36/01/28


تحمیل
الموضـوع:- أحكام المصدود - مسألة ( 439 ).
والمناسب ما هو المنسوب إلى الأكثر - أعني عدم لزوم ضمّ أحد الأمرين إلى الهدي -، والوجه في ذلك هو إطلاق الآية الكريمة فإنها أمرت المحصور بمعناه الأعم الشامل للمصدود - على ما تقدّم - بما استيسر من الهدي وقد حملنا المقصود من ذلك - أي من قوله تعالى﴿ فما استيسر من الهدي ﴾ - على لزوم ذلك بقرينة قوله تعالى ﴿ ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه ﴾.
إذن يكفي لحصول التحلّل ما استيسر من الهدي والآية الكريمة لم تضمّ إلى ذلك الحلق أو التقصير، وعلى من ذهب إلى ذلك إقامة الدليل على اعتباره . إذن إذا كنّا نحن وإطلاق الآية الكريمة يكون المناسب هو الاكتفاء بالهدي.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الروايتين المتقدّمتين اللتين ذكرنا أنّه قد يتمسّك بهما لإثبات وجوب الهدي في التحلّل:-
الأولى:- موثقة زرارة السابقة حيث جاء فيها:- ( المصدود يذبح حيث صُدَّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ) ولم يقل ( فيرجع صاحبه فيأتي النساء بعد ضمّ الحلق أو التقصير ) . إذن هي مطلقة من هذه الناحية فيتمسّك بإطلاقها.
وهكذا الرواية الثانية:- وهي صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة فإنه جاء في ذيلها:- ( فإن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث صدَّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة ) ولم تذكر أنه وضمّ إليه الحلق أو التقصير وإنّما هو نحر ورجع إلى المدينة.
والنتيجة:- هي أنّه لو خلّينا نحن والآية الكريمة مع هاتين الروايتين فالمناسب هو الاكتفاء بالهدي وعدم الحاجة إلى ضمّ أحد الأمرين.
وبعد هذا من المناسب أن نلاحظ ما يستدلّ به على أحد الأقوال الثلاثة فإن تمّ فنلاحظ ماذا نصنع في مقام المعارضة بين هذا وبين دليل الأكثر، وإن لم يتمّ فيبقى الاطلاق سالماً:-
أما بالنسبة إلى دليل القول الأوّل الذي يقول بلزوم الحلق:- فلم يذكر له دليل سوى رواية رواها العامة وأنّه صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية نحر وحلق، وقد أشار إلى الرواية غير واحدٍ منهم من قبيل ابن قدامة في المغني حيث قال ما نصّه:- ( وثبت أن النبي أمر أصحابه يوم حُصِروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا ... )[1]، وموضع الشاهد هو عبارة ( أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا )، فإذن هو لم يأمرهم بالنحر فقط وإنما أمرهم بالنحر والحلق ثم الإحلال من بعد ذلك فتكون دالة على أنّ نحر الهدي وحده لا يكفي لحصول التحلّل بل لابد من ضمّ الحلق .
وقد روى البيهقي هذه الرواية أيضاً في سننه[2].
وفيه:- إنّها لو تمّت سنداً وغضضا النظر عن إرسالها، ومضافاً إلى أنّ أصل الراوي لم تثبت وثاقته - أي حتى المرسل - فيمكن أن يقال بأنّها معارضة بالرويتين السابقتين ولا أقل صحيحة معاوية فإنه جاء في ذيلها أنّ الرسول صلى الله عليه وآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة، فتحصل معارضة . إذن لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية المرسلة باعتبار أنّها معارضة.
إن قلت:- لماذا لا نقول إنّ المورد من باب المطلق والمقيّد ؟ فصحيحة معاوية مطلقةٌ حيث لم تذكر الحلق بينما مرسلة البيهقي أو ابن قدامة ذكرت النحر فأيّ مانعٍ من أن نصير إلى التقييد ؟!
قلت:- هذا ليس من موارد التقييد إذ المورد مورد الإخبار فالروايتان تخبران عن فعل النبي، فصحيحة معاوية تقول:- ( أحلّ بعدما نحر )، إنّه إخبار عن قضيّة وقعت بينما مرسلة البيهقي تقول إنّه في صلح الحديبية ثبت أنّه صلى الله عليه وآله أمر أصحابه يوم حُصِورا أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا . فإذن هذه تقول إنّه أمر أصحابه بضمّ الحلق إلى الهدي بينما تلك تقول أحلّ بعد الهدي . فإذن هي إخبارٌ عن قضيّة واقعة فلا يمكن المصير إلى التقييد، وإنما التقييد من شؤون ما دلّ على الإنشاء من قبيل الآية الكريمة فإنّها فيها إنشاء حيث قالت:- ﴿ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ﴾، إنّه لا ما نع من تقييده إذا دلّت الرواية على إنشاءٍ بأن قالت:- ( فما استيسر من الهدي بعد ضمّ الحلق إليه )، إنّه شيءٌ وجيهٌ.
إذن النصوص التي هي في صدد الإنشاء وليست في صدد الإخبار في قضيّة معيّنة يمكن فيها تقييد المطلق، أمّا في موردنا فالمفروض أنّه إخبارٌ عن قضية الحديبية.
هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يقال:- هي معارضة أيضاً بما سوف يأتي في دليل القول الثاني الذي يقول بأنه لابد من ضمّ التقصير فإنه سوف نذكر أنّه يذكر وراية تقول إنّه صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية قصّر بعدما نحر لا أنه حلق، فهذه أيضاً تصير معارضةً ثانية . إذن توجد مجموعتان من الروايات تعارضان هذه المرسلة.
