36/05/23


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وأمّا ما ذكره في المؤيد الثاني فهو مركب من مقدّمتين:-
الأولى:- إنّ الأصنام يلزم إتلافها لأنّها مادّة الفساد ولأنّ النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك.
الثانية:- إنّ ما يلزم إتلافه لا يجوز بيعه.
أمّا بالسبة إلى المقدّمة الثانية:- فالظاهر أنّها عرفيّة ولا أرى فيها ضعفاً، فقريبٌ أن نقول إنّه عرفاً إذا كان الشيء يلزم إتلافه فلا معنى لأن يُمضَى ويُجوَّز بيعه فإنّه توجد منافاة عرفيّة بين المطلبين.
وإنما الكلام في المقدّمة الأولى فكيف نثبت أنّ الأصنام يلزم إتلافها ؟ إنّه إذا كان الاستشهاد بفعله صلى الله عليه وآله فنحن نعرف أنّ الفعل أعمّ من اللزوم ولا يدلّ على لزوم ذلك، ولو سلّمنا أنّه يدلّ على اللزوم مع القرائن فنقول إنّه لو أردنا أن نسلّم ونقول إنّه صنعه من باب اللزوم فذاك باعتبار الزمان الخاص حيث إنّ المسلمين دخلوا مكة في بداية الإسلام فمن اللازم تكسير الأصنام وهدماً قضاءً على ما كانوا يعبدونه ويحترمونه أما في مثل زماننا الذي لا يفترض فيه ظهور الإسلام جديداً وإنما استقر وأصبحت تلك الأمور من المضحكات وترمز إلى عقولٍ سخيفةٍ فالالتزام بلزوم ذلك شيء صعب لاختلاف الفترة الزمنيّة الموجبة هناك للكسر بينما في زماننا لا توجب ذلك فلا يمكن التعدّي من ذلك الزمان إلى هذا الزمان.
وأمّا أنّه مادّة الفساد فيمكن أن يقال:- إنّ الأصنام كانت مادّة فساد في الفترة السابقة حيث كانت تشجّع على عبادة الأصنام والأوثان ولكن أين هذا في زماننا ؟!! فهل أنَّ وجود هذه يشجّع على عبادة الأصنام والأوثان بل هي موجبة للضحك والاستهزاء بما كانوا يفعلون، فكونها مادّة فساد في زماننا لا يمكن الالتزام بذلك.
إن قلت:- في إنّ هذه أشبه بصورة بعض الرموز كرموز الشيوعيين كـــ( ستالين ) فلو فرضنا أنّ تمثاله الآن موجود فأنت غير مستعد لإبقاء هذا التمثال بل تأمر بكسره، فلماذا الأصنام التي تعبد دون الله تقول هي ليست مادّة فساد فلا يلزم كسرها وأمّا صورة هذا الرجل تقول يلزم كسرها لأنها مادّة فساد فما هو الفارق ؟
وجوابه واضح:- فإنّ هذا الرجل له الآن خطّ فكري وإبقاء تمثاله هو نحو تأييدٍ لهذا الخطّ الفكري، وهذا بخلافه بالنسبة إلى الأصنام فإذا كان يوجد في زماننا الآن مختلف العبادات كما يقال في الهند فهم يعيشون في زاويةٍ وهو مورد للعجائب والغرائب فهذه الأصنام الآن ليس فيها تشجيع لخطٍ وتأييدٍ لهم بل هي على العكس من ذلك تماماً.
إذن على هذا القياس الحكم بلزوم إتلاف الأصنام والأوثان شيءٌ غير ثابت، ولو ثبت فهذا المؤيد سوف يتمّ ولكن أصل ثبوته محلّ تأمّل كما أشرنا إليه.
الوجه الخامس:- ما أفاده السيد اليزدي(قده)[1] حيث تمسّك بقوله تعالى ﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾[2] وبقوله تعالى ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ﴾[3]، بتقريب:- أنّ المقصود من الأنصاب هو الأوثان وحيث إنّه أمرنا بالاجتناب المطلق فيثبت بذلك حرمة البيع وإلا لم يحصل الاجتناب المطلق فإنّ الآية الثانية قالت﴿ فاجتنبوه ﴾ والآية الأولى قالت ﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾ والاجتناب المطلق إنما يتحقّق بترك البيع.
