32/05/28


تحمیل

هذا وقد ذكر صاحب الجواهر[1] :- انه يمكن أن يقال بالتخيير،يعني هي مخيرة بين أن تستر شيئاً من وجهها تحفظاً على ستر الرأس اللازم في الصلاة وبين أن تعكس ، أي تكشف شيئاً من رأسها تحفظاً على كشف الوجه .

 إذن هي مخيرة إن لم نقل بأن الستر الصلاتي هو المقدم لا لأجل العمومات كما ذكر صاحب المدارك بل لأجل أن حق الصلاة أسبق وأهم،ونص عبارته هي ( فالمتجه حينئذ التخيير إن لم ترجح الصلاة بكونها أهم واسبق حقاً ونحو ذلك ) هذا ما أفاده (قده ).

 إذن هو قد أبرز احتمالين،احتمال التخيير واحتمال تقديم الستر الصلاتي كما صنع صاحب المدارك،ولكن لا لأجل العمومات بل لأجل حق السبق والأهمية.

وفيــه:- أما ما ذكره بالنسبة إلى التخيير فسيتضح الحال فيه فيما بعد وان المناسب هو تقديم الستر الصلاتي لوجهين نذكرهما فيما بعد إنشاء الله تعالى.

 إذن التخيير ليس شيئاً مقبولاً ، ولكن لماذا ؟ سوف يتضح فيما بعد.

 وأما ما ذكره من أنه يمكن التقديم للستر الصلاتي ومقدم لأجل انه أسبق ، فلا نعرف مقصوده من ذلك،فهل يقصد انه أسبق جعلاً أو انه أسبق مجعولاً .

 فان كان يقصد الأول أعني الأسبق تشريعاً فهذا واضح الوهن،إذ في مقام التشريع لا سبق لبعضٍ على بعضٍ آخر،وإنما السبق والتقدم والتأخر هو بلحاظ المجعول والفعلية،وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات .

 وان كان يقصد الثاني ، أي أنه أسبق مجعولاً ، ففيه أن الإحرام قد يكون هو الأسبق مجعولاً كما هي الحالة المألوفة والغالبة ، فانه عادةً يحرم المكلف وبعد ذلك يحل عليه وقت الصلوات البعدية ، فالوجوب الفعلي للصلوات البعدية يحل بعد ذلك بينما الوجوب الفعلي للإحرام وما يقتضيه بلوازمه قد تقدم . هذا مضافاً إلى أن مجرد السبق هل يستدعي التقديم ؟ إذن هذا لا معنى له.

 وأما ما ذكره من انه يمكن تقديم الستر الصلاتي باعتبار أنه أهم .

فقد ذكر السيد الخوئي[2] أنه لا معنى للتقديم بالأهمية .

والوجه في ذلك:- إننا نسلم بأن الصلاة عمود الدين ،واهم من بقية الواجبات ، فلو دار الأمر بين فعل الصلاة وفعل واجب آخر قدم فعل الصلاة ، ولكن في مقامنا لا يدور الأمر بين أن تصلي المرأة وبين الواجب الآخر ، أعني الكشف عن وجهها حالة الإحرام ، فأصل الصلاة لا تصل النوبة إلى تركها حتى يقال هي أهم فلا تترك ، وإنما الدوران هو بين ستر الرأس للصلاة والكشف عن الوجه لأجل الإحرام ، أن الدوران هو بين هذين ولا أهمية للأول أعني الستر الصلاتي على الثاني .

 إذن الأهمية وان كانت ثابتة لفعل الصلاة ولكن الأمر لا يصل إلى تركها ، وليس الدوران بين فعلها وبين الكشف الذي يستدعي الكشف عن الوجه ، وإنما الدوران بين ما ذكرناه ، أي الستر الصلاتي والكشف عن الوجه الذي يقتضيه الإحرام ولا رجحان ولا أهمية للأول . هذا ما ذكره (قده).

والخلاصة:- إن السيد الخوئي (قده) يقول إن الدوران بين هذين أي الستر الصلاتي والكشف عن الوجه وليس الدوران بين الصلاة وبين الستر حتى نقول الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها ... وما شاكل ذلك ، كلا ليس هكذا ، فإذا كان الدوران بين هذين لا مرجح لهذا على هذا، يعني لا أهمية لهذا على هذا حتى نقدم الأول على الثاني . انتهى ما أفاده (قده).

وفيـه:- انه فنيّاً ينبغي أن لا يكون الدوران والتزاحم وهذه قضية فنية مهمة وظريفة فالتفت إليها بين الواجبات الضمنية بما هي واجبات ضمنية وبما هي تكاليف ضمنية ، وإنما التزاحم يصير بين الواجبات النفسية ، فان الواجب الضمني ناشئ من الواجب النفسي ومتولد منه ، فالتزاحم لا معنى لملاحظته بين الواجبات الضمنية ، بل ينبغي أن يلاحظ بين الواجبات النفسية . هكذا ينبغي فنياً وعلمياً.