إضافة إلى كلّ هذا يمكن المناقشة في دلالتها على اللزوم لما أشرنا إليه أكثر من مرّة وحاصله:- إنّه لابد من التفرقة بني حالتين بين حالة ما إذا فرض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأصحابه ( أمركم بأن تنحروا وتحلقوا ثم تحلّوا ) هنا كما قرأنا في الأصول أنّ مادّة الأصول كصيغته هي ظاهرةٌ في الوجوب، وبين حالة ما إذا فرض أن الامام عليه السلام نقل ما صدر عن جدّه أو عن أبيه بأن يقول ( أمر النبي أصحابه بكذا ) فإن هذا كما يلتئم مع الوجوب يلتئم مع الاستحباب أيضاً إذ هي تقول ( أمر ) أي صدر منه أمرٌ أمّا بأي صيغةٍ قد صدر ؟ فهل صدر بالصيغة الدالة على الوجوب أو بالصيغة الدالة على الاستحباب بسبب القرينة ؟ إنّ النقل المذكور ساكت وحياديٌّ من هذه الناحية، وهذه قضية سيّالة ينبغي الالتفات إليها.
وأمّا القول الثاني - أعني لزوم التقصير -:- فقد يستدلّ له برواية حُمران ومرسلة المفيد:-
أما رواية حمران:- فهي عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله حين صدّ بالحديبية قصّر وأحّل ونحر ثم انصرف منها ولم يجب عليه الحلق حتى يقضى النسك فأما المحصور فإنما عليه التقصير )، إنه استدل بهذه الرواية حيث إنّه فرض فيها أنه صلى الله عليه وآله قصّر، فإذن يثبت بذلك أنّ التقصير لازم.
وإذا قيل:- إن هذا فعلٌ والفعل كما ذكرنا أنه أعمّ من الوجوب.
قيل:- توجد قرينة في نفس الرواية قد تساعد على استفادة الوجوب من كلمة ( قصّر ) هنا بالخصوص وهي عبارة ( ولم يجب عليه الحلق ) فليس من البعيد أنه يفهم منه أنّ الحلق يأتي وجوبه بعد ما يتمّ المكلف النسك أمّا في مثل هذا المورد الذي هو قبل إتمام النسك فالتحلّل يجب فيه التقصير.
ولكن يرد عليها:- أنّها معارضة بصحيحة معاوية المتقدّمة فإنه جاء فيها إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث صدَّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة والإمام في مقام تحديد ما صنع النبي فيفهم من ذلك أنّه اكتفى بالنحر ورجع إلى المدينة لا أنّه ضمّ شيئاً فهي تعارض ذلك النقل، - يعني نقول إنَّ رواية حمران التي تقول إنّه ضمّ التقصير وقلنا إنّه لا مجال لفكرة التقييد لأنهما تخبران عن قضيّة واحدة وفي مجال الإخبار لا معنى للتقييد فتتحقق العارضة -.
هذا مضافاً إلى أنّ سندها قابل للتأمل باعتبار أنه قد ورد فيه عبد الله بن فرقد وهو مجهول الحال.
وأما مرسلة المفيد:- فنصّها كما في المقنعة هو:- ( قال عليه السلام:- .... والمصدود بالعدوّ ينحر هديه الذي ساقه بمكانه ويقصّر من شعر رأسه ويحلّ .. ) ، فهو ينقل هذه الرواية التي تذكر أنّ المصدود يحتاج في تحقّق الحلّ منه إلى هديٍ وتقصيرٍ فلاحظ الوسائل[3].
ودلالتها على اللزوم لا بأس بها حيث إنّه عليه السلام أمر بجملةٍ فعليّةٍ حيث قال:- ( والمصدود بالعدو ينحر هديه ويقصّر ) والجملة الفعليّة كما ذهب صاحب الكفاية - خلافاً للنراقي - تدل على اللزوم والوجوب.
ولكن المشكلة هي أنّها مرسلة.
أمّا بالنسبة إلى المعارضة فيمكن أن يقال:- لا معارضة بينها وبين مثل موثقة زرارة حيث ورد في موثقة زرارة:- ( المصدود يذبح حيث صُدَّ ويرجع صاحبه ) وهذه مطلقة، وهو حكمٌ انشائيٌّ فتصير هذه الرواية مقيّدةٌ لأن الرواية الثانية انشائية أيضاً فالتقييد لا بأس به، فالمورد ليس من موارد المعارضة، نعم إذا كانت تَنقُل قصّة الحديبية تصير معارضةً ولكنّها لم تقل قصّة الحديبية، والمهم أنّها ضعيفة السند فلا يمكن الاعتماد عليها.
وأمّا بالنسبة إلى القول الثالث - أعني التخيير -:- فقد استدلّ له برواية عليّ بن ابراهيم في تفسيره:- ( .... وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم فامتنعوا وقالوا كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة فاغتمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وشكى ذلك إلى أم سلمة فقالت يا رسول الله انحر أنت واحلق فنحر رسول الله صلى الله عليه وآله وحلق ونحر القوم على يقينٍ وشكٍّ وارتياب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله تعظيماً للبدن رحم الله المحلّقين، وقال قوم لم يسوقوا البدن:- يا رسول الله والمقصرين ؟ لأنّ من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثانياً:- رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي، فقالوا:- يا رسول الله المقصرين ؟ فقال:- رحم الله المقصرين )[4]، وهي مذكورة في تفسيره أيضاً[5]، فهذه الرواية قد استدلّ بها على أنّ من صُدّ يجوز له الحلق ويجوز له التقصير، نعم قد يفهم أنّ من ساق الهدي يتعيّن عليه الحلق أمّا مَن لم يسُق الهدي فيجوز له التقصير.