والجواب واضحٌ:- حيث تقدّم أكثر من مرّة من أنّ النهي أو الأمر الموجّه إلى الذات يحمل على الأثر الظاهر لا على كلّ فعلٍ من الأفعال، نعم إذا لم يكن هناك أثر ظاهر وكان الجميع على حدٍّ واحدٍ فربما يقال إنّه يستفاد الإطلاق - أو قل العموم - أمّا هنا فيوجد أثرٌ ظاهرٌ فالأثر الظاهر للأوثان هو العبادة، فحينئذٍ تكون هاتان الآيتان محمولتين على ذلك واستفادة حرمة البيع منهما أمرٌ مشكل.
الوجه السادس:- رواية تفسير القمي حيث روى عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام:- في قوله تعالى ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ﴾[4] وفي هذه الآية ذكر هذه الرواية وهي:- ( قال:- أمّا الخمر فكلّ مسكرٍ من الشراب ..... وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج وكلّ قِمارٍ ميسر وأمّا الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون ..... كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرامٌ من الله محرّمٌ وهو رجسٌ من عمل الشيطان وقَرَنَ الله الخمر والميسر مع الأوثان )[5].
وفرق هذا الوجه عن سابقه هو أنّه في السابق وإن كان السيد اليزدي(قده) قد تمسك بهذه الآية أيضاً ولكن الفرق هو أنّه في ذاك الوجه تمسّك بها لوحدها بقطع النظر عن الرواية فالاستدلال استدلال بالآية، أمّا هنا فالاستدلال هو بالرواية وما أشرنا إليه من الردّ والمناقشة لا يأتي هنا لأنّه هناك كنّا نقول يُحمل هذا الإطلاق أو الأمر بالاجتناب على الأثر الظاهر وهو العبادة، وهنا لا يأتي هذا الكلام لأنّ الإمام عليه السلام يصرّح ويقول:- ( كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيءٍ من هذا حرام من الله محرّم ) . إذن دلالة الرواية الشريفة على المطلب واضحة وعليه فهذا وجهٌ تام.
ونحن فيما سبق تأمّلنا في تفسير القمّي الموجود وقلنا من قال إنّه نفس النسخة الأصلية ؟، وأيضاً كان لنا تأمل آخر وهو أنّه توجد في الكتاب زيادة كما يتّضح ذلك لمن راجع الكتاب المكور ونفس وجود الزيادة فيه في بعض الموارد حيث قيل في بعض الأماكن من الكتاب ( رجوعٌ الى تفسير القمّي ) و (رجعٌ إلى تفسير القمّي ) و ( رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم القمّي ) وهذا قد يشكّل مناقشة في حجّية ما يذكر لأنه سوف تلتبس الزيادة عن غيرها، وهنا لا يأتي هذا الكلام لأنّ المفروض أنّ صاحب الوسائل(قده) له طريق صحيح إلى تفسير القمّي- بناءً على صحّة طريقه وغض النظر عما ذكرناه من مناقشة في طريقه وعلى الرأي العام الذي يقول بأنّ طريق صاحب الوسائل لا إشكال فيه وهو ليس تبرّكي - فيرتفع هذان الاشكالان لأن صاحب الوسائل عنده طريق معتبرٌ إلى عليّ بن إبراهيم وهو ينقل هذا الحديث عن علي بن إبراهيم فإذا كان ينقله من علي بن إبراهيم فلا يأتي هذا إشكال فإنّا لا ننقل عن النسخة وإنما ننقل عن صاحب الوسائل.
ولا تأتي أيضاً شبهة الزيادة والنقيصة هنا لأنّ المفروض هو أنّ الطريق إلى عليّ بن إبراهيم مباشرةً وإنما هي تأتي لو فرض أنّه وصلت إلينا النسخة من دون وجود طريقٍ إلى علي بن إبراهيم أمّا بعد وجود الطريق فحينئذٍ يثبت أنّ ما وصلنا هو من عليّ بن إبراهيم فلا إشكال.