 وبناءاً على هذا تصير المزاحمة بين الوجوب النفسي للصلاة بما يستدعيه من شرائط ولوازم والتي منها ستر الرأس وستر شيء من الوجه من باب المقدمة ، إن هذا كله من توابع ولوازم ( أقم الصلاة ) ، إن المزاحمة بين هذا أي ( أقم الصلاة ) بما يقتضيه من لوازم وبين وجوب الحج بما يقتضيه من لوازم وشرائط ،أي بما يقتضيه من إحرام بما له من مقدمة يعني الإحرام وهي كشف الوجه بما له من مقدمة وهي الكشف عن شيء من الرأس ، إن الدوران والمزاحمة هي بين هذين التكليفين النفسيين وليس يبن التكاليف الضمنية ، وإذا عبرنا أحياناً بأن التزاحم يقع بين التكاليف الضمنية فذاك مسامحة في التعبير والمقصود هو المزاحمة بين التكاليف النفسية بما تستدعيه من لوازم ، فإذا عرفنا هذا حينئذ نقول في مقامنا هل يوجد تزاحم بين هذين التكليفين النفسيين أو يوجد تعارض ؟ فان كان يوجد تزاحم فالتقديم بالأهمية يكون وجيهاً لأن المرجح في باب التزاحم هو الأهمية ، فحينما أشاهد شخصين على وشك الغرق إنهما تكليفان متزاحمان فماذا افعل ؟ يلاحظ الأهم منهم بأنه نبي أو وصي أو عالم أو ما شاكل ذلك ، فيقدم الأهم أو محتمل الأهمية بحكم العقل ، والسيرة العقلائية جارية على هذا، فإذا كان بينهما تزاحم تصل النوبة إلى تقديم الأهم ، أما إذا كان بينهما تعارض فلا معنى للتقديم بالأهمية ، فان المرجحات في باب التعارض أمور أخرى من قبيل أنه يقدم ما هو الموافق للكتاب أو ما هو المخالف للغير أو أو ...... أن المرجحات هي من هذا القبيل وليس ملاحظة الأهمية.

 وحينئذ نقول المناسب هو أن يكون بينهما تعارض لا تزاحم ، ومعه لا وجه للتقديم بالأهمية.

إن قلت :- لماذا نقول أن بينهما تعارضاً ولا نقول إن بينهما تزاحماً كما بين ( صل ) و (أزل ) ،انه لو دخلنا المسجد وحل وقت الصلاة وكانت هناك نجاسة في المسجد قيل بأن بينهما تزاحماً ، أي تزاحم في مقام الامتثال ، انه ما الفارق بين ( صل ) و( أزل ) إذ قيل أن بينهما تزاحم ، وبين التكليفين في مقامنا حيث نقول أن بينهما تعارضا؟

قلت :- إن ( صل ) و (أزل ) يمكن تطبيق فكرة الترتب عليهما ، فيقيد أحدهما ، يعني يمكن أن يقيد أحدهما بعدم الاشتغال بالآخر ، فيقال مثلاً ( صل إن لم تشتغل بالإزالة ) انه شيء مقبول ، وما دام يمكن تطبيق فكرة الترتب عليهما فلا معارضة ، بل يقع بينهما تزاحم ، وهذا بخلافه في مقامنا فانه لا يمكن تطبيق فكرة الترتب ، فان المرأة إذا أحرمت من مسجد الشجرة مثلاً وبعد ذلك حل عليها أوقات الصلاة كما هي العادة ، فلا معنى لأن يقال لها ( صل - بما يقتضيه من لوازم - إن لم تشتغلي بالإحرام ) إن هذا لا معنى له ، فإنها قد أحرمت وانتهى كما هو الغالب على ما قلت ، أن تطبيق فكرة الترتب لا معنى لها في مثل المقام ، ونحن نعرف أن من ثمرات فكرة الترتب كما قرأنا في الحلقة الثالثة دخول الدليلين تحت باب التزاحم وخروج باب التزاحم عن باب التعارض ، أما إذا قلنا أنه لا يمكن تطبيق فكرة الترتب كما هو رأي الآخوند والشيخ الأنصاري فكل متزاحمين سوف يكونان متعارضين ويدخل باب التزاحم في باب التعارض ولا يكون بين البابين مغايرة ، وإنما يكون التزاحم باباً في مقابل باب التعارض فيما لو أمكن تطبيق فكرة الترتب ، أما إذا لم يمكن فيعود كل متزاحمين متعارضين وهذه قضية جديرة بالالتفات إليها ، وفي مقامنا حيث لا يمكن تطبيق فكرة الترتب بين الأمر بالصلاة وبين الأمر بالحج بما يقتضيه من لوازم فلا يكون بينهما تزاحم حتى نقدم أحدهما من باب الأهمية.

 أذن التقديم بالأهمية لا معنى له لأن المقام داخل في باب التعارض وليس في باب التزاحم.

إذن الخلاصة :- المقام هو من باب التعارض دون باب التزاحم ، فلا معنى للترجيح بالأهمية ، ولكن رغم هذا نقدم الستر الصلاتي ونقول للمرأة ( لا محذور في أن تستري شيئاً من وجهك أثناء الصلاة ) وذلك لوجهين:-

الوجه الأول:- تطبيق فكرة الانصراف على دليل ( إحرام المرأة في وجهها ) فيقال إن صحيحة ابن ميمون التي قالت ( المحرمة لا تتنقب لأن إحرام المرأة في وجهها ) منصرفة عن ستر مقدار من الوجه بمقدار يسير ، إن هذا جائز ومنصرف عنه دليل ( إن إحرام المرأة في وجهها ) لأن الخمار إذا لبسته على رأسها وأبرزت قرص وجهها انه وان انستر شيء من حواشي الوجه ولكن مثل هذا لا محذور فيه لأنه يصدق عليها أنها أحرمت بوجهها ، فإذا أبرزت قرص وجهها يقال أنها أحرمت بوجهها ، وهذه الدقة بحيث يلزم أن تبرز حتى الحواشي انه شيء لا يشمله الدليل ومنصرف عنه ، فانه يصدق أنها أحرمت بوجهها ، وبالتالي لا محذور في ذلك. وهذا شيء ظريف ينبغي الالتفات إليه.

[1] الجواهر 18 - 391

[2] المعتمد 4 - 228