلم الاجمالي.
وعليه فيمكن أن يقال إنّ دلالة هذه الرواية لا بأس بها.
وهناك رواية أخرى ولكن لم يذكرها صاحب الوسائل(قده) في هذا الباب بل ذكرها في باب الأشربة المحرّمة وهي وراية أبي الربيع الشامي:- ( سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الخمر فقال:- قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- إنّ الله بعثني رحمةً للعاملين ولمحق المعازف والمزامير وأمور الجاهلية وأوثانها وأزلامها ..... )[9]، وبمضمونها رواية محمد بن مسلم[10].
ودلالتها موقوفة على أنّ محق الشيء يلازم حرمة استماله فإذا بنينا على هذا فالرواية قد تكون دالة على المطلوب.
ولعلّ الدلالة تحتاج إلى مقدّمة أخرى:- وهي أنّ الوارد فيها ( بعثني رحمة للعالمين ولمحق المعازف ) وهذا التعبير قد يتأمّل في دلالته على لزوم المحق فإن المحق هو غايةٌ ولا يلزم أن تكون هذه الغاية واجبة بل قد تكون بعض الغايات ليست بواجبة.
إذن لابد وأن نقول إنَّ التعبير بــ ( أمحق ) يدلّ على اللزوم ولو بالمناسبات من هنا وهناك وإلا فلا تتمّ الدلالة.
ومن خلال هذا كلّه اتضح أنّ الروايات وإن كانت كثيرةً إلّا أنّ دلالتها قد يتأمّل فيها، فإن تمت الدلالة أمكن التغلّب على المشكلة من حيث السند باعتبار أنّها روايات متعدّدة - أكثر من خمسة عشر رواية - فنضمّ إلى ذلك إمّا فكرة التواتر الإجمالي التي أشار إليها صاحب الكفاية(قده) أو فكرة التواتر المضموني وليس هنا توتر لفظي.
والفارق بين التواتر المضموني والتوتر الاجمالي هو أنّه في التوتر المضموني نفترض أنّ المضمون واحدٌ ولكن بألفاظٍ مختلفةٍ، أما في التواتر الإجمالي نفترض أنّ المضمون ليس واحداً ولكن نقول إنّ روايةً واحدةً - لا على التعيين - من بين هذا المجموع هي صادرة حتماً وبذلك يثبت المطلوب بناءً على أنّ دلالة كلّ هذه الروايات تامّة، فإذا افترضتا تماميّة دلالة جميع هذه الروايات فيمكن التغلّب على السند بضمّ إحدى هاتين الفكرتين، ولكن المشكلة هي أنّ دلالة هذه الروايات لم تتم .
وعلى أي حال إن تمت الدلالة فبها ونعمت وإن توقفنا في الدلالة فهل هناك وجوه أخرى للوصول إلى المطلوب – وهو اثبات حرمة الاستعمال - ؟
يمكن أن نذكر في هذا المجال الوجوه الثلاثة التالية لإثبات حرمة الاستعمال بقطع النظر عن الروايات:-
الوجه الأوّل:- إنّه مادامت هذه الآلة يتولّد منها الصوت واللحن المحرّمين فاستعمالها معناه إيجادٌ للمحرّم وإيجاد المحرّم محرّمٌ.
إن قلت:- صحيح أنّه ثبت بهذا حرمة استعمالها ولكن نحن نريد أن نثبت حرمة الاستعمال بما هو استعمال لا بما هو إيجادٌ للمحرّم فإنّ الحرمة هنا سوف تصير من ناحية أخرى - يعني من ناحية أيجاد المحرّم - فاستعمال هذه الآلات يكون محرّماً لأنه وسيلة لإيجاد المحرّم، فإذن الحرمة سوف تكون ثابتة من باب المقّدمة أو الوسيلة إن صحّ التعبير ونحن نريد إثبات حرمة الاستعمال بما هو استعمال.
قلت:- لماذا يكون هدفك هو إثبات حرمة الاستعمال بما هو استعمال ؟! بل المهم هو أن نثبت أنّ الاستعمال حرامٌ لأنّه يُوجِدُ الحرام بنحو العليّة التامّة كما هو المفروض وما يوجد الحرام بنحو العليّة التامّة يكون محرماً.
إذن لا تقُل إنّ الهدف هو إثبات حرمة الاستعمال بما هو استعمال إذ من أين لك أنّ هذا هو الهدف ؟! بل المهم هو إثبات حرمة الاستعمال.


[5] كما جاء في الصحاح، الجوهري، ج5، ص213.
[8] فلاحظ مجمع البحرين، ج4، ص12.