كما أنَّ الدلالة جيّدة، ولكن يبقى أنّ عليّ بن إبراهيم ينقلها عن أبي الجارود وأبو الجارود سلّمنا بوثاقته باعتبار أنّ المفيد في رسالته العدديّة جعله من الرؤساء الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام - رغم أنه لا يوجد توثيق له من قبل الشيخ والنجاشي - ولكن يبقى السند من علي بن إبراهيم إلى أبي الجارود فأبو الجارود هو من الرواة عن الباقر عليه السلام وعليّ بن إبراهيم كان في فترة الغيبة الصغرى فالقطعة السندية من الرواة هنا لا نعرفهم، فبهذا الاعتبار تسقط الرواية عن الحجيّة.
إن قلت:- إنّه بناءً على المسلك الذي يقول إنّ رجال تفسير القمّي هم ثقاة لتوثيقه لهم في البداية فهنا لا مشكلة إذن؟
والجواب:- لو سلّمنا بهذه الكبرى فهو تمسّكٌ بالعام في الشبهة المصداقيّة وهو لا يجوز لأنّ بعض الرواة الذي يروي عنهم القمي قد ثبت جرحه بجرحٍ من قبل الخارج إمّا من قبل النجاشي أو من غيره وهذا الشخص الذي له جارحٌ لا يكون موثّقاً ومعتبراً لتعارض الجرح بالتعديل فيه - أي توثيق علي بن إبراهيم بجرح غيره - ونحتمل أن السند المفقود فيهم من هؤلاء فيصير المورد من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، ولا أريد أن أقول أني لا أقبل توثيق عليّ بن إبراهيم لرجال السند بل نغض النظر ونقبل ذلك ولكن نقول نحن نقبل ذلك إذا لم يكن له جارحٌ وبعضهم قد ثبت له جارحٌ فحينئذٍ نحتمل أنّ هذه القطعة المفقودة من السند هي من تلك الأسماء التي لها جارح فلا يمكن الاعتماد على السند المذكور.
إذن هذه الرواية لا بأس بها من حيث الدلالة وإنما المشكلة من حيث السند كما أوضحت.
نعم قد يقال من حيث الدلالة:- إنّ الوارد فيها هو ( وأما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون ) فعُبّر بــ ( كانت ) أي تلك الأوثان التي كانت فعلى هذا الأساس تختصّ حرمة البيع بتلك الأوثان التي كانت في تلك الفترة الزمنيّة والتي يعبدها المشركون، وعلى هذا الأساس من أين نحرز أنّ هذا الموجود في زماننا بسبب الحفريّات هو من تلك الأصنام التي كان يعبدها المشركون ؟! فإذن لا نستفيد من هذه الرواية شيئاً لعدم إحراز أنّ هذا الموجود الآن هو من تلك الأصنام.
وجوابه واضح:-
أوّلاً:- نقول إنّ كلّ ما هو موجود فهو في الحقيقة موجودٌ من زمان الشرك، وهل تولّد صنمٌ بعد زمان المشركين ؟!! إنّ هذا شيءٌ بعيد، فكلّ صنمٍ هو من زمان المشركين - ولا يقصد منهم خصوص مشركي مكة بل أعم من ذلك - يعبدها المشركون وألا بعد الشرك لم يجئ صنم.
ثانياً:- مع عضّ النظر عن ذلك يمكن أن نجيب ونقول إنّ كلمة ( كانت ) هنا ليست بمعن المضيّ وإنما المقصود منها بيان الصفة، فليس هي التي كانت تعبد في الزمن الماضي بل المقصود هو التي من أوصافها أنها كانت مورد عبادة للمشركين وكلّ صنمٍ يصدق عليه هذا الوصف بهذا المعنى.
والنتيجة:- هي أنها من حيث الدلالة لا مشكلة فيها وإنّما المشكلة من حيث السند.