32/05/21


تحمیل

النقطة الثانية :- الاحوط ترك الارتماس في غير الماء أيضاً .

والوجه في ذلك :- أنا لو رجعنا إلى الروايات لوجدناها تنهى عن الارتماس في الماء ، فأخذت قيد الماء بعين الاعتبار ، وبما أننا ذكرنا سابقاً ان الارتماس هو منهي عنه بعنوانه - فان ذلك مقتضى ظاهر كل وصف يؤخذ في لسان الدليل فمانعيته بما هو هو وليس لأجل التغطية - فيقتصر على مورد النص ، وحيث ان النص قد اخذ قيد الماء فيكون المنهي عنه هو الارتماس في خصوص الماء ، غاية الأمر يحتمل ان العرف يلغي خصوصية الماء ويكون ذكره من باب بيان الفرد الغالب فان الارتماس يكون عادة في الماء ، انه لأجل هذا الاحتمال أو لأجل احتمال ان الارتماس منهي عنه لأجل كونه مصداقاً للتغطية ، وتغطية الرأس كما تتحقق بالارتماس بالماء تتحقق بالارتماس في غيره أيضاً.

 انه لأجل هذين الاحتمالين يكون الاحوط ترك الارتماس في غير الماء ، غايته أنه إذا فرض ان منشأ الاحتمال هو إلغاء العرف للخصوصية - أي لخصوصية الماء - وحمل ذكر الماء على كونه الفرد الغالب والعادي يكون من المناسب جعل الاحتياط وجوبياً لوجاهة هذا الاحتمال بدرجة معتد بها ، وأما إذا فرض ان منشأ احتمال التعدي هو كون الارتماس فرداً من التغطية ، فيكون من المناسب جعل الاحتياط احتياطاً استحبابياً فان هذا الاحتمال ليس بدرجة قوية ، وهذا احد مناشئ اختلاف الاحتياط ، فالفقيه أحياناً يجعل الاحتياط وجوبياً وأخرى استحبابياً ، وهذا له عوامل متعددة وفي مقامنا تكون قوة الاحتمال وضعفه هي المنشأ للتفاوت المذكور .

إذن النتيجة هي :- ان الاحوط هو التجنب عن الارتماس حتى في غير الماء للاحتمالين اللذين أشرنا إليهما .

وقد يقول قائل :- انه توجد في الروايات رواية لم تأخذ قيد ( الماء ) بعين الاعتبار وإنما جعلت المدار على رمس الرأس من دون تقييد بكونه في الماء ، ومعه يؤخذ بإطلاق هذه الرواية ويكون التعميم لمطلق السوائل على مستوى الفتوى دون الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي وتلك الرواية هي صحيحة عبد الله بن سنان التي رواها الشيخ الطوسي [1] فانه جاء فيها ( ولا ترتمس في ما يدخل فيه راسك ) انه بناءاً على هذا النقل تكون ناهية عن الارتماس في مطلق السوائل من دون اختصاص بالماء ، ولكن إذا رجعنا إلى الوسائل وجدنا العبارة فيه هكذا ( ولا ترتمس في ماءٍ تدخل فيه رأسك )[2] وهكذا إذا رجعنا إلى الوافي[3] نجده ينقل الرواية عن التهذيب كما نقلها صاحب الوسائل يعني ( ولا ترتمس في ماء تدخل فيه راسك ) .

وبعد الالتفات إلى هذه الملاحظة نسأل ما هو الموقف الذي يلزم الأخذ به ؟

والجــواب :- إنا نتكلم على تقادير ثلاثة :-

التقديـر الأول :- ان نفترض ان صحيحة ابن سنان هي الموجودة بأيدينا فقط ولا توجد رواية أخرى غيرها ، ونفترض ان الوارد فيها ما جاء في التهذيب ، يعني ( ولا ترتمس في ما تدخل فيه راسك ) ، ومن الواضح انه على هذا التقدير نأخذ بالعموم ونحكم بحرمة الارتماس بأي سائل كان من دون خصوصية للماء .

التقديـر الثاني :- ان نفترض ان الوارد في صحيحة ابن سنان ما جاء في التهذيب أي ( ولا ترتمس في ما تدخل فيه راسك ) ونفترض وكما هو الواقع - وجود روايات أخرى أخذت عنوان الماء بعين الاعتبار .

انه على هذا التقدير ماذا يكون المناسب ؟

ان في ذلك احتمالين :- وترجيح أحدهما على الآخر يرجع إلى استظهار الفقيه :-

الاحتمال الأول :- ان نأخذ بإطلاق صحيحة ابن سنان ، ولا يكون ما ورد في الروايات الأخرى معارضاً بل نحمله على بيان الفرد الغالب فتكون هناك موافقة بين صحيحة ابن سنان وبين بقية الروايات ، غايته ان بقية الروايات تعرضت إلى الفرد الغالب وهو الماء ونهت عن الارتماس به وصحيحة ابن سمان بينت حكماً عاماً وشاملاً للارتماس في أي سائل ، وبناءاً على هذا نحكم بحرمة الارتماس في مطلق السائل .

الاحتمال الثانـي :- ان نقول ان قيد الماء حيث اخذ في الروايات الأخرى وحمله على بيان الفرد الغالب أمر لا داعي إليه ، فأخذه قيداً يكون موجباً لانعقاد مفهومٍ وهو انه لا يحرم الارتماس في مطلق السائل ، إذ لو كان يحرم الارتماس في مطلق السائل لكان التقييد في الروايات الأخرى بقيد الماء يكون لغواً ، فينعقد مفهوم بهذا المقدار وهو انه لم تثبت حرمة للارتماس في طبيعي السائل .

 وعلى هذا الأساس لا يمكن ان نحكم بأن الارتماس لا يجوز في الماء ولا في غيره من السوائل لأجل المفهوم الذي اشرنا إليه .

 إذن الاحتمال الأول تكون نتيجته تحريم الارتماس في مطلق السائل ، وحمل قيد الماء في بقية الروايات على بيان الفرد الغالب ، بينما نتيجة الاحتمال الثاني هو عدم حرمة الارتماس في مطلق السائل وإلا كان ذكر قيد الماء في بقية الروايات لغواً وبلا فائدة .

 إذن يوجد احتمالان على هذا التقدير ويبقى الأمر متروكاً إلى استظهار الفقيه ، فان استظهر الأول حكم بحرمة الارتماس في مطلق السائل ، وان استظهر الثاني لم يحكم بذلك ، وان تردد فينتقل آنذاك إلى الاحتياط ويقول الاحوط التجنب عن الارتماس في مطلق السائل .

التقدير الثالث :- وهو المطابق للواقع ، وذلك بان نتعامل مع صحيحة ابن سنان كما هو واقعها ، يعني ان الشيخ نقلها بصيغة ( في ما ) وصاحب الوسائل والوافي نقلاها بصيغة ( في ماءٍ ) وبناءاً على هذا تكون نُسَخ التهذيب مختلفة ، فتوجد نسخة وهي المطبوعة الآن بأيدينا والمثبت فيها ( في ما ) بينما هناك نسخة أخرى عثر عليها العلمان الحر والفيض والموجود فيها كلمة ( ماء ) ، وأيضا هناك روايات أخرى متعددة أخذت قيد الماء بعين الاعتبار .

انه على هذا التقدير ماذا يكون المناسب ؟

ان المناسب :- هو حرمة الارتماس في خصوص الماء ، لأجل ان الروايات الأخرى أخذت هذا القيد بعين الاعتبار ، وصحيحة ابن سنان لا تصلح للمعارضة ، لان نسخها مختلفة ويحتمل أنها موافقة لبقية الروايات - يعني ان المذكور فيها قيد الماء - فتعود الروايات الأخرى بلا معارض ، وتكون النتيجة هي حرمة الارتماس في خصوص الماء ، غاية الأمر الاحوط هو التعميم ، للاحتمالين السابقين مع إضافة هذا الاحتمال الجديد فتحصل مناشئ ثلاثة للاحتياط بالتعميم اثنان منها ما تقدم والثالث هو هذا ، يعني يقال انه توجد نسخة لصحيحة ابن سنان عبَّر بصيغة ( في ما ) وهذه النسخة وان لم تثبت ولكن الاحتياط لأجلها شيءٌ وجيه .

 هذا كله في النقطة الثانية .

النقطة الثالثة :- الظاهر انه لا فرق في حرمة الارتماس بين الرجل والمرأة ، فكلاهما يحرم عليه ذلك .

والوجه فيه :- أنا فيما سبق حملنا النهي عن الارتماس على الموضوعية - يعني انه نهي عن الارتماس بما هو ارتماس وليس بما انه مصداق للتغطية - ومعه يكون المناسب تعميمه للرجل والمرأة . نعم لو كان النهي عنه بما هو مصداق للتغطية فالمناسب اختصاص التحريم بالرجل ، أما بعد استظهار ان النهي عنه بما هو ارتماس فالمناسب التعميم للرجل والمرأة .

ان قلت :- ان الوارد في الروايات عنوان المحرم حيث قيل ( ولا يرتمس المحرم .....) فكيف تعمم للمرأة بعد انطباق عنوان المحرم على خصوص الرجل ؟

والجـواب :- ان هذا مثل عنوان المصلي في باب الصلاة ، فكما يحمل على من يزاول الصلاة أعم من كونه رجلا أو امرأة كذلك يحمل هنا على ذلك .

 إذن المناسب التعميم للرجل والمرأة بعد البناء على كون النهي عن الارتماس بما هو ارتماس كما صنع السيد الماتن .

بقي شيء صغير لم يشر إليه السيد الماتن ، ولعله لم يذكره لوضوحه وهو :- هل المحرَّم رمس جميع البدن الشامل للرأس ، بمعنى انه لو رمس جميع بدنه من أصابع الرجلين إلى قمة الرأس فآنذاك يتحقق المحرَّم ويكون المكلف مخالفاً لحكم الشرع ، أو ان المدار هو على خصوص الرأس من دون عبرة لبقية البدن ؟

والجواب :- ان بعض الروايات عبرت وقالت ( ولا يرتمس المحرم في الماء ) ، ولو خلينا نحن وهذه الروايات لكانت تتلاءم مع الاحتمال الأول وان العبرة برمس مجموع البدن ، ولكن توجد روايتان أخذتا قيد الرأس وجعلتا المدار عليه ، إحداهما صحيحة ابن سنان المتقدمة فإنها قالت ( ولا ترتمس في ما في ماء تدخل فيه راسك ) انه على كلا النقلين أخذت قيد الرأس بعين الاعتبار وجعلت المدار عليه - اعني على رمس الرأس - ، ورواية ثانية وهي صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ( سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يدخل الصائم رأسه في الماء ؟ قال: لا ، ولا المحرم )[4] انه من خلال هاتين الروايتين يتضح ان المدار هو على رمس الرأس ولا عبرة ببقية البدن.

[1] التهذيب 5 - 307

[2] المصدر السابق ح1

[3] الوافي 12 - 622

[4] المصدر السابق ح 6